كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاهدات سوداني داخل ميدان التحرير .... بقلم: عوض الكريم إبراهيم عبدالله
نشر في سودانيل يوم 20 - 02 - 2011

حزمت حقائب السفر في نهار يوم الإثنين 24 يناير 2011م إلى أرض الكنانة، متوجهاً إلى قاهرة المعز مصر التي أنشد فيها الشيخ البرعي قصيدته المشهورة مصر المؤمّنة بأهل الله.. وقد كنت مرافقه بغرض الاستشفاء مثل آلاف السودانيين الذين يعانون من أخطاء ممارسة الطب في السودان.
هبطنا في مطار القاهرة عصر يوم الإثنين في أيام باردة، درجات الحرارة حوالى «20» درجة وكما هو معلوم فهذا هو فصل الشتاء البارد في مصر يجتهد الكل في توفير الأغطية والملابس التي تقي من برودة الطقس. كان برفقتي ابن أختي الشاب الذي تخرج في الجامعة قبل ثلاث سنوات وما زال يبحث عن عمل، فقد أخرج جهاز اللاب توب وأخبرني بأن يوم يوم غدٍ الثلاثاء 25 يناير سوف يكون اليوم الأول للتظاهر ضد حكومة الرئيس مبارك وأن الشباب قد أعلنوا ذلك عبر الفيس بوك Face book. اتجهنا مباشرة صوب أول شارع شريف وسط القاهرة الذي لا يبعد عن ميدان التحرير أكثر من ثلاث دقائق مشياً بالأرجل حيث أقمنا هنالك.
****
في صبيحة يوم 25 يناير والذي لم نكن أبداً نتصور أنه سوف يكون يوماً له شأن عظيم في تاريخ الحياة السياسية المصرية، بل وفي تاريخ الأمة العربية والإسلامية. لم يكن أحد يتصور أن هذا اليوم سوف يصبح بداية حركة التغيير السياسي.
في صباح هذا اليوم انتشرت أجهزة الشرطة في كل شوارع القاهرة.. وشوهد ضباط الشرطة بصورة غير معهودة في كل التقاطعات والميادين وخصوصاً حول ميدان التحرير.. بالقرب من الميادين تجد نقاط التمركز والتي تقف حولها مجموعة من العربات الضخمة المدرعة وهي في حالة ترقب.
لقد تزامن ذلك الاستعداد مع الاحتفالات الرسمية بعيد الشرطة السنوي والذي كرم فيه الرئيس مبارك عددًا من ضباط وقيادات الشرطة وأشاد بقوة الشرطة التي فاقت وتفوقت على كل القوات المماثلة في الوطن العربي والإفريقي.
مسألة برودة الطقس وقوة الشرطة لم تكن أبداً لصالح التجمع والتظاهر ضد السلطة الحاكمة. قادة الأحزاب قاطبة في مصر وعواجيز السياسيين والمحللين، لم يكن لأحد منهم أبداً أن يفكر في متظاهر أو محتج يجابه هذه القوة العسكرية المدججة بالسلاح في هذه الظروف طول فترة النهار ثم يلتحف ميدان التحرير ليلاً في درجة برودة تقل عن (19) درجة ثم لا يعود إلى منزله.
*****
لقد كانت دعوة التظاهر ضد النظام سلمية إلى الحد البعيد ولكن قوات الشرطة والأمن لم تكن لتتحمل رؤية شعارات جريئة جداً تنادي بسقوط النظام وسقوط الرئيس.
الأحزاب المعارضة وخبراء السياسة مطلبهم تغيير المادتين (76، 77) من الدستور وذلك لاتاحة الفرصة للآخرين للترشح لرئاسة الجمهورية وتحديد فترات الرئاسة.
