في يناير 8002 وقعت كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مع ستيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل السابقة اتفاقاً ينص على وضع أجهزة رصد على البحر الأحمر وفي الأراضي المصرية، دون أن يكون لمصر أي دور في هذه الاتفاقية.! وهذه الاتفاقية تخول لإسرائيل التحكم على مدار البحر الأحمر متذرعة بمحاربة تهريب السلاح إلى قطاع غزة، حينها لم تستطع الحكومة المصرية أن تفعل شيئاً سوى بعض التصريحات الجوفاء التي لم تجد صدىً يُذكر..! الهدف من تلك الاتفاقية كان السيطرة على البحر الأحمر، وهو حلم ما يزال يراود إسرائيل منذ نشأتها وإلى اليوم..! والبحر الأحمر أهم ممر إستراتيجي في العالم بحيث يربط أوروبا وآسيا وإفريقيا وعن طريقه تعبر نسبة عالية من البترول إلى أوربا وأمريكا، هذا إلى جانب التجارة العالمية الأخرى التي ما كانت لتزدهر في غياب ذلك الممر المائي الإستراتيجي الهام.!! والسودان يشاطئ هذا الممر الهام بشاطئ طوله سبعمائة وستون كيلومتراً، وقد برز اهتمام اليهود بالسودان وبشاطئه على البحر الأحمر قبل قيام دولة إسرائيل، وكان ذلك في أربعينيات القرن الماضي إبان الحرب العالمية الثانية..! برز هذا الاهتمام في بداية أربعينيات القرن الماضي حين زار ضابط كبير في الجيش الأمريكي مدينة بورتسودان، وكان اسم هذا الجنرال روبرت ماكنمارا، أبدى الرجل اهتماماً عظيماً بميناء بورتسودان حتى أن أطلق عليه اسم الميناء الفولاذي لقوة تحمله، كما أبدى اهتماماً بالشاطئ عموماً وخاصة منطقة حلايب، فذلك الشاطئ من أكثر الشواطئ تأهيلاً لإنشاء موانئ ضخمة وقواعد بحرية.. انتهت الحرب العالمية الثانية وبعدها بحوالى ثلاث سنوات قامت دولة إسرائيل في العام 8491، وازداد بعدها الاهتمام بالبحر الأحمر لكن هذه المرة دخلت إسرائيل وكانت من أكبر المهتمين بذلك الممر الإستراتيجي.!! في خمسينيات القرن الماضي تم انتخاب قائد جيوش الحلفاء الجنرال دوايت آيزنهاور رئيساً للولايات المتحدة والذي بدوره عين روبرت ماكنمارا وزيراً للدفاع، الذي قام بزيارة للسودان للمرة الثانية وأيضاً لم يضيِّع الفرصة فزار بورتسودان والبحر الأحمر وقد زار أيضاً في المرة السابقة دارفور وتحديداً الفاشر، وفي المرة الثانية أيضاً..! وهذا يعكس الاهتمام الأمريكي الصهيوني بالسودان وبالذات البحر الأحمر ودارفور..! بعد آيزنهاور تم انتخاب جون كنيدي رئيساً للولايات المتحدة، وكان ديمقراطياً أي من الحزب الديمقراطي أما آيزنهاور فكان جمهورياً، ورغم ذلك عين كنيدي روبرت ماكنمارا مديراً للبنك الدولي والذي لم يضيع الوقت فكانت أول زيارة خارجية يقوم بها للسودان، وقد حدثت في هذه الزيارة واقعة ظريفة تُظهر مدى العزة التي كان يتمتع بها الوزراء في السودان، طلب ماكنمارا الاجتماع مع وزير المالية وكان وقتها المرحوم مامون بحيري، الذي رفض مقابلة ماكنمارا وطلب منه مقابلة نظيره محافظ بنك السودان..! كان لا بد من توضيح هذه الوقائع التاريخية حتى ندرك عبر هذه الخلفية التاريخية سبب الاهتمام بالشرق