بسم الله الرحمن الرحيم د. جمال إدريس الكنين رئيس الحزب الوحدوي الديمقراطي الناصري معظم الناس في السودان تسأل هل موجة الثورة الديمقراطية في المنطقة العربية موعود بها الشعب السوداني أم ستتخطاه بعد أن وصل صداها إلي شعوب عربية لم يكن متوقع أن تنتفض أصلا وتطالب حكامها بالتغيير. فالموجة عارمة ولن تستثني بلدا، والثورة صارت أمرا حتميا لعدة عوامل. أهمها أن الأنظمة لم تعرف التداول في السلطة ولا تعترف بالمشاركة السياسية للشعب في الحكم ولا تحترم مواطنيها ولا تعترف بحقوقهم. هذه الأنظمة لا تعرف إلا القمع والاستبداد والفساد والظلم، وعلي المستوي الخارجي أنظمة خانعة وتابعة. وفي السياسات الاقتصادية تابعة للرأسمالية الغربية وتوجيهات البنك الدولي، ألغت دعم الدولة للخدمات الأساسية وباعت كل ممتلكات الشعب للقطاع الخاص والرأسمالية الطفيلية مما أدي إلي زيادة الإفقار والبطالة. مع كل هذه المسالب طال الزمن بهذه الأنظمة في الحكم، مع مواصلتها للقمع وإهدار الكرامة الإنسانية، ولم تترك أي مساحة للتغيير السلمي الديمقراطي ولا حتى مساحة للتعبير بحرية. كل ذلك وفر الظروف الموضوعية لتسونامي التغيير في الوطن العربي. أما عندنا في السودان فظروف وشروط التغيير في النظام مكتملة وزيادة، فالحالة وصلت لحتمية التغيير فما الذي يؤخرها ؟. نعتقد أن شروط وعوامل التغيير تنقسم إلي قسمين. أولها شروط وعوامل موضوعية مرتبطة بالنظام والظروف التي أوجدها وتسبب فيها وأوجبت ضرورة تغييره. وثانيها شروط وعوامل ذاتية متعلقة بالقوي التي تقوم بالتغيير وأدوات التغيير وكيفية التغيير. ولكي تكتمل الحالة الثورية للتغيير يجب أن تكتمل وتستوي كل هذه العوامل الذاتية والموضوعية في لحظة واحدة حني تدفع بالثورة إلي الإمام لإتمام التغيير المطلوب. 1. الشروط والعوامل الموضوعية: المتعلقة بالنظام، هي ظروف قائمة وموجودة في الواقع بغض النظر عن الوعي بها أو جهلها من البعض أو الكافة. أ. انعدام الشرعية والمشروعية :. النظام لا شرعية له منذ أن جاء بالانقلاب عام 89 علي النظام الديمقراطي المنتخب، وحاول طيلة المدة الماضية أن يكتسب شرعية لوجوده من خلال انتخابات مزيفة ودستور مرفوض من الشعب، ثم استغل النظام اتفاقيات السلام لاكتساب شرعية وحاول أيضا من خلال تزوير الانتخابات الأخيرة التي جاءت بمجلس 98% من عضويته مؤتمر وطني، وهذا ما فعله أيضا الحزب الوطني في مصر ولم تسعفه عضويته التي كانت 100% من مجلس الشعب المصري من طوفان ثورة الشعب المصري. يفتقد النظام أيضا للمشروعية فهو لم يجد أو يكتسب أي رضي أو قبول حر ونزيه من قبل الشعب، فبعد 20 سنة من الحكم لم يبني أي رصيد شعبي من خلال انجازات ملموسة لصالح الشعب تجد الرضي والقبول. ب. مصادرة الحريات:. صادر النظام كل الحريات والحقوق. حرية التنظيم وحرية التعبير وحرية العمل النقابي وحقوق المواطنة بترسانة من القوانين المقيدة للحريات، منع بها العمل السياسي الحر ومارس الاعتقالات والاستدعاءات الأمنية ومطاردة المواطنين بقانون النظام العام واضطهاد النساء ومطاردتهن والتضييق عليهن. ت. الظلم والبغي: إن الظلم والظلمات التي ارتكبها النظام في حق السودانيين لا حصر لها وهي عديدة مثل الفصل التعسفي لعشرات الآلاف من الخدمة المدنية والقوات النظامية. الاغتيالات والإعدامات بدون محاكمة، والاعتقال والسجن والتعذيب. طرد المواطنين الفقراء وتهديم منازلهم في مناطق