نجم سطع فى سماء الجيش السودانى – الفريق محمد عثمان هاشم فى ذكري رحيله تمر علينا هذه الأيام ذكرى رحيل الغفور له بإذن الله الفريق محمد عثمان هاشم رئيس هيئة أركان القوات المسلحة السودانية الأسبق. الفريق محمد عثمان ينتمى لأسرة الهاشماب العريقة بأمدرمان وقد إشتهر والده بالأدب والشعر وكان من روّاد الحركة الوطنية الأوائل. . نشأ محمد عثمان بمصر وتلقى تعليمه فيها وكان من االطلاب المتميزين مما أهله لدخول كلية الهندسة ثم التحق بالكلية الحربية وتخرج منها ضابطاً بالجيش المصرى بسلاح المدفعية وتنقل فى العديد من وحداتها وأظهر من الكفاءة والقدرات التعليمية ما أهله ليكون معلماً بمدرسة المدفعية المصرية العريقة.وقد شارك فى حرب السويس فى العام 1956 بما عرف با لعدوان الثلاثى وأبلى فيها بلاءً حسناً وتمت ترقيته إلى رتبة الصاغ (الرائد ) والتى كانت من الرتب العظيمة فى ذلك الوقت. بعد إعلان إستقلال السودان كان الراحل من ضمن مجموعة من الضباط الذين تقدّموا بإستقالاتهم من الجيش المصرى وآثروا العودة للسودان والإنضمام للقوات المسلحة السودانية. ارلقد كان من حسن حظ سلاح المدفعية أن ينضم إليه الصاغ محمد عثمان بكل خبرته وكفاءته فى مدفعية الميدان فبذل فيها مجهوداً عظيما بتدريب الضباط وضباط الصف على إستخدام المدافع وصيانتها واضعاً اللبنة الأولى لعلوم مدفعية الميدان مما كان له الأثر العظيم فيما إشتهر به سلاح المدفعية من الكفاءة والإنضباط وحسن القيادة. بعد إكتمال تدريب اعداد مقدّرة من الضباط وضباط الصف شرع الراحل فى إنشاء مدرسة المدفعية والتى قامت فيما بعد بتدريب الآلاف من الضباط والصف والجنود من سلاح المدفعية ومن وحدات المدفعية بألوية المشاة المختلفة. بعد أعوام من العمل الشاق بسلاح المدفعية إنتقل محمد عثمان للعمل بمناطق العمليات بجنوب البلاد حيث عمل بمناطق غرب الإستوائية ثم انتقل إلى منطقة بحر الغزال قائداً لها . بعد إنتهاء فترة عمله بمناطق العمليات عاد محمد عثمان إلى سلاح المدفعية الذى تدرّج فيه إلى أن أصبح قائداً لهذا السلاح برتبة اللواء فكان عهد قيادته عهداً زاهراً شهد تحول مدفعية الميدان من النظام الغربى إلى النظام الشرقى بدخول الأسلحة الروسية فى بداية حقبة مايو مما ترتب عليه تغييرات كبيرة فى إستخدامات المدفعية فنياً وتكتيكياً فكان للراحل القدح المعلّى فى سرعة التغيير واستيعاب الكوادر المختلفة للنموذج الجديد بتواجده الكثيف فى مواقع التدريب العملية والنظرية ومناطق ضرب النار وبتوجيهاته وإرشاداته الصائبة والمستمرة رغم أعباء القيادة وإلتزاماتها الأخرى. بناءً على ثمرة جهوده فى ا لقيادة والتدريب وحسن الأداء تم إختيار الراحل للعمل بالقيادة العامة كنائب لرئيس هيئة الأركان للعمليات فاضطلع بهذه المهمة بحنكة وإقتدار وثبات مما أهّله للترقى إلى رتبة الفريق كرئيس لهيئة أركان القوات المسلحة قضى بها المدّة المقررة للبقاء فى المنصب ثم أحيل للمعاش. تميز الراحل العزيز بالصدق فى القول والعصمة من النفاق والرياء