بقلم: مهندس مصطفى عزالدين مصطفى إن الحديث عن التحديات التي تواجه الأحزاب السودانية والنظرة المستقبلية لبقائها يقودنا إلى الدخول في مأزق يفرضه إدراكنا لأسباب المشكلة السياسية وما آلت إليه في الوقت الراهن .. وأعتقد أن الحديث عن الاحتمالات هو حديث يستبطن المستقبل .. ولكن ليس ثمة مستقبل لا يسنده حاضر ولا يتجذر من ماضي .. وهكذا أرى أن تاريخ الأزمة السياسية السودانية من النواحي السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية ينبغي أن يكون مطروحا أمامنا باستمرار .. خاصة أن معظم ذلك التاريخ هو تراث من الفشل المحبط للجهود والمحبط للآمال .. وأننا يجب أن ندرك أن البيئة السياسية في السودان على مختلف عهودها قد خلقت من الآثار مما نعانيه الآن من تشرذم وتمزق متمثلا في الأشكال المتعددة للصراع السياسي والاجتماعي .. والذي من تأزمه روح القبلية والجهويه والتي أخذت تغذى الصراع و تزكيه .. بل كان من ميراث هذه الممارسات ونتائجها أحاسيس ومشاعر بالغبن والإرهاق النفسي والاجتماعي وتولد مشاعر الإحساس بالمهانة والعداء والاضطهاد في شتى صورها. ومن المؤسف أن يظل السودان منذ الاستقلال عاجزا عن الكشف عن هوية وطنية محددة القسمات والمعالم .. وهذا العجز في تقديري نابع أولا من مورث تاريخي يشير إلى أن السودان بشكله الحالي لم يعرف الدولة الموحدة لكياناته إلا في ظل قوى أجنبية عنه استطاعت لم أطرافه تحت سيطرتها وخضوع من بداخله لسلطانها .. وهو في حد ذاته يحمل من معان كثيرة أهمها أن دولة السودان كمؤسسة حديثة قد سجلت غياب خطة وسياسة واضحة لتحقيق هذا الاندماج الاجتماعي وتذويب الفوارق وتحقيق التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد. وهذا إلى جانب أن التجارب السابقة التي مرت بالسودان سواء من حيث ممارسة الحكم أو التجربة الدستورية قد كان لها من السلبيات التي ظللنا نندد بها وننعاها و نعود لنقع في محاذيرها من جديد .. وهذا مما جعلنا نعيش فى دوامة ظلت تطوح بنا في استمرار. فإن التباكي الآن على وحدة السودان قد أصبح لا يجدي فتيلا .. لآن ما نعانيه في الجنوب السوداني كان ثمرة هذا الفشل والتخبط .. فقد أنعقد مؤتمر المائدة المستديرة وفشلنا وقتها في أن نحول ما توصل إليه المؤتمر إلى واقع ايجابي يخدم قضية الوطن السوداني كله .. وجاءت اتفاقية أديس أبابا متضمنة لما جاء في مؤتمر المائدة المستديرة ... ولكنها سقطت كما سقط دستور 1973 بأيدي نفس الذين أنجزوها. وختمت اتفاقية السلام ما جاء في اتفاق كوكدام ولكنها أجهضت بالانقلاب الإنقاذى .. وأخيرا وبموافقة كل القوى السياسية نوافق على إقرار مبدأ تقرير المصير . هذه صورة لما نعيشه من دوامة أقعدت بنا عن المضي خطوة واحدة للأمام .. ننادى بالوحدة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد ونملأ الدنيا ضجيجا بشعاراتها فإذا بالواقع نجد ممارستنا هي نقيض من ذلك .. وندعى الديمقراطية وتضيع بيننا أبسط حقوق الشعب السوداني .. ولنعلم دائما أن لا قيام لديمقراطية أو تحقيق لمساواة إلا بتجديد مكانة وحقوق الفرد العادي من الجماهير ورعاية هذه المكانة وإحاطتها بكافة ما يضمن صيانة حقوقه وحرياته .. أما التعامل المستخف بأهمية هذه الحقوق وخطورتها والتعالي المنغلق على ذاته لهو السبيل إلى أسوأ مصير يمكن ان يواجه الشعب السوداني . وعليه لابد من وجود مسلك جديد للممارسة السياسية .. وليكن مدخلنا لذلك هو قوة الاحتمال واحترام الرأي الآخر .. لأن القيادة التي تقوم على الاحتمال في أي مجال من مجالات الحياة العامة لا تملك إلا أن تسعى بدأب حميم إلى ترسيخ التراضي كمفهوم وقيمة لا مناص منها لأجل كرامة الإنسان السوداني وصيانة حقوقه وحفزه إلى الثقة في الآخرين وشد الأيدي معهم من أجل ما ينمى مقدراتهم