حرص الدكتور عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم على عقد اجتماع موسع يوم الاثنين الماضي في رئاسة الولاية، حيث ضم السيد محمد يوسف وزير المالية ووزير الزراعة والثروة الحيوانية الولائيين ومدير عام الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، إلى جانب ممثلي اتحاد مطاحن الغلال وممثلي اتحاد المخابز وعدد من الخبراء والأكاديميين، إضافةً إلى بعض الصحافيين والإعلاميين لمعالجة أزمة الخبز في ولاية الخرطوم. وأحسب أن الأخ الصديق الدكتور عبد الرحمن الخضر دعا إلى هذا الاجتماع في إطار سياسته المتعلقة بالشراكة مع الصحافيين والإعلاميين وأهل القضية والاختصاص مثار النقاش في صناعة القرار، لأنه يؤمن إيماناً قاطعاً بأن هذه هي الطريقة المثلى في صناعة قرار المعالجة تجاه قضية من القضايا التي تواجه ولاية الخرطوم. كما أنه يدرك أن الصحافة والإعلام لا ينبغي أن يُحصر دورها في التعاطي مع أحداث الولاية وقضاياها على النقل والنقد والتعليق، بل يمتد إلى المشاركة الفاعلة في خطوات صناعة القرار، وصولاً إلى بلورة القرار في شكله النهائي من جهات اتخاذ القرار لتحقيق المعالجة المتكاملة لمشكلات الولاية. وفي الوقت نفسه يدرك الأخ الدكتور عبد الرحمن الخضر إدراكاً تاماً أن توسيع مواعين المشورة لتشمل الصحافة والإعلام بهدف إلمام أهل هذه الصناعة بالجهود والخطوات الإجرائية المفضية إلى معالجة المشكل. وأحسب أنه في ذلك ينزل في هذا الأمر قول الله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ". وأحسب أيضاً أنه يمضي في هذا الأمر إلى ما مضت إليه مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة؛ عندما قالت مقولتها الشهيرة: "المستشارون مهمتهم تقديم الاستشارة، والوزراء مهمتهم اتخاذ القرار". أي أنه من الضروري قبل اتخاذ القرار العمل على توسيع دائرة المشورة حتى يتسنى للمسؤولين بعد ذلك اتخاذ القرار الصائب لمعالجة المشكلات، وتحمل مسؤولية تبعاته إيجاباً وسلباً. وكان الاجتماع صريحاً في طرح أزمة الخبز، بحثاً عن معالجات على المدى القصير في كيفية توفير الخبز ومدخلات صناعته من القمح والدقيق وغيره، مع وضع الضوابط والعمل بفقه "الضرورات تبيح المحظورات" المتمثل في قرار الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، بتعليق مواصفة قيمة مادة البولين (المادة المطاطة الموجودة داخل القمح، وتميزه عن بقية أنواع الغلال الأخرى والمتحكمة في التمدد والقوة حسب النسبة)، حتى تنجلي أسباب التعليق وتعود المواصفة إلى ما كانت عليه قبل هذه الأزمة، وكذلك التسامح في عدد الأرغفة بين أربع وخمس رغيفات بسعر جنيه فقط، إلى حين زوال الأسباب، ويؤدي التنافس الحر في السوق إلى تخفيض سعر الرغيف في الولاية، إضافةً إلى استيراد القمح والدقيق وتقديم تسهيلات بنكية للموردين من أجل خفض أسعار الخبز، كل ذلك في إطار سياسة الدولة المركزية تجاه سياسة التحرير الاقتصادي. ومن ضمن معالجات أزمة الخبز في ولاية الخرطوم على المدى الطويل، أعلن الأخ الدكتور عبد الرحمن الخضر حُزمة من السياسات الولائية لضمان تفادي تكرار هذه الأزمة مستقبلاً، منها إنشاء مخزون إستراتيجي بالتنسيق والتعاون مع برنامج المخزون الإستراتيجي الاتحادي، بهدف ضمان تخزين القمح في موسم إنتاجه محلياً وعالمياً، واستخدامه عندما ترتفع الأسعار. إلى جانب تخزين الذرة