بسم الله الرحمن الرحيم سوء استشراف المستقبل وعدم التعامل مع مقتضيات الواقع في وجود عاطفة جياشة غير مرشدة والركون إلي الوعود المنكوثة من قبل الغرب يؤدي بالضرورة إلي الفشل وهذا ما ستؤول إليه الحال في دولة الجنوب الوليدة في حالة مضي الأوضاع بذات الوتيرة الآنية, وهذا المقال ليس من باب الوصاية لوجود حساسية مفرطة من النخب الجنوبية لكل ما هو شمالي حتى ولو كان نصحا وإرشادا, ولكن هي محاولة لإرساء أفكارا تنعكس علي شطري السودان أمنا ورخاء. والحركة تنتقل من فقه المعارضة والمشاكسة إلي أن تنشئ دوله, والمعروف أن عمليات البناء دائما صعبة والهدم والنقد والقدح أمر ميسور فبادئ ذي بدء يجب أن تنفك الحركة من إسار نظرية أن كل حدث مرتبط بمؤامرة من المؤتمر الوطني وكذلك الاتفاق علي مفهوم وحدة قومية يقوم عليها الشتات الاجتماعي للجنوبيين فبالانفصال تفقد الحركة الفكرة المحورية الملتف حولها ألا وهي الكراهية, كراهية كل ما هو شمالي, لذا وجب أن يكون التفكير منصبا في كيفية إعادة صياغة الجنوب وفق ثقافة افريقانية محلية محضة مرتبطة بالواقع وعدم استجلاب النماذج الغربية أو الإفريقية (المستغربة) فمصير هذه النماذج ظاهر للعيان هو الفشل الممتد في الكثير من الدول الإفريقية المجاورة للجنوب. إما من الناحية السياسية ترتيب الأولويات لدي الحركة الشعبية فيه ربكة واضحة بين الموجه الاستراتيجي والتكتيكي فالخلط يؤدي لفقدان الاتجاه والتخبط وتبني سياسة رد الفعل وتنفلت أصالة إحداث الفعل ويكون الجسم السياسي هو صورة مشوهه من الآخرين وتضيع الفكرة أدراج الرياح, وليس كذلك من الحكمة التعويل علي الأجنبي في النهضة وتكوين الدولة والصورة ظاهرة بشتى أنواع نقض العهود والمواثيق للدعم المنصوص علية في صلب اتفاقية نيفاشا, ولو كان هناك دعما سيكون مرتبطا باجنده وادوار لابد إن تلعب تقود إلي تداعيات كثيرة من بينها الحرب التي إن قامت سيتحول الجنوب إلي شعلة من نار, وسينقطع البترول, والبيئة الجنوبية الآن محفزة للاشتعال بوجود السلاح خارج القوات النظامية وتفشي الجهل والتبطل والهجرة العكسية والتفاوت القبلي وغيره فمن التعقل أن يكون السلام إستراتيجية دائمة وليس مرتبطة بأطراف خارجية بما فيها المؤتمر الوطني, فمن باب أولي الإيمان بالذات والاعتماد علي المكونات المحلية ومد الأيادي البيضاء للجار القربى والصاحب بالجنب دفعا لإحداث نمو اقتصادي وبيئة استثمارية جاذبة (وجاذبة هذه ليست كجاذبية الوحدة). التحدي الأهم لحكومة الجنوب هو أن الجنوب سيتحول ساحة للمخابرات والمصالح فوجود دولة ناشئة تحفها محاولات لتحديد الاتجاهات لها ورسم معالم الطريق بما يتفق مع مصالح كل دولة, ولكي لا يسرق الجنوب من بين أيادي بنيه وجب استخلاص المصلحة العامة لدولة الجنوب دون النظر إلي ما يكيد الشمال وغيره من المرارات, ولان الجنة الموعودة من قبل الغرب لن تكون إلا في المخيلات الحالمة. نتائج الاستفتاء فاقت 99% مرجحة خيار الانفصال, فبنظرة سريعة هل الجنوبيون متفقون لهذه الدرجة علي الانفصال؟؟؟؟ وكما هو معلوم لم تتفق الأسرة الصغيرة الجنوبية علي دين واحد أو لسان واحد أو ثقافة واحدة, وتجد أن البيت يضم بين جنبيه مسلما ومسيحيا ولا دينيا ومنهم من يتكلم العربية بطلاقة ومنهم من تبحر في الانجليزية ومنهم لا في عير العربية ولا نفير الانجليزية مستعصما بلهجته المحلية, والدرجة العالية من التباين في المجتمع الجنوبي ذابت واتفقت علي الانفصال؟؟؟؟؟ وبهذه النسبة المهولة؟؟؟ ومن نافلة القول أن كل المجتمعات المتجانسة أو حتى الحزب الواحد لا يتم فيه الاتفاق بهذه الكيفية العجيبة, وهذا إن دل إنما يدل علي أمرين أولاهما أن تزويرا تم بصورة مؤسسة لا أقول تزوير الصناديق ولكن تزوير الإرادة وتزييف الحقائق للمواطن البسيط ومخاطبة عاطفته ويقود هذا الاستلاب صفوة مستلبة تدفعهم تربية عقدية تقوم علي كراهية الشمال وهو نجاحا كاسحا للإستراتيجية الاستعمارية البغيضة. أما الخيار الثاني وهو الأضعف إن الجنوبي بطبعه غير ميال للتواؤم مع الشمال وهذا ما يدحضه الواقع فالأخوة الجنوبيون هاجروا تجاه الشمال في ذروة الحرب مع الشمال ولم يجدوا من الشمال إلا الحسني لا قتلي ولا مضايقات اجتماعية أو تعليمية أو ثقافية أو دينية فكان لديهم مطلق العمل والانتماء السياسي جرح الجنوب يغور في بيت كل شمالي استشهد له ا خ أو قريب , بل انغلق الجنوبيون داخل كانتونات دينية وثقافية واجتماعية مغلقة تعلمهم الكراهية. إما الشمال ليس موعودا بالفقر والعوز بالانفصال وكذلك الجنة لن تكون تحت أقدام الوحدة, لكن الاستفادة من الوشائج الاقتصادية والاجتماعية بين شطري السودان في إنشاء علاقة مصلحيه متجذرة تمنع الفكاك, فالتزام الشمال تجاه الجنوب التزام ديني وتاريخي في المقام الأول تعضده المصلحة الاقتصادية السياسية وكل هذه الحزمة تلف بحبل السلام المتين. دول كثيرة ستمارس المراباة السياسية, فالغرب استراتيجيتة المتئدة باقية ولليهود أطماع وفقه وجودي في النيل, وملف المياه يمكن أن يلعب به سياسيا في محاولة للكسب الضيق للدولة المتنازعة في حصة النهر. إستراتيجية الشمال تجاه الجنوب تكون استباقية, فالانفتاح الاستثماري جنوبا يوفر البيئة المناسبة للتعايش والتكافل وخلق شراكات مصلحيه لكي ينتفي الفكر الهدام المعشش في عقول بعض النخب الجنوبية. إذا نفذت هذه الأفكار مع التحسب للمؤثرات الخارجية فسيعود الجنوب حتما للشمال و يلتئم الجرح في جو معقم من الجراثيم الفكرية والسياسية ويتحقق شعار الحركة السودان الجديد وفق معايير التقدم الاقتصادي والتنوع الديني والاجتماعي, وللمؤتمر الوطني المشروع الحضاري الذي يقوم علي بناء حضارة راسخة متنوعة دينيا وعرقيا كدولة المثال في المدينةالمنورة التي انطلق منها النور..... فلا يذرن بيت حجر ولا مدر ولا شعر إلا ادخله الله فيه بعز عزيز أو بذل ذليل. والله المستعان hisham waggiallah [[email protected]]