مسارات سلكتها بطوعي واختياري وحالتي المعتبرة شرعا" ، ليست بالوصاية ولا التفويض ولا التوكيل . وددت أن أمشيها وأتوكح بملال رمادها ورمضاء هجيرها ودامس ظلامها ، وكان لي أن أمشيها في صباح الخريف الماطر حيث الضباب والشبورة ورهام المزن المرتحل هنا وهناك في عبادة مرتبة مع هدير الرعد ووميض البرق في توقيع دفترا" بقلم النور علي صفحات السحاب ، وغدران المياه الراكدة المسماة بالبرك وقد شكلت سكنا" للضفادع في جيرة تحسد عليها مع حجافل البعوض في شغل شاغل لذر سموم الملاريا في المجتمع باستثناء البعوضة فريدة الجناح و التي قضت علي الطاغية النمرود بن كنعان ، ولكن عدلت عن ذلك الطريق ، وفكرت في طريق المقابر والذي يذكرني بالحياة السرمدية البرزخية بما فيه من العبر والعظات ولكن عدلت عن ذلك لأن سكان تلك البقعة معهم ملائكة الحساب وفيهم السعداء الذين سألت ربي أن يحشرني في ذمرتهم في روضة البرزخ وفي جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. فأخترت طريقا" يبسا"( دوداب) وسط غابة الأبنوس المهجورة منذ سنين ( والدوداب طريق صغير يسمح بسير فرد واحد فقط أي اذا كانت مجموعة ناس يسيرون متراصين وراء بعضهم البعض يتقدمهم الدليل أو الخبير) وهذا النوع من الطرق يوجد في غابات الجنوب السوداني ،. فمثل هذا السير منية تهفو اليها أنفس المغامرين والتواقين الي المجازفات والمولعين بركوب دروب المخاطر ، ولكني لم أكن من الذين يرتادون الدروب الخطرة ودهاليز التيه المغفرة وليس في أرث تاريخي الشخصي صراع مع الآخرين علي اختلاف سحناتهم .... بل اخترت هذا المسار وسرت فيه بخطي واثقة وسير حثيث كأنه في طلب العلم الذي وصت السنة المطهرة بالسعي في طلبه من المهد الي اللحد . ولم أر مبررات لتركه طالما ابتعد عن المناكفات والمشاحنات والتدخل في شئون الآخرين وزيادة متاعبهم ومتابعتهم وهتك اسرارهم بدلا" عن مشاركتهم همومهم واحزانهم وآلامهم. ففي الغابة الوعرة خلت أن قانون الغابة هو ( القوي يأكل الضعيف ) ولكن حصل العكس فللغابة نظام متكامل لايجرؤء أي حيوان علي خرقه . والعلاقات بينهم في محط وئام تام وتواصل وتعاون . فرأيت القمر استدار ناثرا" نوره كأنه نون لجين فسار حتي أصبح عرجونا" في مساره والكواكب المنتثرة حوله تضي بريقا" ولمعانا" . صنع الله الذي أتقن كل شي صنعه وهدي. أما كوكب الزهرة المضئ و جواره المجرات فوانيس الرحمة ، والثريا في علوها وسمو مكانتها نصحا" وأرشادا" . وأنا أسير مغتبطة مسرورة بزئير الأسد الهادر وعواء الذئاب وصهيل الجياد ومواء القطط ونهاق الحمير الوحشية عاليا" كأنها رأت الجن الأحمر ( الحمار يري الأشعة الحمراء) . خفت أن ينقض علي الأسد فأكون لحما" سائغا طريا" ، وحاولت أرجع أدارجي قهقريا" ولكن الرجوع الي البداية صعبا" وبلوغ المبتغي مسحيلا". ، فكرت مليا" ثم عزمت مواصلة السير في المسارات الموحشة بصبر وهمة وعزيمة ولأني موقنة بأنه بعد ظلام الليل لآبد أن يأتي الصباح . أبصرت هدهدا" فأستبشرت خيرا" لأن الهدهد أتي بخبر سبأ اليقين الي نبي الله سليمان فكانت هداية الملكة بلقيس علي يده . وحينها لاح لي الحمام رمز السلام زاد استبشاري فحمام الزاجل حمل رسائل الملوك القدماء في الحرب والسلم فهو سفير السلام ودبلوماسي الأنظمة . وعندما صاح الديك يبشر با لصباح المنبلج خلته رأي الملائكة لأنه يري الأشعة فوق البنفسجية ينادي للصلاة وكأنه يذكرنا بقول المولي عز وجل : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا") فأشرقت الشمس ناشرة أشعتها البهية علي الكون في صباح جديد ، عندها تذكرت أن مسار الغابة وسط الحيوانات الموحشة والظلام الدامس أفضل من المسار وسط أناس تشربت بطباع نتنة وأحقاد دفينة مزروعة ومنافع تعمي طالبها وتحيد به عن الطريق القويم.