عاش الفكي الأمين ود أحمد في محلية بارا وقد كان_ رحمه الله _ مثالاً للزهد و الورع، يأكل من عمل يده و يدرّس القرآن متنقلاً بين المزروب و منطقة الخيران. قبل رحيله من الدنيا حرص شيخنا على إهداء مكتبته إلى مسجد أم درمان العتيق الذي كان قد تلقى فيه علوم الفقه و الحديث وفاءً منه و تكريساً لمبدأ الصدقة الجارية. إن إهداء المكتبات الشخصية أمر معروف في تأريخ العلماء و الحكام، خاصة المسلمين منهم. و قد نشأت مكتبات مشهورة في كبريات المدن العربية و الإسلامية نتيجة لما جاد به المخلصون من سلف هذه الأمة من كتب قيمة و مؤلفات مخطوطة هي الآن مراجع و مواضيع تحقيق وبحث للدارسين. نقول هذا لمعرفتنا بعلماء و مثقفين سودانيين كبار هاجروا من الوطن واستطاعوا تكوين و اغتناء مكتبات عظيمة تحوي أمهات الكتب في مختلف ضروب المعرفة و الفكر و الأدب و العلوم الأخرى؛ كما أسهموا بإنتاج فكري أثرى الحياة الثقافية والعلمية في بلاد المهجر و لا يزال، عن طريق التأليف و الترجمة و البحوث والأوراق العلمية. وبحكم وجودي في الرياض التي تحتضن علماء سودانيين، مشهود لهم، في جامعاتها و مراكزها المعرفية الأخرى، أريد أن أشير إلى أشخاص بعينهم لعلمي بما تحتويه مكتباتهم. يأتي على رأس هؤلاء أستاذنا البروفسور جعفر شيخ إدريس و هو معروف لدى القاصي و الداني؛ ثم الأديب الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الخانجي والباحث البروفسورالأصم عبد الحافظ أحمد والبروفسور عوض أبو زيد ، و البروفسور عز الدين عمر موسى الكاتب و المؤلف، و المؤرخ ضرار صالح ضرار و الشيخ علي السماني و غيرهم من الأطباء و أساتذة الجامعات و المثقفين و كلهم يمتلك مكتبات لا تقدر بثمن. كما أن معظم هؤلاء له صلات وثيقة بدور النشر و المكتبات الجامعية و مراكز البحوث في المهجر وبأشخاص من غير السودانيين لا مانع لديهم من الإسهام في هذا المشروع الخيري. وقد أفادت جامعات سودانية ناشئة كثيرة من تجارب ناجحة لتوفير الكتاب الجامعي قادها نفر كريم من أبناء الوطن الحادبين على نقل المعرفة و امتداداً لذلك الدور العظيم نطالب هؤلاء جميعاً،من منطلق وطني و ثقافي، أن يجودوا على الجامعات و مراكز البحوث و المكتبات السودانية العامة ليس بكامل مكتبتاهم ولكن بربعها على أقل تقدير. وبما أن تكلفة النقل قد تعوق هذا التوجه فإننا نناشد الناقل الوطني الخطوط الجوية السودانية و مؤسسات النقل البري و البحري، و الملحق الثقافي في بعثتنا الدبلوماسية وجهاز المغتربين ووزارة العالي والجهات ذات الصلة تذليل العقبات أمام هذا الجهد الذي يهدف إلى رد الجميل إلى الوطن و مؤسساته التعليمية التي تخرج فيها كل الذين أشرنا إليهم آنفاً تأسياً بما فعله الفكي الأمين ود أحمد. ويمكن أن تقوم منظمات المجتمع المدني الثقافية و الجاليات بالتنسيق لتحقيق هذا الهدف النبيل. نتمنى أن تعود المكتبات المهاجرة إلى أرض الوطن لتكون نواة لمكتبة المهاجر في الخرطوم.