لا غرابة في أن الدعوة من قبل الحكومة لتشكيل حكومة عريضة، دعوة في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، دعوة جاءت مليئة بالمحاذير، تجعل كل الاشياء في بلادي تمضي ببطء إلى المجهول ، بالرغم من أن تصريحات المسؤوليين تتحدث عن خطوات متقدمة في الحوار مع المعارضة،ولكن أزمة الثقة تنطق في مجالس المدنية لغة مغايرة، لخطوات كمال عبيد الايجابية بشأن الحكومة العريضة، لا الحكومة ترغب في التنازل عن سلطتها قيد أنملة، ولا المعارضة تجنح للركض، وراء مقاعد سلطوية تزيل ماء وجهها، ويتضاءل وزنها الشعبي، كل الأشياء تمضي ببرود، مع أن الأزمة السياسية في قمة التوتر، والتذمر الشعبي في قمة النضج، وحماس الشباب للتغيير،وصل درجة الغليان، لا مهدئات لتلك الحالة النفسية السودانية المستعصية، الحكومة استنفدت كل ما عندما من سياسات" تخارجية" كانت تعينها لحظة الشدة والضغوط، ففي السابق كانت ترتمي في حضن المعارضة ، وتجهش بالبكاء، ثم تصرخ بشدة حينما تحاصرها الحركة الشعبية، وتجعل من عبارة (الأجندة الوطنية) التي لا نفهم كنهها عندما تخرج من قيادات المؤتمر الوطني في لحظة الشدة، وكل ما نفهمه أنها كانت رسول الشوق للقوى السياسية المعارضة، لتطلق إشارات للحركة تفيد بأنها محمية من الشمال بما فيه المعارضة الحليف السابق للحركة. وذات العويل والصراخ يطلقه النظام عندما تحاصره قوى المعارضة بشأن القوانيين المقيدة للحريات ، وحينها تتجه قيادات النظام نحو الحركة الشعبية ، وتهمس في أذنيها بأن بقاؤها هو ضمان لتنفيذ الاتفاقية، وأن القوى السياسية الشمالية، ستقضي على نيفاشا، وليست ملزمة بتنفيذها إذا خرج المؤتمر الوطني من دائرة القوة السلطوية، حينها تخضع عملية الشراكة للمساومات السياسية حول القوانيين المقيدة للحريات، مقابل مصالح الحركة الشعبية، تبيع الحركة الحرية مقابل الحفاظ على نيفاشا، وتخرج للناس بلا حياء(إذا لم نصوت لصالح القانون سيجاز بالأغلبية المكنيكية للمؤتمر الوطني)،وهذه السياسية التي يتبعها النظام ليست جديدة سبقه عليها نظام مايو، عندما اتجه جنوباً عبر اتفاقية اديس أبابا، ليعكس للأحزاب أن لديه سند شعبي في الجنوب، يكفيه شر التعددية، وبهذا المنطق أيضاً سارت سياسية المؤتمر ، وجعلت الشراكة تدور في محور مصالح الشريكين، على حساب مطالب القوى السياسية الشمالية، إلا أن الوضع السياسي بعد الانفصال ليس مهيأً لهذه المراوغات، لأن حصار الأجندة الوطنية بدعوى الإلتفاف حول الأجندة الوطنية المؤتمرية، والمساومات بين الشريكين، لم يعد يشكل المعادلة السياسية ، واصبحت للمعارضة أجندة وطنية خاصة بها ليست قابلة للمزايدة، أو المساومة السياسية، وأن أي حوار مع النظام لابد له أن يدور حول فلك تلك الأجندة الوطنية التي أجمعت عليها المعارضة، وإذا حاولت قيادات التراجع عنها، فلن تسمح لها القواعد بهذا التراجع، مما يجعل تجاوزها فرض عين على كل من يريد أن يرى ملامح التغيير في السودان، سلمياً ،كان أو عنفوانياً. fatima gazali [[email protected]]