طرفية كثيرة بالعاصمة والمدن الكبيرة. مصادرة الأراضي وانتزاعها بالقوة من المواطنين والاستيلاء عليها بغير وجه حق والمماطلة في دفع التعويضات عن الأراضي المنتزعة. التوظيف علي أساس الولاء للنظام وفتح الفرص الاقتصادية أمام عضوية المؤتمر الوطني. ظلم العاملين في الدولة بتأخير مرتباتهم البسيطة وتأخير حقوق المعاشيين لشهور وسنوات وهم في أمس الحاجة يعانون الفقر والمرض، في الوقت الذي يصرف فيه المؤتمر الوطني الأموال الطائلة علي برامجه ونشاطاته. تعرض المزارعين إلي ظلم كبير بعد أن رفعت الدولة الدعم عن تمويل الزراعة وتركتهم فريسة لمحفظة تمويل البنوك بشروط ظالمة أدت إلي إعسارهم ودخولهم السجون. والجهات المتنفذة تستورد وتبيع للمزارعين تقاوي ومبيدات فاسدة غير صالحة مما أدي إلي فشل كثير من المواسم الزراعية والإضرار بالمزارعين ضرراً بليغاً. اتبع النظام سياسات جهوية ظالمة قادت البلاد إلي حروب في الجنوب والغرب والشرق وكل الإطراف وارتكب سلسلة من الجرائم في حق المواطنين. ث. السياسات الاقتصادية :. سياسة التحرير الاقتصادي التي أتبعها النظام لم تكن في مصلحة الشعب ودمرت الاقتصاد السوداني. بل كانت وما زالت لمصلحة أقلية الحزب الحاكم التي اغتنت علي حساب حرمان وإفقار الشعب بعد أن تخلت الدولة عن دعم الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وباعت ممتلكات الشعب بأرخص الأثمان لأهل المؤتمر الوطني وحلفائه الذين احتكروا كل فرص النشاط التجاري والاقتصادي، مما أدي لتوسيع قاعدة الفقر لتشمل 95% من الشعب الذي يعاني من غلاء الأسعار وصعوبة الحياة. ج. الإفقار : إن الإفقار الواسع الذي ضرب حياة السودانيين تم نتيجة للسياسات الخاطئة والظالمة وإهمال القطاعات الإنتاجية والمنتجين، وتخلي الدولة عن مهامها ومسئولياتها في تقديم ودعم الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وكهرباء ومياه، وترك المواطن لمواجهة فواتير كل هذه الخدمات مع قلة الأجور والانخفاض المستمر لدخل الفرد وانخفاض قيمة العملة الوطنية والقيمة الشرائية للجنيه، وفرض الضرائب والجبايات والرسوم المتعددة علي المواطن باستمرار مما جعل التضخم وغلاء الأسعار جحيم لا يطاق وواقع لا يحتمل ولا يستطيع المواطنين تلبيه حاجاتهم الأساسية للحياة. ح. الفشل الإداري:. إن الفشل الذي ظهر من أداء النظام الإداري كارثي وغير مسبوق وهو نتيجة حتمية لغياب البرنامج، وغياب دولة القانون والمحاسبة، ولانتهاك لوائح الخدمة وتعيينات الولاء بدون خبرة ومؤهلات، وتشريد وفصل الكفاءات مما أدي إلي ضعف وفشل كثير من المؤسسات وانهيارها، كمشروع الجزيرة والسكة حديد وسواد نير وغيرها. إن الفشل طال مؤسسات وأجهزة الحكم بكل مستوياتها. والنظام الفدرالي والحكم المحلي خلق مشكلات في كل أقاليم السودان وتم تتويج الفشل الكبير بالتفريط في وحدة البلاد وانفصال الجنوب وما زال الفشل الإداري يهدد ما تبقي من السودان. خ. الخراب والتخريب :. إن الفشل الإداري والفساد وعدم المحاسبة أحدث خرابا كبيرا في حياة السودانيين شمل المباني والمعاني. تم تخريب المؤسسات وتخريب الخدمات فالتعليم والصحة من أهم الخدمات لتنمية الإنسان تم تخريبها بعد ان رفعت الدولة يدها عن الدعم. فالتعليم العالي والأساس يعاني من فوضي في المناهج وميزانية شحيحة مع تشريد الكفاءات وانعدام التدريب وغياب كل مقومات التعليم الجيد، مع فتح الباب واسعاً لفوضى