عندما يمنح الله المرء قدرا من الأخلاق والموضوعية في التفكير والتصرف سيجد نفسه في صف الوطن وأهله، لذلك لا يبخل بوقته وجهده وقدراته وروحه في سبيل البحث عن سكة للخلاص تقود الوطن بكل انتماءاته وألوان قوس قزحه من البسطاء والمهشمين إلى دائرة الضوء. الموضوعية هي الركيزة الأولى التي تتيح للمرء رؤية الأشياء والوجوه بلا اقنعة و الأفعال كما هي بلا رتوش لان الأخلاق والموضوعية هما جزءا من منظومة القيم التي يجب أن يتحلى بها المرء لاسيما إذا كان وضع نفسه أو وضعته ظروفه وأحواله في خانة القائد أو المفكر أو الكاتب أو المثقف عموماً، ليسهم بشكل أو بأخر في إنجاز مشروع الأستقرار والتطور والرقي لذلك يجد هذا النوع من الناس نفسه مطالباً باحترام خيارات ورغبات وأراء الآخرين، ليس هذا فحسب وإنما مدافعاً ومفاحماً لكل من تسول له نفسه من الحكام التعدي على حقوق الناس الأساسية في حياة حرة كريمة ، مُذكراً نفسه والآخرين وبخاصة الذين بيدهم مقاليد السلطة إلى المعقول وغير المعقول وذلك حتى لا يتيه الحاكم المبجل من جانب الذين هم دوما على استعداد لسبك المديح والإطراء الذي يترتب عليه شعور الحاكم أو من هو في دائرته، بأنه مؤهّل لفعل المستحيل لأنه حاز على قلوب الشعب بسبب الضجيج والصخب والبهرجة التي يضطلع بها الإعلام المكرس للوي عنق الحقيقة بمساندة حاشية المثقفين الانتهازيين الذين تعوزهم القدرة والأخلاق على قول الحقيقة، وتسمية الأشياء بأسمائها بل يوظفون أقلامهم لبيع الحاكم ذات الأوهام والشعارات التي تشبع سكان الكرة الأرضية كذبا ونفاقا، ليس إيماناً منهم بصوابية الطرح وموضوعية الهدف وإنما لأن ذلك يؤمن لهم البقاء في دائرة ضوء الحاكم، من خلال تزييفهم للحقائق وتخديرهم للشعب والتلاعب بقضاياها، عبر دفاعهم المستميت بكل جوارحهم وما يملكون، دفاعاً عن خيارات الحاكم الفاشلة . مثل هؤلاء الناس من المثقفين لا يعينهم أن يبقى الوطن كما هو أو تتقطع اوصاله، لأنهم مسكنون بداء السلطة والمال والانتهازية، تراهم يبيعونك أنت والوطن بحفنة من الجنيهات، أو وعود بوظائف في سلطة بلا شرعية حين ترى ذلك بأم العين، ما الذي يمكن أن تفعله..؟ إنك، بوصفك مهندساً، مدرّساً، كاتباً، مثقفاً.. تقف في وجوههم صارخاً: هذا حقي، هذا حق هؤلاء الناس الفقراء، وأنتم بي وبهم وبالوطن تتاجرون. حينذاك يواجهونك بالخيانة والعمالة والتمرد وزعزعة الاستقرار مما يجعل المرء يتساءل اي استقرار يعنيه هؤلاء ..؟ الاستقرار، هو ان يتقسم الوطن..؟ وان تبقى الاغلبية من الشعب جاثية راكعة خاشعة تحت اقدام الطاغية سارق ارادة الشعب ..؟ الاستقرارعندهم هو ان يبقى لجامك بيدهم، وقوت يومك بمشيئتهم، ولسانك في جيوبهم. لهذا يقفون لك بالمرصاد، ولا يتوانون عن الكيد لك بكل الأشكال والأساليب حتى تشعر باليأس والإحباط، ويتأكد عندك أن السباحة ضد التيار جنون لا تُحمد عقباه، فتهدأ وتستكين. وحين يُسأل أحدهم عن نتيجة التمرد أو الإضراب أو الاحتجاج، يجيب بلهجة المنتصر الذي استطاع إخماد صوتك: الكلاب تنبح والقافلة تسير، ما يعني إبقاء الوضع على ما هو عليه، شأنك شأن كرسي ملقى في حديقة. حتى تؤمن أن القافلة تسير حقاً.. ولكن.. إلى أين تسير، ولصالح مَن، ومن المستفيد؟ أسئلة فجائعية تخاف حتى من التفكير في الإجابة عنها، فلماذا توجع قلبك وتسير كل هذا المشوار الطويل..؟ لماذا لا تكسر قلمك او تمزق اوراقك وبياناتك وتعطل كل حواسك وتقبل بمصير أمثالك من الضعفاء - المستضعفين الذين قبلوا بهذا الواقع..؟ لكن باستحضار قيم الرجولة والانسانية والنضال، حتماً ستأتي الإجابة من الأعماق، من الشعور من الضمير، من العقل، بأن الوطن يمر بمرحلة لا تقبل الوقوف بين محطتين، ولا خيار سوى الانحياز لجانب الاغلبية من الشعب، فقراء مسحوقون مهمشون مضطهدون ..؟ نعم، مظلومون..؟ نعم، مسلوبي الحرية ..؟ نعم، تطوقهم المعانأة..؟ نعم. كل هذا واكثر، لكنهم لم يفقدوا ابدآ الرغبة في استعادة الحرية لأنهم ملح هذه الأرض! Eltayeb Hamdan [[email protected]]