بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    سفارة السودان بالقاهرة: تأخر جوازات المحظورين "إجرائي" والحقوق محفوظة    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    صقور الجديان" تختتم تحضيراتها استعدادًا لمواجهة غينيا الاستوائية الحاسمة    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصتي مع مفوضية الإنفصال . . 3-3 .. بقلم: السفير جمال محمد ابراهيم
نشر في سودانيل يوم 20 - 02 - 2011


كتاب المغادرة . .
( 1 )
ثم نأتي لقصة شحنة دفاتر التسجيل التي جاءت من جنوب افريقيا. في اجتماع الأمانة العامة الراتب يوم السبت 23 أكتوبر أعلن الأمين العام أن أوراق ودفاتر التسجيل الخاصة بالإستفتاء ستصل من جنوب افريقيا يوم 24 أكتوبر2010 ، وأشرت في ذلك الاجتماع أن نعمل على تغطية وصول هذه المواد إعلاميا تحقيقاً لمتطلبات الشفافية ووضوح اجراءات وعمليات الاستفتاء. كان رد فعل الأمين العام سلبيا في البداية، ولكن مساندة خبراء الأمم المتحدة المشاركين في الاجتماع لمقترحي، أقنعه بقبول الفكرة . كانت المعلومات الشفهية أن الطائرة ستصل يوم24 أكتوبر، ولم يخطر ببال أحد أن التوقيت تحديداً هو فجر يوم 24 ،وليس منتصف ليل 24 أكتوبر، كما علمنا بداية . نتيجة لذلك قضيت وبرفقتي عدد من ممثلي الفضائيات تلك الليلة كلها بمطار الخرطوم، ولم تكن الطائرة المصرية التي وصلت بعد الرابعة صباحاً تحمل أية مواد أو طرود تخصّ مفوضية الاستفتاء. أدركت أننا لم نُبلّغ بطريقة مناسبة بموعد الوصول، ولا كانت بحوزتنا نسخة من بوليصة الشحن للتأكد. بعد جهد تمكنت من اقناع ممثلي تلفزيون السودان والفضائيات الأجنبية بتجاهل الإشارة لعدم وصول المواد من جنوب افريقيا، لما سيترك ذلك من آثار سلبية على جهودنا في المفوضية . تواصلت اتصالاتي الهاتفية مع مسئولي المطار، ومسئولي الطيران المصري، حتى صباح يوم الاثنين 25 أكتوبر، ليتأكد لي بعد الثامنة صباحاً، أن الطرود القادمة من جنوب افريقيا قد وصلت الخرطوم فجر يوم 24 أكتوبر، أي قبل نحو 24 ساعة من وجودنا بالمطار. .!
( 2 )
واصلت اتصالاتي مع مسئول المفوضية المشرف على متابعة الشحنة المذكورة، السفير سعيد سعد ، حتى يكون في الصورة بكل الذي جرى . بذلت جهداً كبيراً لاقناع سلطات مخازن الخطوط الجوية السودانية بتسليمي الطرود الستة التي تحتوي على دفاتر التسجيل بأرقامها المتسلسلة . ولقد وجدت تفهماً كبيراً من مسئولي الجمارك وإدارة المطار، وتجاوزوا بأريحية إدارية، عن الكثير من الإجراءات ، وتسلمت الطرود الستة الكبيرة، تحت بصر الفضائيات والإعلام المحلي والعالمي . حين أوصلت الطرود بشاحنة من المطار، جرى استلامها وايداعها مخازن المفوضية في ضاحية جبرا جنوبي الخرطوم . كنت أشعر أني حققت انجازاً مهماً، إذ تفادت المفوضية ما كان سيسبب حرجاً، لو أثارت أجهزة الإعلام، أن دفاتر وأوراق الاستفتاء التي وصلت من جنوب افريقيا، قد بقيت ليوم كامل بمطار الخرطوم ولم تتقدم المفوضية لاستلامها. كان الرهق قد بلغ بي مبلغا كبيرا اضطررت معه إلى الاعتذار عن البقاء في المكتب ذلك اليوم .