والطمع والبساطة فى المأكل والملبس والمسكن والأمانة المطلقة والتنزه عن الدنايا والبعد عن سفاسف الأمور كما اشتهربسرعة البديهة واتقاد الذهن والثبات عند الملمات وليس أدلّ على ذلك من حادثة مقتل شقيقه الدكتور محى الدين عثمان هاشم الذى نزل ضيفاً عليه بمنزله جوار القيادة العامة والذى إستهدفه بعض مقاتلى الجبهة الوطنية فى يوم هجومهم على الخرطوم فيما سمّى بهجوم المرتزقة وكان الراحل يِؤدى عمله بالقيادة العامة فأمطروا شقيقه الدكتور بوابل من الرصاص فأردوه شهيداً وعندما بدأت الأحوال فى الهدوء ذهب الراحل لتفقد المنطقة العسكرية والتى تحوى منازل الضباط وعند عودته راى أن يطمئن على شقيقه الذى تركه وحيداً بالمنزل فوجده ملقىً على الأرض مصاباً بعشرات الطلقات التى مزقت جسمه وقد فارق الحياة. ورغم مشاعر الحزن ورهبة الموقف واصل الراحل تفقده لبقية المنطقة وعاد لمزاولة عمله بالقيادة وتكفل بعض معاونيه ببقية إجراءات تجهيز الجثمان. لقد أظهر الراحل شجاعة فائقة فى مواجهة المرض الذى عطل كليتيه ورفض جميع المحاولات للتبرع من أسرته وذويه متعللاً بكبر سنه وإكتمال أداء مهمته فى الحياة وواجه مصاعب غسيل الكلى لسنين عددا. وكان يقول أنه قد روّض نفسه على لقاء الموت واطمأن إليه وتهيأ له فللّه درّه. بعد إحالته للمعاش إنتقل الراحل لمنزله المتواضع متمسكا بالبقاء فى الوطن وبعد قيام حكومة الجبهة الإسلامية ذهب الراحل لقضاء بعض المعاملات بالقيادة العامة وعند بوابة الدخول أبرز بطاقته وعرف أفراد الحراسة برتبته وإسمه فمنعوه من الدخول بطريقة ليس فيها أى نوع من الأدب والإحترام وكان ذلك من الأساليب التى إتبعتها الجبهة فى إذلال الضباط خاصّة المتقاعدين منهم!! إثر هذه الحادثة قرر الراحل الهجرة إلى القاهرة والتى بقي بها إلى أن اختاره الله إلى جواره. إرتحل الفقيد وترك وراءه زوجته العظيمة السيدة نفيسة محجوب شفاها الله وعافاها وإبنه طارق وكريمته حنان فكانوا لنا خير خلف لخير سلف. لقد تشرفت بالعمل تحت قيادة محمد عثمان ردحاً من الزمن فكان لى ولزملائى الآخرين نعم القائد والموجه و الأخ الأكبر والقدوة الصالحة. لم يبخل علينا بعلمه ومعرفته الواسعة فى مجال العسكرية والعلوم الإنسانية التى اختزن منها الكثير. ولقد تشرفت شخصياً بصداقة ممتدة معه إلى وقت رحيله فكان نعم الأخ الصادق الصدوق والناصح الأمين. اللهم إنى أشهد بأن الفقيد قد غرس غرسا أنتج ثماراً طيبة استفاد منها الكثيرون وأنك قد آتيته علماً فلم يبخل به . اللهم إنى أسالك برحمتك التى وسعت كل شئ وبوجهك الباقى بعد فناء كل شئ أن ترحمه وأن تجازيه بالإحسان إحساناَ وبالزلاّت عفواً وغفرانا. الهم أجعل مرضه ونصبه فى الدنيا كفارة لجميع ذنوبه وأجعل ذريته ذريةً صالحة تدعو له بكل خير إلى يوم الدين. وأختم مقالى هذا بإستعارة أبيات نزار فى الرثاء: أنادى عليك أبا طارق وأعرف أنى أنادى بواد وأعرف أنّك لن تستجيب وأنّ الخوارق ليست تعاد ويا حزننا على رحيل الشرفاء...... عميد "م" محمد أحمد الريح الفكى