التعليم الخاص. كذلك الخدمات العلاجية تم إهمالها وتخريبها وترك المواطن فقيرا معدما لمواجهة الاستثمارات الخاصة في الصحة، التي تتاجر وتتكسب في مرضه ومعاناته. إن التخريب شمل القيم والمعاني وانحسرت قيم اجتماعية إيجابية لتظهر وتسود قيم السوق والطبقة الجديدة مثل الأنانية والجشع والمظهرية والصرف البذخي والفهلوة والجوكية والكسر والكذب والنفاق والرياء وكثير من ممارسات وسلوكيات لم يعرفها الشعب السوداني في السابق، التفكك الأسري والقبلية والجهوية وجرائم جديدة علي المجتمع، وامتلأت السجون بأعداد هائلة من الرجال والنساء بفضل هذه القيم الجديدة.. د. الفساد: لم يتبقي ركن أو موضع في السودان إلا وطاله الفساد الذي تمدد من القمة إلي القاعدة. فممارسة الفساد أصبحت واضحة وترتكب بكل جرأة، ابتداء من المناطق البعيدة في الأرياف والمحليات والولايات وصولاً إلي المؤسسات المركزية والوزارات وقمة السلطة، بأشكال مختلفة لاستغلال السلطة في سرقة أموال الشعب، منها خيانة الأمانة، والصرف بدون وجه حق، والمخصصات والامتيازات الخرافية، والجمع بين أكثر من موقع وظيفي في مجالس الإدارات للمؤسسات والشركات، والجمع بين الوظيفة الحكومية والاستثمار الخاص، كظاهرة الوزراء وكبار التنفيذيين المستثمرين، وإرساء العطاءات والمقاولات وكل الفرص لأهل المؤتمر الوطني وأقارب المسئولين. إنهم يصدق فيهم ما جاء في الكتاب الكريم "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام* وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد* وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم و لبئس المهاد ".(بقرة204-206) ذ. أداء الأعلام :. احتكر النظام الإعلام وصار موجها بصورة واحدة وصوت واحد، ومحاولات ساذجة لتزيين الواقع وتزييف الوقائع وتحويل فسيخ الخيبات إلي شربات انجازات وهمية.هذا هو ديدن الأنظمة الشمولية مع الإعلام، احتكار يجعل المواطن في حالة من عدم التصديق و الضيق والملل والقرف من الإعلام الحكومي.... • كل العوامل التي ذكرناها سابقا مرتبطة بالنظام وادائه الذي أوصل البلاد إلي حالة ضرورة الثورة والتغيير، والأزمة استكملت كل حلقاتها. فالنظام مخرب وفاشل أهلك الحرث والنسل، النظام فاسد والله لا يحب الفساد، ولا يحب الفاسدين. النظام ظالم، والله لا يحب الظالمين وحرم الظلم. النظام باغي وحرم الله البغي ونهي عنه. إنها الفئة الفاشلة الفاسدة الباغية والظالمة، والخروج عليها وتغييرها واجب ديني قبل أن يكون واجب وطني. إن الغبن والحالة الثورية وصلت مرحلة التشبع وتحتاج فقط الي من يقدح الزناد.. والنظام يسعي بكل ما أوتي من حيل وتدابير لإضعاف حالة التشبع الثوري ومنع قدح الزناد لشرارة الثورة بعدة طرق منها :. 1. القمع :من أهم تدابير النظام لمنع التحرك الثوري ممارسة القمع بشكل واسع لمنع أي تحرك أو تعبير، ومنع الندوات والتجمعات والمسيرات. الاعتقالات والضرب واستخدام القوة لمنع أي تحرك شعبي. بواسطة الشرطة والأمن وتجهيز المليشيا الحزبية التي سموها الكتيبة الإستراتيجية ظانين بأنهم سيخيفون ويرهبون الشعب. 2. استغلال الإعلام بشكل ممنهج لإعطاء صورة زائفة عن الواقع المعاش وتشويش الوعي لهذا الواقع البائس لدي المواطن. 