تعيين نائب للرئيس والموافقة على تعديل الماديتن (76، 77) كان هذا هو السقف الذي يرنو له قادة الأحزاب وخبراء السياسة المستقلين، ولكن للأمانة والتاريخ فإن الشباب الذين تحركوا في 25 يناير كانوا ينظرون إلى مستقبل بعيد وإلى سقف سياسي فوق تصور القدامى ناهيك عن القيادة السياسية المصرية. الشباب الذي تحركوا في 25 يناير وانضمت اليهم جموع الشعب كباراً وصغاراً، نساءً وأطفالاً وكانوا يرددون شعاراً واحداً: «الشعب يريد إسقاط الرئيس .. الشعب يريد إسقاط النظام».
*****
قادة المعارضة وعواجيز السياسة ارتفعت مطالبهم تدريجياً نتيجة للمقاومة والصمود التي أظهرها رجال الانتفاضة الشعبية فقد ارتفع سقف مطالبهم من تعديل المادتين وتعيين نائب للرئيس الى تعديل المواد التي تخص حرية الممارسة السياسية ثم الى تفويض الصلاحيات عبر المادة (133) ثم فجأة قفز السقف الى حل مجلسي الشعب والشورى. بعد ذلك استدرك عواجيز السياسة بأن المؤسسة الوحيدة التي تعدل الدستور هي مجلس الشعب، وهو المجلس المطعون في شرعيته، مجلس أحمد عز وشركاه، وإن الذي يحل المجلس ويعلن انتخاب مجلس جديد هو الرئيس، والتعديل لا يتم إلا بموافقة الرئيس. هذا هو السيناريو السياسي الذي جعل غالبية القادة في المعارضة يدخلون في الحوار السياسي مع نائب الرئيس اللواء عمر سليمان.. ولكن ابطال وشهداء 25 يناير كانوا قد قرروا ان النظام بكل مؤسساته التنفيذية والتشريعية ورئيسه مبارك وسدنة نظامه يجب أن يزالوا من الطريق السياسي المصري، ليبدأ تاريخ جديد وعهد جديد وقادة جدد لم تعرفهم الحياة السياسية المصرية سابقاً. لذلك ظل الهتاف «الشعب يريد إسقاط النظام» منذ يوم 25 يناير وحتى الجمعة 11 فبراير يوم سقوط الرئيس.
أعود إلى اليوم الأول من 25 يناير وحتى جمعة الغضب في اليوم الرابع للانتفاضة الشعبية.

******
قوات الشرطة كانت عنيفة جداً في التصدي للمحتجين ولا تتوانى في استعمال كافة المعينات. قوات الأمن كانت تفاجئ المحتجين في كل مكان حيث يختفي الشخص من أمامك وكأنما ابتلعته الأرض. الشباب كانوا يقاومون بجسارة شديدة وروح معنوية عالية. ولكن ما حدث في يوم الجمعة، جمعة الغضب كان حدثاً فريداً، فقد كانت المواجهة شرسة جداً جداً خرجت الشرطة الى الشوارع والميادين بكامل قوتها العسكرية حيث كانت على موعد مع شعب الانتفاضة عقب صلاة الجمعة مباشرة.
من حسن حظي أنني أديت صلاة الجمعة في مسجد الأزهر الشريف، هذا المسجد العتيق حيث شهدت شرارة الغضب الأول من داخل المسجد عقب الصلاة مباشرة حيث اتجهت جموع المصلين مباشرة إلى ميدان التحرير. ميدان الاعتصام والصمود الذي هز وزلزل أركان النظام.
لقد ارتفعت وتيرة المقاومة لدرجة عالية جداً حتى وصلت إلى النقطة الفاصلة التاريخية وهى مرحلة الهجوم على قوات الشرطة والأمن بدلاً من الاكتفاء بالمقاومة.. سقوط الشهداء والجرحى ألهب الشباب فأشعلوا العبوات الحارقة والملتوف في عربات الشرطة والعربات المجنزرة. بل إنني رأيتهم يركضون وراء العربات المصفحة التي كانت في مقدمتها تدوس وتزهق الشباب بينما في المؤخرة تجد شاباً يحمل شعلة نار ويرميها من خلال فوهة المصفحة. وفي خلال دقائق معدودة تتوقف المصفحة ويخرج من بداخلها مهرولاً وتشتعل النار فتصبح حطاماً. ولكن الذي يخرج مهرولاً ومذعوراً لا يعتدي عليه أحد بل يذهب في سبيله. المعركة استمرت طوال الليل وأصبح الشباب يهاجمون الشرطة في عرينها.