وأعلاف الدواجن، من خلال الدخول في شراكات مع ولايتي الشمالية ونهر النيل لإنتاج القمح محلياً، والاستفادة من تقانات متطورة في عملية الإنتاج المحلي، والاستمرار في تجارب خلط القمح مع الذرة للوصول إلى خلطة بمواصفات غذائية وبأسعار معقولة للمستهلك. ومن ضمن السياسات الجديدة التي طرحها والي الخرطوم تجاه الخبز في المرحلة المقبلة؛ الدخول في شراكة مع القطاع الخاص لإنشاء مخابز جديدة، مستفيدين في ذلك من التجربة التركية في هذا الصدد، حيث تملك البلديات التركية نسبة كبيرة في المخابز ذات المقدرة التوزيعية للمستهلك مباشرةً، بغرض تقليل تكلفة الخبز وتوفيره للمستهلك بأسعار معقولة. أخلص إلى أن الأخ الدكتور عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم، لم يغب عن ذهنه أن الخبز سلعة أساسية يجب توفيرها لكل مواطن ومواطنة في ولاية الخرطوم، بأسعار مقدور عليها، لأنه يعلم أنه بالخبز وحده يحيا الإنسان أحياناً، وأن الخبز يتصدر أولويات خارطة الولاية في مجال الأمن الغذائي. مداخلة الأخ الصديق الأستاذ عثمان ميرغني الذي تحدث عن مثلث أطلاعه مكونة من سياسة التحرير والمنتج والمستهلك، وقد وجد هذا المثلث استحساناً من الوالي. ولما انفضى عقد هذا الاجتماع المهم، بعد وضع موجهات عامة ومؤشرات محددة لحلحة أزمة الخبز في ولاية الخرطوم، بادرت بالإشارة إلى الوالي عن أهمية الاستفادة من وجود هذا العدد من قيادات العمل الصحافي والإعلامي في إطلاعهم بنتائج زيارته إلى أديس أبابا خلال عطلة نهاية الأسبوع، فاستجاب مشكوراً رغم برنامجه الضاغط لإفادتهم بمجمل نتائج هذه الزيارة، التي تجيء في إطار التوأمة بين الخرطوموأديس أبابا، استجابةً لدعوة كريمة من عمدة أديس أبابا للوقوف على تجربة إثيوبيا الرائدة في مجال السكن الاقتصادي، وإمكانية نقلها إلى ولاية الخرطوم، وبحث سبل التعاون بين العاصمتين في مجال الأمن الغذائي والتبادل الثقافي والسياحي. ولم يفت على الوالي ووفده الوقوف على التجربة الإثيوبية المتطورة في مجال المصنوعات الجلدية، حيث أصبحت إثيوبيا من الدول المصدرة لأجود أنواع الأحذية الجلدية لبلدان العالم. وكان من ثمار هذه الزيارة الاتفاق على الاستفادة من التجربة الإثيوبية في صناعة الأحذية الجلدية ونقلها إلى الخرطوم، ليتم تطبيقها في مركز التدريب المهني بمحلية كرري بأم درمان، الذي يضم قسماً متخصصاً في المصنوعات الجلدية، وكذلك تم الاتفاق على برامج تكاملية ثقافية وسياحية بين الخرطوموأديس أبابا في إطار التقارب الثقافي بين الشعبين السوداني والإثيوبي، والعمل على تنفيذ مشاريع استثمارية في مجال السياحة، لاسيما وأن إثيوبيا قامت بتطوير السياحة تطويراً ملحوظاً في الفنادق والمعالم السياحية الأخرى. مجمل القول إن ذلك الاجتماع كان ملتقى الصراحة والبحث عن معالجة حقيقية لأزمة الخبز، وهي من الأزمات التي إن استفحلت تداعياتها ذات مخاطر سياسية واقتصادية وأمنية، ولكن الوالي ليتفادى استفحال الأزمة ومخاطر تداعياتها، دعا إلى هذه الشراكة والتعاون في سبيل الوصول إلى معالجة جذرية لهذه الأزمة بالتراضي والتوافق بين جميع الجهات المعنية وأهل الرأي والمشورة. وقبل هذا وذاك التعاون في صناعة القرار والمشاركة بمسؤولية وتحمل تبعاته. ولنستذكر في هذا الخصوص قول الله تعالى:"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ". Imam Imam [[email protected]]