3. إعادة الحديث عن الشريعة في محاولة لإرهاب الشعب باسم الدين. والشعب أدرك وعرف جيدا شريعة المؤتمر الوطني بعد 20 سنة من الفشل في الحكم لمن زكوا أنفسهم علي الله وتميزوا علي بقية خلق الله من المسلمين و سموا أنفسهم بالإسلاميين !!!. وعرف ان الذين يدافعون عن شريعة المؤتمر الوطني إما منافقين واما جهلة بأمر الدين. 4. محاولة النظام طرح مشاريع وهمية لتشغيل الخريجين في محاولة مكشوفة لجمع المعلومات والمتابعة الأمنية وحصر أعداد وتوجهات الخريجين العاطلين. 5. الحديث الكاذب عن محاربة الفقر وطرح مشاريع فاشلة مثل التمويل الأصغر والأسر المنتجة. وإعلان النظام وأجهزة المؤتمر الوطني عن عقد الاجتماعات واللقاءات لدراسة كيفية مواجهة الغلاء وكأن الذي تسبب في الغلاء كيان آخر غير المؤتمر الوطني !! 6. محاولات اختراق وإعاقة مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت وإقامة مواقع وهمية لاصطياد الناشطين. 7. التصنت علي الهواتف لمتابعة وإبطال أي تحرك شعبي، بتعاون كامل من شركات الاتصالات التي تديرها عناصر أمنية تخرجت من الأجهزة الأمنية. 8. دخول النظام في حوارات تكتيكية مع بعض قوي المعارضة لشقها وإضعافها وشغلها عن الهدف الأساسي وهو التغيير. 2. الشروط والعوامل الذاتية: ذكرنا سابقا أن الشروط والعوامل الموضوعية وصلت مرحلة الاكتمال والتشبع وتحتاج فقط الي قدح زناد الثورة. وقدح الزناد هو دور قوي المعارضة الشعبية ويتوقف علي قوتها وقدرتها علي ذلك، بمعني أنه يتوقف علي الشروط والعوامل الذاتية المتعلقة بظروف الشعب وقدرته علي التغيير. وناقشنا في البداية العوامل الموضوعية أي ظروف الواقع المطلوب تغييره ، وسنناقش في السطور التالية العوامل الذاتية المتعلقة بقوي التغيير وقدراتها وضرورة استكمالها. أ- الوعي : من أهم العوامل الذاتية هي الوعي الكافي بالشروط الموضوعية التي توجب التغيير وإدراك ظروف الواقع وإبعاد الأزمة الوطنية التي تسبب فيها النظام. والشعب السوداني لديه الوعي الكافي والإدراك الكامل لدواعي التغيير، وهو يمتلك الإلهام الذاتي بحكم خبرته وتجربته التاريخية في تغيير الأنظمة الشمولية. والآن في هذه اللحظة التاريخية زلزال الثورة في الوطن العربي يشكل وعيا و إلهاما إضافيا للشباب والشعب السوداني. ب- الصبر والمثابرة علي عدة أشكال من التحرك الشعبي بمجموعات متعددة وأماكن متعددة لإحداث تراكم الفعل الثوري، والحفاظ علي المتابعة والحشد والتصعيد لأي قضية صغيرة أو كبيرة. لأن اندلاع شرارة الثورة وقدح زنادها يمكن أن يكون حدثا صغيرا أو قضية فرعية يتم تبنيها وتصعيدها والانطلاق منها للفعل الكامل والشامل لتغيير الواقع الذي اكتملت فيه كل الشروط والعوامل الموضوعية والذاتية. ويجب أن لا نتوقع أن الثورة ستندلع من أول دعوة للخروج بل لابد من مواصلة الدعوة للخروج بعدة مجموعات واشكال وتكرارها من غير كلل وملل أو يأس لاستنزاف وإرهاق أجهزة القمع وإتاحة الفرصة لتراكم الخبرة الميدانية للثوار.((فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين)) ت- التنظيم: من أهم العوامل لنجاح الثورة تحديد الأهداف وتنظيم الحركة وتوزيع الأدوار والمهام. إننا بحاجة ماسة لقيام أداة تنظيمية جديدة لديها الوعي الكامل والقدرة والقوة لانجاز المهمة الثورية، وتملك الموقف الواضح من قضية التغيير الثوري الديمقراطي الجذري الذي يبدأ بإسقاط النظام الفاسد. ان تحالف المعارضة بحالته الراهنة وتركيبته الحالية لايستطيع انجاز التحرك الثوري إلي نهاية الشوط ودفع الثمن المطلوب لهذا التغيير، فهو يضم بعض القوي التي تقدم رجل