في هذه الليلة لا أظن أن أحداً من سكان القاهرة لم يشم رائحة الغاز المسيل للدموع، بل لقد انتابني شعور بأن الدنيا كلها الآن تشم رائحة هذا الغاز.
في الثلث الأخير من الليل كانت الشرطة قد استنفدت كل المخزون من الغاز المسيل للدموع وقد أنهكت تماماً. لقد كانت عشرات العربات التابعة للشرطة تحترق في كل شارع رئيسي. ضباط الشرطة بدأوا يختفون من المعركة، الجنود اصبحوا يقاومون ثم يلوذون بالفرار. لقد أصبح الكل يعود إلى أقرب مركز شرطة حيث يرتدون ملابسهم المدنية ويعودون الى منازلهم.
******
بعد صلاة الصبح مباشرة أيقنت جموع الشعب الثائر المنتفض أنهم استطاعوا أن يهزموا قوات الشرطة والأمن هزيمة نكراء.. لقد أدركت قوات الشرطة والأمن أنهم إنما كانوا يقاتلون الشعب المصري.
لقدل استبسل الشباب في تلك الليلة، لقد صمد شعب الثورة والانتفاضة، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، لقد سقط شهداء كثر.
في تلك الليلة التاريخية كانت الإرادة الإلهية والحكمة الربانية قد اقتضت أن ينزع الملك من مبارك وزمرته وأن يمكِّن الله من الأسباب ما يزيل به هذا الملك.
الأجهزة الإعلامية كانت وما زالت تتناقل الخبر بأن وزير الداخلية حبيب العادلي قد سحب أجهزة الشرطة لذلك اختفت، ربما كان هذا صحيحاً إلى حد ما، ولكن بعد أن تمت هزيمتها من الشعب المصري، شعب ثورة 52 يناير الميمونة.
حينما أشرقت شمس يوم السبت 92 يناير كان الشعب قد سيطر تماماً على الشارع. القاهرة بأكملها تحت سيطرة الثوار. لا وجود لأجهزة الشرطة، لا وجود لأي شرط في شوارع القاهرة، لأول مرة بدأت تظهر عربات ودبابات القوات المسلحة المصرية وهى تتجه الى الكباري ومؤسسات الدولة المهمة، الوزارات، البنك المركزي، المتحف، الخارجية، الداخلية، الفنادق الكبيرة، وخلافه، بينما لا تزال ألسنة اللهب تتصاعد من مقر الحزب الوطني الحاكم والذي يتكون من حوالى تسعة طوابق.
ضباط قوات الشعب المسلحة الذين قادوا عملية التأمين في صبيحة هذا اليوم أعلموا جموع الشعب المنتفض بكل وضوح وصراحة أن هذه هي قوات الشعب وجيش الشعب وليس جيش الحكومة، وأنهم هنا لحماية الشعب وحماية ممتلكات الشعب العامة والخاصة وأنهم لن يعتدوا على أي مواطن. وأن المظاهرات والاعتصامات ليست من اختصاصهم وأنهم لم يتدربوا لضرب الشعب بل تدربوا لحماية الشعب.
لقد أدرك الشباب المنتفض وأيقن تماماً بما لا يدع مجالاً للشك أن الرئيس مبارك قد فقد ملكه وسطوته، وأن الحكومة لم تعد تسيطر على هذه القوات الموجودة في الشارع بحيث لا يمكن لأحد أن يصدر أوامر لضرب الشعب. هذه القناعة هي السر الذي جعل الشباب يتمسكون برحيل مبارك، بينما القادة السياسيون وعواجيز السياسة يلهثون وراء الحوار للوصول لصيغة توافقية. في هذه الأثناء كان قد تم فرض حظر التجول وأصدر الرئيس قراراً بحل الحكومة، ثم ما إن لبث قليلاً حتى أصدر قراراً بتعيين النائب الأول وهو اللواء عمر سليمان مدير المخابرات، كما كلف وزير الطيران في الحكومة المقالة أحمد شفيق بتشكيل الحكومة الجديدة.