حين عدت في اليوم التالي ، أي يوم الثلاثاء 26 أكتوبر، فوجئت بزوبعة تنتظرني في المفوضية، إذ حدث إبّان انشغالي في المطار، أن تمت ترجمة أسماء رؤساء لجان ومراكز التسجيل في الولايات الشمالية بطريقة ولغةٍ ركيكة ، وثمة من نقلها لرئيس المفوضية فرآها الرجل دليلا دامغاً على ضعف أداء رئيس دائرة الإعلام. حين عرض عليّ الأمين العام نسخة من القائمة المترجمة إلى الانجليزية، قلت له على الفور إني أراها للمرة الأولى، ولم أكن موجوداً ساعة قام قسم الترجمة بدائرة الإعلام، بترجمتها ثم دفعوا بها إلى موقع المفوضية على الانترنت، وقاموا بسحبها فيما بعد لاكتشاف الأخطاء الواردة فيها. أضاف الأمين العام : "أن رئيس المفوضية رأى أن يحملك مسئولية هذا الخطأ ، وطلب تحويلك لتكون مساعداً في إدارة أخرى، ولكني لم أقبل ! " لم أشعر بأن الأمر مفاجئاً لي .
طلب إليّ الأمين العام، أن أواصل مهمتي في دائرة الإعلام، وأن لا أعبأ بما بدر من رئيس المفوضية، وأنه سيتحدث إليه : و"أنه لو أصرّ على موقفه ستجدني أخرج من المفوضية قبل أن تخرج أنت.. !"
( 3 )
قمت على الفور ونزولاً على اقتراح من الأمين العام، بإعداد المذكرة التالية، توضيحا لموقفي مما حدث، وأنشرها كاملة برغم درجة السرية التي وضعتها عليها :
سري للغاية
السيد الأمين العام
من رئيس دائرة الإعلام
بالاشارة إلى استفساركم عن كيفية وصول بيانات وأسماء اللجان مترجمة إلى الإنجليزية إلى موقع المفوضية على الإنترنت ، أفيدكم بما يلي :
1- أطلعت على صورة القائمة المترجمة بأسماء أعضاء اللجان للمرة الأولى صباح اليوم، وإني أراجع الموقع يوميا ولم ألاحظ وجود هذه القائمة المليئة بالأخطاء إذ لم تكن في الموقع وعلمت اليوم الأربعاء 27 أكتوبر من المهندس المسئول عن تقنية المعلومات أنه جرى سحبها من الموقع قبل يومين،
2- كنت حينها ولأكثر من 12 ساعة بالمطار في عملية استلام مواد التسجيل والإعداد للتغطية الإعلامية المصاحبة لعملية الإستلام بين الساعة 11 ليلة الأحد23 أكتوبر وإلى قبل ظهر الإثنين 24 أكتوبر.
3- برغم حرصي على مراجعة كل ما يصدر عن الإدارة، فإنه وأثناء تغيبي الإضطراري عن الإدارة، لم تتم مراجعة ترجمة هذه القوائم قبل إرسالها، وجرى تنبيه من قام بالترجمة و السكرتيرة فلورا بيتر المعينة بدائرة الإعلام للتقيد بعدم إرسال أي مادة إعلامية قبل مصادقة رئيس الدائرة أو الرئيس المناوب عليها.
4- نجري الآن الترتيبات لتعيين متخصص أو متخصصة في تقنية المعلومات لتولي مسئولية إدارة الموقع والإشراف على تغذيته وفق الضوابط، وما زلنا في مرحلة الإختبار قبل إطلاق الموقع رسمياً.
5- لا أظنني في حاجة للتذكير بأن دائرة الإعلام تعمل في ظروف صعبة وبلا مكاتب ولا حواسيب ، انتظارا للإنتقال للمبنى الثاني، حيث ينتظر أن يكتمل تأثيثه سريعا .
