إلي الآن يبدوا أن أعظم إنجازات الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس باراك حسين أوباما هي تمكنه من تقطيع أوصال جمهورية السودان إلي دولتين وقيل أنه تراوده الأحلام إلي تفريخ دول أخري من هذه الدولة القارة ضمن سياسته الرامية إلي تقليص مساحة أكبر دولة عربية إسلامية ونجح في هذا الأمر حتي الآن .والحق يقال إن هذا الرئيس قد سجل فشلاً مريعاً وذريعاً في كل برامجه الإنتخابية والتي قام الشعب الأمريكي بإنتخابه علي ضوئها بدءاً بفشله في برامج الإصلاح المالي وإنتهاءاً بالضمان الصحي والإجتماعي وإنتشال الولاياتالمتحدة من كارثة العجز المالي والأزمة المالية العالمية . الرئيس الأمريكي وإدارته وحزبه الديمقراطي يعيشون هذه الأيام في فرحة غامرة لتحقيق إنجاز إتفاقية السلام في جمهورية السودان وتكوين الدولة المسيحية كوليد شرعي من دولة مسلمة في القارة السمراء ... حتي أن أوباما سارع إلي التصريح بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستعترف بهذه الدولة في يوليو من هذا العام وواقع الأمر أن تلك الفرحة إختلطت بدهشة لأن ذلك الأمر تم بسلاسة فائقة وبسهولة لم تكن في حسابات الولاياتالمتحدةالأمريكية خاصة وأنها كانت تعلم أنها تتعامل مع دولة إسلامية راديكالية كانت من أهم شعاراتها التنديد بأمريكا وسياساتها والتغني بعذابها الذي دنا . دهشة الحكومة الأمريكية بدأت في التلاشي عند منتصف التسعينيات عندما لاحظت إدارتها والتي كانت تراقب نظام الحكم في السودان مراقبة لصيقة كمراقبة الصقر الذي يستعد للإنقضاض علي فريسته وتمارس عليها ضغوطاً هائلة من قبيل الحصار الإقتصادي ووضعها في قائمة الدول الراعية للإرهاب ومنع تصدير قطع الغيار الإستراتيجية والخاصة بالطائرات ..أقول زالت تلك الدهشة سريعاً عندما تبين للإدارة الأمريكية التي كانت تعتقد أن تلك الدولة نمراً كاسراً واسداً هصوراً لم يكن سوي نمراً من ورق وتبين لها أيضاً هشاشة ذلك النظام وليونة عظامه وإمكانية مضغه وهضمه في سهولة ويسر وأن لحمه لم يكن مراً كما كان يدور في خلدهم . في حسابات الإدارة الأمريكية أبداً لم يكن في محصلة نتائجها أن هذه السياسات ستجدي نفعاً مع هذا النظام ولكنها كانت وسيلة لكسب الوقت حتي إيجاد الحلول الناجعة لنزع هذه الدولة من خاصرة المنظومة العربية التي تدين بالولاء الكامل للإدارة الأمريكية في خارطة الشرق الأوسط الجديدة والتي أرادتها الإدارة الأمريكية لتحقيق هدفين لا ثالث لهما أولهما وهو أهمهما : "الأمن للدولة الصهيونية " وثاني هذه الأسباب التبعية الإقتصادية والأمنية الكاملة للولايات المتحدةالأمريكية خاصة وأن ثلاثة أرباع إنتاج العالم من البترول يتركز في دول تلك المنظومة وكان في تقدير الإدارة الأمريكية أن هذه الدولة الإنقاذية تغرد خارج سرب تلك المنظومة واصبح خضوع دولة الإنقاذ للنظام الأمريكي أسرع من إرتداد الطرف بصورة حتي أربكت حسابات الإدارة الأمريكية فأطمعها ذلك وقفز بطموحاتها من الإتفاقية إلي حق تقرير الإنفصال ومن ثم الإعتراف بنتيجة الإستفتاء وخوفي أن يستمر مسلسل إملاءات الشروط ليشمل أبييي ومثلث حلايب إذا طالب به