[email protected] أصدرت وزارة التعليم العالى والبحث العلمى قراراً بانشاء جامعة تسمى جامعة الخرطوم شمال لاستيعاب الطلاب الشماليين الذين يدرسون بالجامعات الجنوبية الثلاثة التى سافرت مع الأنفصال . ومع ايماننا بأهمية انشاء الجامعة المشار اليها على أسس علمية تنأى بها عن حال الجامعات ( اللافتات ) ، الا أن ملاحظتنا هنا تنصب على البلبلة التى يمكن أن تحدثها التسمية الجديدة على جامعة الخرطوم العتيقة ( الجميلة ومستحيلة ) . وببساطة شديدة جداً فان الأتجاه الجغرافى الشمالى الجديد للجامعة الجديدة يجعل من جامعة الخرطوم العريقة تأخذ اتجاهاً جغرافياً معاكساً أيضاً لتصبح ( جامعة الخرطومجنوب ) على غرار قسم الخرطومجنوب أو مستشفى الخرطومجنوب ، فلا شمال بلا جنوب ( لا نقصد هنا الشمال السياسى الذى أصبح بلا جنوب بالفعل ) . وربما حرك اطلاق أسم جامعة الخرطوم شمال على الجامعة الجديدة ، ربما حرك حميّة طلاب وأساتذة جامعة الخرطوم فتأخذهم الهاشمية فيقومون بتسمية جامعتهم باسم جامعة الخرطوم ( الأصل ) على وزن الحزب الاتحادى الأصل ، الأمر الذى يتماشى تماماً مع التشظى والتفلت الذى تشهده يلادنا في كافة المجالات . فمثلاَ بالأمس القريب قرأنا أن هناك كتيبة استراتيجية أنشئت حديثاً مهمتها حسم المظاهرات مما أدخل الناس في حيص بيص في فهم دور هذه الكتيبة وما اذا كانت تابعة للشرطة ، أم يتعدى دورها دور أجهزة شرطة مكافحة الشغب المعروف في تفريق المظاهرات . وعلى ذكر المسميات ، فقد احتج طلاب ( جامعة القاهرة فرع الخرطوم ) في سبعينات القرن الماضى على طغيان لقب ( الفرع ) على أسم جامعتهم اذ أصبح يطلق عليها أسم جامعة القاهرة الفرع مع اسقاط أسم الخرطوم من الأسم . وبالفعل استجابت السلطات المختصة لهذا الأحتجاج وسميت الجامعة (جامعة القاهرةبالخرطوم) التى تحولت فيما بعد الى جامعة النيلين . ويحضرنى في هذا المجال اسم مدرسة أسست في أوائل السبعينات وسميت باسم ( مدرسة حلويات سعد ) ، وحلويات سعد هذه أشهر من نار على علم في ذلك الزمان وما زالت على ما أعتقد ، كما أن أصحابها مشهورون بالأعمال الخيرية ولكن مع ذلك لم يسلموا من لسان الصحفيين .فقد احتج أحدهم على الأسم الذى رأى فيه أنه لا يتماشى مع الروح التى ينبغى أن تعبر عن أهداف المؤسسة التعليمية أو تحمل وجدان الشعب السودانى في قيمه ومفاهيمه وأبطاله القوميين أو كل ما من شأنه أن يربى النشىء على المثل العليا . وأذكر أن الخرطوم وقتها لم تكن قد منعت بيع الخمور بعد ، فتهكم ذلك الصحفى وقال أن الحال اذا سار على هذا المنوال ، فلربما سمعنا قريباً بتأسيس مدرسة تحت أسم مدرسة ( البيرة أبو جمل الأبتدائية للبنين ) اذا تبرع مصنع البيرة ببناء أحدى المدارس . وفي الأبيض وهى بلدنا ، لدينا مدرسة تسمى مدرسة التجار الثانوية حيث تبرع تجار المدينة ببنائها وسموها باسمهم ، كما لدينا مدرستين أخريين تحت أسم ( مدرسة كردفان و مدرسة عاصمة كردفان ) ويتكررالأمر مع الأسف في كل مدن السودان. ولا يقتصر الجدب واليباب اللغوى والوجدانى على تسمية المدارس والجامعات فحسب ، بل طال الأحياء السكنية والشوارع أيضاً حيث لدينا الرياض والدوحة والشارقة وهلمجرا من الأحياء الراقية بينما ينادى المنادون في مواقف المواصلات الشعبية على أحياء مثل كرور وكمبوديا وأنجولا...الخ أما الشوارع فحدث ولا حرج ، فقد سمى بعضها بأسماء لا يعلم الشعب السودانى عن انجازات أصحابها كبير شىء ، هذا ان كانت لهم انجازات بالفعل. هذا ويذكرنى اسم جامعة الخرطوم شمال بأسماء الأدوية ومستحضرات التجميل المقلدة التى يتم فيها تغيير حرف أو حرفيين من المنتج الأصلى لأغراض التحايل على القانون ولسرعة ترويج المستحضر أو الدواء المقلد على البسطاء من الجمهور. وأنا بالطبع لا أقصد أن الجامعة تفعل ذلك عمداً وأنما أسمها يوحى بذلك بلا شك . وطيلة وجودنا في هذه الدنيا لم نسمع بجامعة هارفارد جنوب أو جامعة أوكسفورد وسط أوجامعة كيمبردج شمال . وظلت وستظل هذه الجامعات تحكى عراقة أصلها وعبقرية خريجيها الذين غيروا العالم وما زلوا ، وهذا لا ينفى أبداً وجود جامعات أخرى لها دورها المرموق في تنمية مجتمعاتها . ومهما يكن من أمر ستظل جامعة الخرطوم هى الجميلة والمستحيلة على مر العصور وستظل تحكى عظمة تاريخ السودان المعاصر بكل تفاصيله الجميلة المبهرة. ولن ينقص من شموخها الأسم الجديد الذى أقحم عليها اقحاماً بقصد أو دون قصد . وان غاية ما يحدث هو خلق الفوضى والبلبلة داخلياً وخارجياً من حيث التضليل الأكاديمى عند التعاون مع المؤسسات العلمية المشابهة ، وعدم وضوح الرؤية في تنظيم المؤتمرات العلمية ذات الصبغة الدولية ، بل وفى تضليل الطلاب الذين يرغبون في الألتحاق بجامعة الخرطوم فيجدون أنفسهم قد قبلوا بقدرة قادر في جامعة الخرطوم شمال .