6- لا أزكي نفسي ولكن خبرتي في العمل الإعلامي واسعة و في إطارعملي في المفوضية وكمسئول عن عملها الإعلامي ، فإن عكس ذلك النشاط في أجهزة الإعلام والصحافة من المهام العاجلة التي أقوم بها، وإني أعمل ليس كناطق بإسم المفوضية ، وذلك ما يحبذ التركيز عليه، أهل الصحافة قصد إضفاء شيء من المصداقية على مصادر معلوماتهم، ولن أكون مسئولا عنه بالطبع، بل ظللت أذكّر دائما أني أتحدث بإسم الأمانة العامة لعكس نشاطاتها ولا أتحدث بإسم المفوضية .
ولكم من التقدير أكمله ،
27 اكتوبر 2010
( 4 )
في مكتب رئيس المفوضية، جرت مواجهة لي معه، ابتدرها رئيس المفوضية ، مذكّراً إياي من جديد، وللمرة السادسة ربما، بأنه كان في انتظار أن يوافيه نائبه في رئاسة المفوضية، مولانا "شان" بمرشح "جنوبي" ليتولى إدارة إعلام المفوضية، ولكنه قبل مضطراً ترشيحي لهذه الدائرة من طرف الأمين العام ، ثم أشار بامتعاض إلى الترجمة السيئة لقائمة أسماء رؤساء مراكز التسجيل، وكأني مسئول عنها مسئولية كاملة، ولم يكن ينصت لدفوعي، ولا لقصة الشحنة الحساسة التي سهرت على إخراجها من مخازن المطار إلى مخازن المفوضية . أهمل استيعاب ما كنت أقول ثم دلف إلى الحديث عن المدير المناوب الأخ الصديق جورج ماكير، والذي اتهمني رئيس المفوضية هذه المرة صراحة، بأني أعمل على " تهميشه" ، وذلك هو التعبير الذي استعمله ، ولم يكن مستعداً ليستمع إلى كل الحجج التي فندتُ بها بطلان اتهاماته: فلا أنا مشارك في ترجمة ركيكة وكان يمكن أن يستفسر عنها نائبي وأنا بعيد عن مكتبي في مهمة بمطار الخرطوم، ولا قمت ب"تهميش" أيّ مساعدٍ لي، بل على العكس فقد كنت أترك له مساحات واسعة في إدارة وتولي النطق الرسمي في جلسات التنوير الصحفي. في ناحية أخرى أوضحت لرئيس المفوضية أنني لم أكن ناطقاً بإسم المفوضية، بل متحدثاً بمجمل أنشطة الأمانة العامة لها. ركب الرجل عناد كبير، وأصرّ إصراراً لم يتزحزح عنه، على أن أتحوّل مساعداً في إدارة العلاقات الخارجية والمراسم في المفوضية . أيقنت لحظتها أن لحظة المغادرة قد أزفت، وكان عليّ أن أوضح موقفي النهائي. الذي قلته له للرجل أني جئت إلى المفوضية نزولاً على رغبة من أمينها العام، وأن خبرتي في العمل الإعلامي تؤهلني لذلك ، وإن كان أدائي في الإعلام بالمفوضية غير مرضٍ في نظره، فذلك يعني ضمنياً خروجي من المفوضية ، وإني أختلف عن بقية زملائي السفراء العاملين بالمفوضية، لكون خبرتي في المجال الإعلامي واسعة، واسمي منتشر ومعروف في الفضائيات والإذاعات في العالم العربي، وعلى مستوى أجهزة إعلام إقليمية ودولية في البي بي سي وفي العالم العربي وفرنسا وكندا وغيرها . وإذا كان رئيس المفوضية لا يرى لي أداءً في الإعلام، فليس لي إلّا أن أتمنى للمفوضية النجاح في مهمتها الوطنية، وإني مغادر ، وأن احترامي لرئيسها لن يتزحزح. تراجع الرجل واتكأ بظهره على كرسيه وقال لي : إذاً مع السلامة . .