المصريين وحق تقرير المصير لإقليم دارفور وهلم جرا ويجد الإنقاذيون وحزبهم الحاكم أنهم لايستطيعون فكاكاً من شبكة النظام الأمريكي حتي يرث الله الأرض ومن عليها أو ينزل الله المسيح لملء الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً . الإدارة الأمريكية لديها سياسة إزدواجية المعايير وتصاحب تلك السياسة الإنحناء للأقوياء وإستعمار الضعفاء وإملاء الشروط عليهم بكل صلف وعنجهية وخيلاء وذلك واضح من معاملتها من منظور الندية والتماثل لدول وحكومات قوية وشرسة تهاب جانبها وتدرك نتائج معاداتها مثل الصين ودول الإتحاد الأوربي واليابان وقد تضطر احياناً للتفاوض مع بعضها مثل الدولة الإسلامية الإيرانية وكوريا الشمالية . وهي في مصادفة غريبة نفس السياسة التي تتبعها حكومة الإنقاذ ويبدو أنها قد ورثت تلك الطريقة من عرابها ومهندس إتفاقية السلام ..فحكومة الإنقاذ لا تتفاوض إلا مع من حمل السلاح وتتحاور معها بمنطق القوي فقد سبق لهذا النظام الجلوس مع الجيش الشعبي بل وتفاوض معه وتبرع له بدولة كاملة غير منقوصة ستصبح في يوليو دولة عضو في هيئة الأممالمتحدة وجلست للتفاوض مع جبهة الشرق مع إنها لم تمنحهم شيئاً ويهرول أعضاء الوفد المفاوض للدوحة لمفاوضة الحركات المتمردة في دارفور ويقيني أنهم سيمنحونهم كل ما يطلبون سيراهنوا علي وعد الإدارة الأمريكية بغض طرفها عن دارفور ولكن رهانهم سيخيب فأله فالحزب الحمهوري المعارض لن يتسامح في الذي حدث في دارفور وسيظل يضغط علي الإدارة الأمريكية بأغلبيته في الكونجرس وبما أن أوباما يطمع في أربعة سنوات أخري فلن يملك إلا التنصل من وعوده ولن تملك حكومة الإنقاذ غير الإستجابة لمطالب الحركات المتمردة ..ومع هذا فإنها غير مستعدة للتفاوض مع المواطن المسكين والمغلوب علي أمره أو الجلوس للإستماع لشكواه رغم أن إحتجاجه إحتجاجاً سلمياً وعلي إستعداد لسحقه إذا تمرد أو نطق بكلمة لا لشيء إلا لأنه أعزل ومهيض الجناح ...النظام بهذا المنهج يكون قد زلت قدمه عن المحجة البيضاء التي تركنا عليها المصطفي " عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم " ومن بعده خلفائه الراشدين وكأني انظر للخليفة أبي بكر الصديق وهو يتحدث من المنبر بعد البيعة له بخلافة المسلمين :"أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم ، ألا إن الضعيف فيكم قوي حتي آخذ الحق له وإن القوي فيكم ضعيف حتي آخذ الحق منه ..أطيعوني ماأطعت الله فيكم فإن عصيت فلا سمع ولا طاعة " من يتدبر هذه العبارات التقية المتدثرة بالورع والصلاح وينظر إلي سياسة هذا النظام والذي يأتي معكوساً تماماً لهذه الخطبة فالنظام القوي لديه قوي حتي يمنحه الأموال والمخصصات والوزارات والوظائف والضعيف لديه ضعيف حتي تقع عليه سنابك خيله وخيلائه وزبانيته وتذيقه من العذاب ألواناً ..ولا غرابة في ذلك فهذا النظام لما زاغ عن جادة الطريق وإتبع سبيل النصاري واليهود أزاغ الله أبصاره ونقله من عز القوة والكرامة إلي ذل الضعف والمهانة ونزع المهابة من صدور اعدائه وزرع فيه الوهن وحب الدنيا وكراهية الموت ..