السوداني والذي في تقديري إن سارت الأمور على النحو الذي نرى فسنفاجأ كالعادة بانفصال شرق السودان ليموت باقي السودان خنقاً..! ما حدث قبل أيام يجسد مأساة دولة وشعب، وما حدث هو نتاج عملية استخبارية دقيقة لصالح دولة معادية وداخل أراضي السودان..! كثيراً ما كتبت عن الأمن القومي وكيفية ذلك الأمن، فالأمن القومي لأي بلد كان يُبحث عنه خارج الحدود، حتى تبقى هذه الحدود، وإسرائيل تطبق هذه النظرية بدقة وفي تطبيق عملي للنظرية اعتدت على السودان للمرة الثالثة. وصمت السودان في المرتين السابقتين فعززتهما إسرائيل بثالثة. حقيقة لا يجب المرور على كثافة وجود الاجانب دون دراسة، واكتظاظ السودان والشرق خاصة بالإريتريين والأحباش واستيلائهم على مفاصل الاقتصاد في القضارف مثلاً.. إسرائيل ربما انتهزت هذه الفرصة ولا أشك في ذلك ودفعت بعملائها الذين تم تدريبهم في السافاك وغالبيتهم من الفلاشا الذين غادروا إلى إسرائيل عبر شرق السودان فهم يعرفون دروبه جيداً، كما أن لإريتريا علاقات متينة مع إسرائيل ورئيسها يعرف زقاقات الديم والشيطة والقلعة والعمارات دار دار وبيت بيت وزنقة زنقة..!!! وهذا يذكرني بما كان دائماً يذكره الهالك جون قرنق عن سودانه الجديد الذي يتم بالإحلال والإبدال، والآن هذه العملية تطبق عملياً على شرق السودان إيذاناً بفصله..! وكثيراً ما كنت وما زلت أحذر أن أدركوا الشرق قبل فوات الأوان..! هل هناك جهاز أمن خارجي..؟ وإن كان هناك فما دوره في كشف المؤامرات التي تحاك في الخارج وتطبق عملياً داخل البلاد وفي أهم مدنها..؟ ما دور الداخلية في مراقبة الأجانب الذين يفدون إليها بالبطاقة،؟ وما دور وزارة الدفاع المنوط بها الدفاع عن الحدود، هل هي مستعدة فعلاً لذلك..؟ هل هناك دفاع جوي حقاً وإن كان هناك فما جدواه..؟ أجهزة الأمن ألا تتابع الأجانب الذين يفدون إلى البلاد،...؟ حماية أمن البلاد أمر يجب أن يكون في أيدٍ أمينة تؤمن بالله وتخشاه وتكون حذرة في عالم يتربص بنا ويعتدي علينا في عقر دارنا..! إن الذي حدث هو عدوان على دولة مستقلة وهو بمثابة إعلان حرب ويدل على ضعف قاتل في الأداء العسكري والأمني، أين دفاعاتنا الجوية؟ وما دورها!! وهل لدينا رادارات تعمل، أم أن دفاعاتنا الجوية أيضاً من بقايا الحرب العالمية الثانية كما أعلن من قبل السيد وزير الدفاع..!؟؟ إن الذي جاء من إسرائيل لقتل مواطنين في الشارع العام لقادر على تعطيل الميناء وضربه ليقتل كل السودان وأهله..! ما عاد الأمر يحتمل الصبر، إن لنا قوات مسلحة بأسلحة قدمت للسودان الكثير وهي على أتمّ استعداد لتقديم المزيد، وجيشنا عرفته ميادين القتال في العلمين وفي كرن وفي القنال وفي الكنغو وأحراش الجنوب حتى إن التاريخ سجل له صفحات بيضاء في أمريكا اللاتينية وبالتحديد المكسيك..! أدركوا الجيش حتى يقوم بدوره في حماية أرض الوطن فهو عزيز علينا وهو المفخرة لنا جميعاً فالجيش من رحم هذا الشعب وقد تقدم لحمايته فأعينوه على أداء دوره الذي ارتضى..! أدركوا السودان يرحمنا ويرحمكم الله.. اللهم فاشهد..!!