ذهبت على الفور إلى الرجل الذي استقدمني، ورأى أن يكلفني مسئولية دائرة الإعلام في المفوضية، وهو الأمين العام السفير محمد عثمان النجومي. جئته مودعاَ لا مستجدياً ، ولكنه ألحّ عليّ، أنه الذي قام بتعييني، وأنه من يملك صلاحية وقرار اعفائي. لم يكن يصدّق أني أعفيته حتى من هذه المهمة، وأني قررت الخروج نهائياً من المفوضية بعد المواجهة التي جرت بمكتب رئيس المفوضية. مثلما دخلت بلا مستندات تعيين، خرجت بلا مستندات إعفاءٍ أواستقالة . أشكر للإدارة المالية أنها أوفت فيما بعد بالتزامها، وسلمتني أتعابي نظير عملي هذه الفترة الوجيزة في الأمانة العامة للمفوضية.
( 5 )
برغم إصراري على المغادرة الفورية إلا أن الأمين العام ألحّ على أن أترك له فسحة للحديث إلى رئيس المفوضية، وليراجعه في الموضوع. قال لي مذكراً في مكالمة هاتفية لاحقة ذلك اليوم، أنه قرر أن يتخذ قراره أيضاً بالخروج قبل أن أخرج أنا من المفوضية، إن كان كل من استقدمهم لمساعدته في العمل بالأمانة العامة، يسعى رئيس المفوضية لإبعادهم منها، وقد فعلها من قبل مع أكفأ الإداريين الذين لهم خبرات واسعة في عمليات الإقتراع وتسجيل الناخبين ، وأنه ضاق ذرعاً بالاستيلاء على صلاحياته . صدقت أنا ما سمعت ، ولكن أكد حدسي أني توهّمت شيئا ايجابيا .
بعد اعتذاره لي في لقاء لنا إبان تجمع لرؤساء مراكز التسجيل في ولايات الشمال في فندق المريديان (سابقاً)، اعترف لي أن الرجل عنيد وأنه فشل في إقناعه لتغيير رأيه . ابتسمت وقلت له كنت أعلم وظني أن رجلا في مثل عناده، لن يتراجع، ولن أتمكن أنا على أي حال من التعاون مع شخص بهذه التركيبة، فوق زهدي العام من العمل في المفوضية .
بعد أن فاجأته الصحف بهجوم كاسح عليه شخصياً ، وبرغم أني لا يد لي فيما أوردت صحيفة "السوداني" في عددها بتاريخ 3نوفمبر2010 ، أصرّ رئيس المفوضية، أن رئيس دائرة الإعلام الذي أعفته المفوضية، هو الذي أشاع كلاماً عن المحسوبية في المفوضية. وأقول له من هذا المنبر، إني لست محتاجاً لنقل وشاية لصحيفة، فأنا وإن كنت سفيراً ، لكني صحفي ولي عمود ومقال راتب في صحيفة "الأحداث" اليومية، وأحمل اعتماداً رسمياً من مجلس الصحافة والمطبوعات منذ عام 2006، ولو كلف نفسه واطلع على سيرتي الذاتية لديه، لأدرك أني لا أحتاج لاستكتاب صحفي، فأنا أجيد الكتابة الصحفية، ولي قلم مقرؤ ومحترم ويتابعه أناس وراء البحار، وفي مواقع عديدة في الانترنت ومنتدياته، وليت الذين من حوله من محررين وكتبة، يعملوا على قصِّ بعض ما أكتب بمقصاتهم ويرفعونه إليه، على الأقل من صحيفة"الأحداث"، إن لم يدركوا التعامل مع الشبكة العنكبوتية، ممن جرى "تحريشهم" لمقاتلتي، وكلنا نعلم أن "المحرّش" لن يخرج لقتال حقيقي. وأزيد إلى ذلك أني قد أكون على علمٍ موثوق بمن أوصل المعلومات إلى الصحف أو بعضها،عن تجاوزات وقعت في المفوضية، ولكني لست أنا على أيّ حال ، ولست مجبراً لأخبره من أوصل المعلومات للصحف.