ونقلوا من صفوف المجاهدين في سبيله إلي المجتمعين علي الدنيا والمتكالبين عليها حتي كأنهم إذا التزموا صفوف الجهاد والمجاهدين مازادوهم إلا خبالاً وأوضعوا خلالهم وأحسب أن الله قد كره إنبعاثهم فجعلهم مخلدين إلي الأرض . الثورة المصرية التي لاتزال شرارتها تضيء وفي عنفوان ألقها ولا تكاد تذوي وتعامل الإدارة الأمريكية مع واقعها ومعطياتها يقدم لهذا النظام درساً مجانياً حول السياسات الأمريكية الخارجية والمتأرجحة وإشاراتها الخاطئة والمغلوطة من دولة لدولة لذلك جاءت إشاراتها مبهمة وتناقض بعضها فالرئيس أوباما ووزير خارجيته "هيلاري كلينتون" يطلبون تارة من عمر سليمان وتارة من حسني مبارك نقل السلطة فوراً وتارة أخرة ترسل مبعوثها " وزنر" ليقول ان نقل السلطة الآن لايمكن قبل إنتهاء مدة حكم مبارك ولما تواجه ضغوطاً من المجتمع الأمريكي والحزب الجمهوري تعود للتصريح بأن ما قاله " وزنر" إنما يعبر عن رأيه الشخصي وليس رأي الحكومة ..ثم يعود " روبرت غيبس" المتحدث الرسمي بإسم البيت الأبيض ليصرح بضرورة إنتقال السلطة فوراً ثم يأتي في اليوم الثاني ليقول نفس المتحدث أن نقل السلطة لايمكن أن يتم قبل فوراً . في نظر الإدارة الأمريكية شطر السودان بإشارة من أصبعها أسهل لديها من تغيير نظام الحكم في مصر لأسباب تعلمها الإدارة الأمريكية ويعلمها الجميع فمصر منذ توقيع إتفاقية السلام مع إسرائيل في العام 1977م وحتي تاريخ اليوم هي شريك أساسي ولاعب مهم في سلام الشرق الأوسط ولديه تمثيل دبلوماسي مع الدولة الصهيونية ولا تمانع الإدارة الأمريكية من دعم الحكومة المصرية سنوياً وأن تغدق عليها الأموال والمساعدات العسكرية والغذائية في سبيل تحقيق الهدف الذي تسعي إليه دائماً وهو أمن إسرائيل ...نظام الرئيس حسني مبارك نظام في غاية الأهمية للإدارة الأمريكية ولن تتخلي عنه بسهولة وإلي حين إشعار آخر ..الإدارة الأمريكية تستطيع تفريخ دولة أخري من دولة الإنقاذ وتشرذمها وتفرقها أيدي سبأ ولكنها لن تستطيع تغيير النظام في مصر ..هكذا هي حسابات الإدارة الأمريكية وفق حساباتها وأجندتها الخاصة ...وبهذه الحسابات النظام المصري هو من أكبر حلفاء الولاياتالمتحدة لن تعاون الثورة علي خلعه وفي حسابات الإدارة الأمريكية نظام الحكم في السودان (( درويش في بلد الله )) وحتي تتأكدوا من هذا إنتظروا شهر يوليو كما وعد "سكوت غريشن " لرفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب . بعد أحداث الأربعاء الدامية في مصر يجب علي قادة الثورة أن لايغفروا لهذا العجوز الخرف حتي ولو حارب إسرائيل وحده وإنتصر في حرب العبور فما حدث ذنب لا يغتفر وإفك وجريمة في حق الإنسانية لا تغسله ولا حتي دموعه فالأرواح التي أزهقت لايبرأ منها القاتلون إلا بالقصاص وعلي قادة الإنتفاضة التوكل علي الله ثم علي سواعدهم وعزيمة قوية وإرادة لاتلين لإجتثاث النظام وإلقائه في عالم النسيان وأن لا يهنوا ولا يحزنوا لأنهم الأعلون إنشاءالله وسيقضي الله أمراً كان مفعولاً فإن الله يمهل ولا يهمل وإلي حين تحول هذه الثورة من حلم إلي حقيقة نقول لهم : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران : 200) صدق الله العظيم . Omar musa [[email protected]]