في خلال الأيام السبعة بين جمعة الغضب وجمعة الرحيل أصدر الرئيس مبارك حزمة التنازلات المعروفة للجميع ابتداءً من تعيين نائب وحتى قبول التعديلات الدستورية، ولكن ما حدث في جمعة الرحيل كان أمراً عجباً. بحلول هذا اليوم أدرك أنصار الرئيس مبارك أن الوضع أصبح في خطر وأن الرئيس سوف ينهار. قام أنصار الرئيس مبارك يتزعمهم أحمد عز وزملاؤه أعضاء مجلس الشعب بدعوة مناصريهم للخروج للشارع لدعم الرئيس، تجمعوا في ميدان «عبدالمنعم رياض» وما حوله من الشوارع حيث وصل عددهم لعشرات الآلاف، ثم جاءوا بعدد مقدر من جحافل البلطجية الذين يمتطون الجياد والجمال ثم انضم إليهم عددٌ كبير من قوات الأمن بالملابس المدنية هذا العدد ربما قارب المائة ألف، لقد كانت هذه كل حشودهم. في حوالى الساعة الخامسة مساء تحركت هذه الحشود نحو ميدان التحرير بغرض الاستيلاء عليه وإزالة عنوان الثورة الشعبية.. في هذا اليوم المشهود وفي تلك اللحظات بكى آلاف من آباء وشيوخ الشعب المصري وهم يشاهدون أبناء الشعب الثائر في ميدان التحرير يتأهب ويستعد من ناحية، وأبناء الشعب من ناحية أخرى من مناصري الرئيس يتجهون نحوهم بقوة وغضب لمؤازرة الرئيس. ولم لا وقد أضحى ميدان التحرير قوة عظمى لإنهاك النظام. في تلك الأيام والعالم كله يشاهد ما يجري في ميدان التحرير لحظة بلحظة، حتى انفصال الجنوب من السودان راح في «شربة مية» ولم يعد الإعلام العالمي يهتم به.
شعب الانتفاضة ما زال يردد الهتافات، الشعب يريد اسقاط الرئيس. بينما شعب الرئيس كان يردد هتاف «الجزيرة فين الشعب المصري أهو.. أهو، أهو، أهو» طبعاً قناة الجزيرة كانت من الإعلام الملهم والمحفز للشعب المصري للثورة المصرية وقد تم حجبها بواسطة السلطات الأمنية المصرية.
زحفت جموع المناصرين نحو ميدان التحرير وعبر الطرق المؤدية للميدان، حيث التقى الجمعان. التقت جحافل البلطجية وراءهم سدنة النظام ويندس في وسطهم رجال الأمن يحملون الأسلحة النارية القاتلة.. التقوا بجيل البطولات وجيل التضحيات وجيل الشهداء الذين قهروا الظلم وماتوا.لقد دارت حرب لمدة اربع وعشرين ساعة كاملة بالعصي الحديدية والحجارة.. لقد كانت الحجارة المقذوفة بين الطرفين مثل المطر الذي ينزل من السماء، وبين كل حين وآخر تسمع طلقات نارية لترى أحد الأبطال وهو يسقط على الأرض، وبين حين وآخر يتم القبض على أحد الأفراد وهو يستعمل مسدساً فلا يُقتل ولا يعتدى عليه ولكن يتم تسليمه للقوات المسلحة التي ظلت تراقب من داخل مجنزراتها.
أربع وعشرون ساعة لم تتوقف الحجارة نهائياً، لم يبق شبر إلا وفيه بقعة دم، لقد صمد الشباب صمود الجبال المؤمن. والله لولا قوة الإيمان والعزيمة وقوة الإرادة ووحدة الهدف لاستطاعت جحافل البلطجية الاستيلاء على ميدان التحرير رمز الصمود.