( 6 )
لم يكن ما جاء من رئيس المفوضية مما يسيئ إليّ إساءة تذكر، فقد عملت الصحافة ودون دفعٍ مني على الحديث الايجابي عن شخصي الضعيف، وألقمت بذلك حجراً كل من سعى بتطاولٍ مسيء. كتب صحفيون كبار عن كيف أنهم عرفوا أدائي الإعلامي، وقدراتي في النطق الرسمي والتحدث إلى الإعلام، فأغنوني عن النزول إلى درك لا يناسبني. ثم جاء من بعض أصدقائي من يلوم، لأني وصفت رجلا بأنه "هَرِم"، وكأني بهم يحمّلون الوصف إساءة لم تجزها قواميس اللغة العربية، وهم الذين فات عليهم الوقوف على تصريح يُطلق على الهواء والفضائيات ، وعلى عواهنه يحاكم أداء سفير ويصفه بالضعف، فلا يأبهون.
غير أن حديث الأمين العام هو الأكثر إيلاماً، وقد كان صديقاً وسفيراً من جيل نقدّر بذله، وقد أبنتُ كل ذلك في مقالٍ سابق كتبته قبل التحاقي بأمانة المفوضية ، إذ به يفاجؤني بل يصدمني أيّما صدمة، فقد رأيته يمضي في طريق الإساءة عامهاً، وموافقاً رئيس المفوضية في زعمه المسفّ، أن السفير الذي أدار الإعلام في المفوضية، كان ضعيف الأداء. وليته اكتفى لكنه سعى ليبرر قوله برسالة خجلت حين قرأت سطورها : بأن ناقل الكفر ليس بكافر. . !
صدمتي فيه كانت فادحة، لأن السفير الذي جرتْ الإساءة إليه، لم يكن بعيداً عن جسم الدبلوماسية السودانية النبيلة والمضيئة بالتضحيات الجسام ، وكان ينبغي الدفاع عن أدائه . لقد تجاوز الرشاش الذي أصاب السفير كاتب هذه السطور، إلى مسّ هذا الكيان النبيل الذي شكّل صف الدفاع الأول عن البلاد وقضاياها . لم يكن هذا السفير المهنيّ لأكثر من ثلاثين عاما، ضعيفاً حين وثق فيه رئيس الجمهورية فرشحه سفيراً في بلد أنجز فيه وخلال عامين ، وفي ظرف ضاغط ، ما جعل ذلك البلد المضيف، وهو لبنان، ليكرّمه فيعلق على صدره وساماً من أوسمتها الرفيعة. لم يكن هذا السفير ضعيفاً في أدائه ومقدراته، وهو من تتسابق دور النشر هنا وهناك في بيروت، لنشر أعماله الإبداعية . لم يكن هذا السفير ضعيف الأداء، وقد اختاره اتحاد الكتاب السودانيين ليشغل منصب نائب رئيس الاتحاد. لم يكن ذلك السفير ضعيف الأداء وهو يقدم خبرته في مراكز البحث ومنتديات الدراسات السياسية والدبلوماسية، وفي مقالات يراها الكثيرون رصينة، في هذه الصحيفة، وبينها مقالات تناولت أباطيل ما قامت به مفوضية الاستفتاء، فلم يفتح الله على التابعين إليها برد أو دفاع، وربما لقناعة بخطل الممارسة وأنها مفوضية للإنفصال وليست مفوضية للإستفتاء .
يسيؤني- في زعم بعض من يتابع – أني أتحدث عن نفسي كثيراً، وكأني أدّعي ربوبية عليا ، حاشا . ذلك حديث من صنف " لا جاء يوم شكرك"، والذي أراه دائماً وجهاً سلبياً في سمات شخصيتنا السودانية . لا ! لن يكون السكوت على الظلم تواضعاً، ولن يكون الانحناء أمام العواصف صموداً، ولن يكون الترفع عن الرّد كبرياءا . .
وبالله المستعان، وبكتابه، وبالتدبر في آياته منجاة وحماية من الزلل. .
انتهى
18 فبراير 2010
jamal ibrahim [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.