وتؤخر أخري ولم تحسم موقفها من التغيير الجذري للنظام بدعوي الوفاق الوطني، او بدعوي الخوف من انزلاق البلاد للفوضى والصوملة، إننا نعتقد إن ث- موقف هذه القوي يثبط الهمم ويعيق ويضعف حركة التغيير ويصب في مصلحة النظام. ودخول هذه القوي في حوار مع النظام فيه تراجع مهين وخذلان للشعب ولا فائدة ترجي منه لأن النظام لا خلاق له في الحوار ولا يملك أي أساس أخلاقي أو سياسي للحوار، وهو لم يسعي للحوار إلا تكتيك منه لعبور هذه اللحظة التاريخية من أعاصير الثورة العربية وتجاوز تداعيات انفصال الجنوب. إننا في حاجة لأسلوب جديد في العمل وأداة تنظيمية جديدة تجمع القوي التي لها رؤية موحدة للتغيير الجذري التحديثي ولها أهداف مشتركة، ومتقاربة فكريا وتؤمن بالديمقراطية وببعدها الاجتماعي في سياسات اقتصادية تنحاز للأغلبية الشعبية. وتتفق علي فصل الدين عن السياسة وتؤمن بأن الحلول لقضايا ومشاكل تطور المجتمع وتقدمه تتباري وتتنافس حولها البرامج السياسية التي هي من اجتهاد البشر، وليست حقائق دينية منزلة ومطلقة. فما رأيناه وعايشناه في الفترة الماضية لا علاقة له بالشريعة أوالدين، انما هو سلوك وجهد بشري نتج عنه تخريب للبلاد، وفشل وفساد، وظلم وبغي علي العباد. لذلك نري من أهم الخطوات لتكتمل الشروط والعوامل الذاتية لانجاز التغيير بناء الأداة القادرة علي التغيير. ويجب علي قوي التغيير الجذري ان تثق في قدرة الشباب والشعب السوداني علي تجاوز المتراجعين والمترددين. فهنالك ضرورة قصوى وملحة لتأطير هذه القوي في أداة تنظيمية تعبر عن كتلة تاريخية قادرة علي تجاوز الضعف الحالي ومواجهة المؤتمر الوطني لإتمام المهمة التاريخية. ج- الإمكانية وقوة التحمل: من العوامل الذاتية المهمة لقوي التغيير ان تتوفر الإمكانيات التي تجعلها قادرة علي تحمل وامتصاص ضربات الاجهزة القمعية.واهم الإمكانيات هي الامكانية البشرية فالمطلوب تحشيد واستقطاب وتأطير اكبر عدد من الجماهير في التحركات حتي يكونوا قادرين علي تحمل وامتصاص أي اذي وعنف واعتقالات. ان المقاومة والتحمل لاساليب الاجهزة الامنية عامل حاسم لاستمرار التحرك الثوري. فأي حركة في الشارع يجب ان تكون لها خبرة وقدرة لتحمل وتجاوز انتهاكات أجهزة الأمن مثل منع الوصول لمناطق التجمع والتظاهر، أو الضرب والاعتقال واستخدام الغازات وغيرها من اشكال القوة، والحرب الإعلامية والاليكترونية، حني مرحلة استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين. كل ذلك لا يتم إلا بحشد أعداد كبيرة من الجماهير، لان الجماهير لها سيكولوجية وسلوك مختلف عن الأفراد. فحالة الحشد الجماهيري تتخطي حالة الخوف والتردد الفردي، وتزرع وتقوي الثقة لدي الأفراد وهم مجتمعين لانجاز التحرك الثوري.لان سيكولوجية الجماهير تفعل المعجزات كما رأيناها في ميادين تونس ومصر ونراها الان في اليمن السعيد، وخبرناها سابقا في أكتوبر وابريل. وهذا ما يعرفه ويخشاه النظام ويسعي دائما لإبطال وإفشال التحركات قبل ان تبدأ. أيضا من الإمكانات المطلوبة والمهمة مسألة الإعلام فلابد من الحرص علي توثيق أي موقف أو مشهد لأن الإعلام أصبح سلاحا فعالا في الثورة. • أن الطلائع الثورية والشبابية مدعوة لاستكمال وبناء هذه الشروط والعوامل الذاتية المتعلقة بقوي التغيير لتتكامل مع الشروط والعوامل الموضوعية لتستوي وتنضج الثورة القادمة حتما. وعلي الباغي تدور الدوائر.. والشعب غالب بإذن الله.