بعد 42 ساعة تحركت الدبابات الموجودة حول الميدان لتقف في مكان ما وسط بين الخصمين ثم تتحرك في اتجاهين متضادين لتمديد المسافة بين الطرفين حيث توقف التراشق وانتهت المعركة الشعبية المصرية المصرية.
انتهت المعركة بانتصار شعب الانتفاضة وبقائه في ميدان التحرير صامداً حتى سقوط مبارك، عادت جحافل البلطجية الى منازلهم وتركوا الشوارع والميادين.
في صبيحة اليوم التالي أصدر رئيس الحزب الوطني الحاكم «مبارك» قراراً بحل الأمانة العامة العليا للحزب والتي تضم صفوت الشريف وجمال مبارك، ووعد بمحاسبة من قام بهذا العمل غير المسؤول، ثم أصدر قراراً حزبياً عين بموجبه حسام بدراوي أميناً عاماً للحزب الوطني. حسام هذا كان من غير المرغوب فيه داخل الحزب الحاكم وذلك لمطالبته الدائمة بمحاربة الفساد والانتقال الديمقراطي الحقيقي. وللحقيقة والتاريخ أن أول من اطلق اسم «شباب ثورة 52 يناير» هو حسام بدراوي وذلك في مقابلة تلفزيونية قبل تعيينه، وايضاً للحقيقة فقد استقال بعد سبعة ايام من تعيينه، أي قبل سقوط مبارك.
*****
لقد كانت جمعة الرحيل هي النهاية الحقيقية للحزب الوطني الديمقراطي المصري بصورته المعروفة وقياداته.
قبل أن أكمل الحديث عما حدث بين جمعة الغضب وجمعة الرحيل، لابد أن نذكر أحداثًا مهمة جداً تتعلق بصمود شعب الانتفاضة، فقد كانت برودة الطقس تقل عن 91 درجة خلال الليل وربما بعض الأمطار. لقد كان الكل ينام في المنازل داخل الغرف المغلقة وتحت الغطاء السميك وربما بوجود تدفئة، ولكن شعب الانتفاضة ظل مرابطاً داخل ميدان التحرير ليل نهار، يتوسدون ارض الميدان ويلتحفون السماء ليلاً، ينتظرون شمس النهار الدافئة، لقد أدرك هؤلاء الشباب أنه:
إذا الشعب يومًا أراد الحياة ..
فلا بد أن يتسجيب القدر
هؤلاء الشباب غالبيتهم من الخريجين الذين لا يجدون مدخلاً للحياة وبعضهم من الذين سئموا الحياة السياسية ويئسوا من عواجيز السياسة. لقد كان هناك آلاف المواطنين يحملون الأطعمة نهاراً للمعتصمين في الميدان بينما يعترضهم في الطريق مناصرو النظام.. شباب الانتفاضة ظل في الميدان منذ جمعة الغضب وحتى سقوط الرئيس وأظنه سوف يظل مرابطاً بميدان التحرير حتى يتحقق التغيير. التغيير هذا ليس سقوط الرئيس وحده، وإنما القرارات التي تعقب سقوط الرئيس.. وذلك لن يتأتى إلا بانتقال عقلية المجلس العسكري من الشرعية الدستورية الى الشرعية الثورية، شرعية الثورة الشعبية أي شرعية ثورة يوم 25 يناير التي تزيل كل متاريس التحول الديمقراطي، الحرية، العدالة الاجتماعية، المساواة، محاربة الفساد، حينها سوف يعود شعب الانتفاضة الى منازلهم وينامون نوم قرير العين هانيها. ولكن مصر على موعد مع ميلاد أكبر تنظيم سياسي حقيقي ألا وهو، حركة 25 يناير. التي ربما يكون لها شأن عظيم بعد الفترة الانتقالية، حيث يظهر قادة المستقبل الجدد ويختفي عواجيز السياسة المصريين.

Wail Mobarak Khider [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.