بثت إحدى القنوات الفضائية الإخبارية مشهداً مصورا لشابٍ تونسي يُحاول جاهداً إنتزاع مُلصق إعلاني ضخم للرئيس المخلوع زين الدين بن على . وفي كل مرة ينجح الشاب التونسي بصعوبة في إنتزاع المُلصق الإعلاني الضخم ، يُفاجئ بظهور مُلصق أخر للرئيس المخلوع من أسفل الملصق المنزوع ! وكما يُجاهد الشاب لنزع كل أثر لمُلصقات صور الرئيس المخلوع ، تُجاهد الثورات اليوم لطمس أثار الأنظمة المُتساقطة ، بعد أن تأكد لها أن سنوات الإستبداد الطويلة خلّفت طبقات كثيفة من أشبكة المصالح بعضها فوق بعض ، وليس من الهين ، كما بدا بداية للكثيريين ، إزالة أثار الأنظمة الإستبدادية بمجرد تنحي أو خلع رأس الهرم من النظام. وجماعات المصالح المُتصلة بالأنظمة المخلوعة ، لاتزال تتوفر لها قنوات النفوذ والتأثير على المشهد ، كما ولا يجب الإستهانة بقدرتها المُكتسبة على إخفاء الأصول المالية الضخمة التى تحصلت عليها بغطاء من السلطة السياسية ، وبالإحتكار المُنظم بالقانون والمسنود بالتشريع ، وكلها أسباب للقوة ، قد تُمكنها من إستعادة التواجد والنفوذ من خلال عناوين جديدة وأجسام سياسية مُخادعة . من واقع إستطالة سنوات عهد الحكم الإنقاذي في السودان ، وتثبُت شبكات المصالح السياسية والإقتصادية فيه ، بل وإدماجها في جسم سياسي مُسيطر بأدوات الدولة "المؤتمر الوطني" ، مُستأثرة بخيرات البلاد عهداً طويلا ، ومُتحكمة في حركة المال والإقتصاد على نحوٍ كامل وواضح ولا يحتاج لكثير إستدلال ، فإننا موعودون بصراع طويل ، وعملٍ مُرهق ، وكر وفر في الطريق لإستعادة الدولة الوطنية ودولة القانون بعد أن عملوا زمناً طويلا على إبدال مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية بخلايا حزبية مليشيوية ، درج سلوكها على تغلييب مصلحة الحزب والجماعة الأضيق المُستأثرة على مصالح البلاد وشعوبها الأوسع . لا معنى للثورة على القديم ، إن لم يأت المولود الجديد مفارقاً جذريا للقديم في الإسلوب والإهداف النهائية ، فللإستبداد وجوه كثيرة ، وقدرة حذقة على التلون ، وخلع الجلد وإبداله جلدا آخر ، أبهى لونا غير أنه أشد قبحا في المضمون . والوعيُ المُشاع ، هو وحده ، وليس غيره ، صمام أمان يحول دون الإنتكاس إلى الوراء ، وتضييع تضحيات الجمهرة ودماءها المبذولة . إرتكازاً على ما تقدم : الثورة ليست فعلاً وقتيا ، يخبو أواره بمجرد السقوط الشكلي ، أو التنحي المُؤكد لرأس النظام . إنما هي وعيٌ مُتصل ، غير منقطع ، محروسٌ بالقدرة على الإحتشاد ، وصناعة الجمهرة ، تحسباً لأذرع الانظمة الطويلة ، وصيانة للمستقبل على الوجه الأكمل برضاء من الشعب وتفويضه ، وحفظا لدماء الشهداء ومن بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل المستقبل الأفضل لنا ولاطفالنا من الاجيال الجديدة. أجراس الحرية