وإمكانياتهم في اتجاه بناء المستقبل .. ولعلنا نخاطر بالقول إن حكمنا بأن فهمنا لطبيعة النظام الراهن في السودان ناقص .. وبالتالي إستراتيجية المعارضة .. فحكام اليوم ليسوا نبتا شيطانيا .. بل هم يمثلون الواقع السوداني الراهن بمعنى أساسي أكثر مما تمثله جهة أخرى . نحن لا نأخذ في الاعتبار حقيقة أن عملية التآكل التي أطلقتها الأنظمة الشمولية في الاقتصاد والمجتمع والتعليم والصحة والخدمة المدنية والجيش وحتى في الفن وعلاقات الأسرة والجيران قد وصلت إلى العظم .. فان أخطر ما فعلته الأنظمة العسكرية أنها أبطلت تدريجيا فعل آلية التحديث التي تمثلها قوى المجتمع المدني منذ نشوئها . القمع الذي وقع عليها بصورة رئيسية وشغلها عن تطوير فكرها وأساليب تنظيمها الحزبي والنقابي هو المصدر المباشر لهذا اٌلإبطال .. والمصادر غير المباشرة والأخطر هي تخريبها التدريجي للنظام التعليمي وفرص تنمية الوعي الديمقراطي والاستنارة العامة وجاءت اللحظة الحاسمة في هذا التطور السلبي عندما أفرغت الريف البدوي والزراعي من سكانه نحو المدن .. والمدن نحو الهجرة الخارجية بالانهيار الاقتصادي ثم المجاعة .. هنا رجحت كفة التوازن نهائيا ضد التحديث والتطوير العام في السودان. هذا المناخ أدى إلى نمو ظاهرة سياسية حديثة شكليا مثل الإسلاميين .. العمود الفقري لهولا كان شبابا نالوا تعليما مجردا من الأفق التنويري العام ، لأن ذلك كان قد أصبح متضائلا في النظام التعليمي وفى المجتمع عموما وحتى في الحركات السياسية والاجتماعية والثقافية حيث فرضت عليها ظروف السرية الشديدة تكوينا غير ديمقراطي .. ومع الانهيار التدريجي لظروف المعيشة منذ التسعينات تفاقم تأثير عوامل الشعور بفقدان الأمن النفسي والمادي .. وازدادت جاذبية حزب الإسلاميين ، فهم يقدمون التدين الخام بيد واحتمال تأمين لقمة العيش باليد الأخرى كترياق مضاد لذلك الشعور .. وبالتالي استمدوا من الشباب الديناميكية التي أيقظت الحركة الإسلامية من سبات لم تكن خلاله الحركة شيئا مذكورا خارج المجال الطلابي .. ولعل القول الشائع بأن قوة النظام من ضعف المعارضة ليس صحيحا .. لأن مصدر قوة النظام هو وضع التحلل في كافة جوانب المجتمع .. وفى عدم الاستقرار المجتمعي بعد عدم الاستقرار السياسي في البلاد .. وفى الممارسات الفردية والجماعية السلبية والفاسدة و التي صارت لها الغلبة في كل قطاعات المجتمع فهذا النظام ليس نظاما سياسيا فقط ولكنه تعبير عن ظاهرة تأزم معقدة بدأت منذ بداية التسعينات . كما أن الوجود الفاعل للقوى السياسية السودانية لا يزال أمرا تحيط به الشكوك بسبب الضعف الذي ينتاب حضورها الجماهيري .. صحيح إن السنوات الطويلة بحظر النشاط السياسي كان لها تأثيرها .. لكن لا يبرر حالة البيات الشتوى التي تعيشها هذه القوى في أحزابها.. فالسماح للأحزاب التاريخية بممارسة نشاطها السياسي من جديد يلقي بالكرة في ملعبها .. ويدخلها فى مواجهة مع جماهيرها لاكتساب شرعية جديدة بعد (21) عاما دخلت فيها أجيال جديدة ليست معنية بالانجازات التاريخية ولا الصراعات الدائرة فيها والتي لا تمثل شيئا لها .. إذ أنها لا تقدم حلولا للمتاعب التي تواجهها كل يوم في حياتها .. وعليه لابد من إعادة النظر بالاستفادة من تجارب الآخرين في تفعيل الآليات التي سوف تدفع بمؤسسات وتنظيمات تلك الأحزاب إلى مواكبة التغييرات في الساحة السياسية .. والتركيز على تقديم العون والخدمات لجماهيرها المغلوب على أمرها .. وبدلا من رفع الشعارات التي تنادى بإطاحة النظام وفى بلد مازال فيه الإنسان يموت بسبب الجوع والمرض والإهمال. ولا شك إن الأوضاع السياسية الحالية في السودان .. وبعد الانفصال .. سوف تؤدى إلى إعادة ترتيب تحالفات جديدة ما بين القوي السياسية .. بل تكوينات حديثة مابين القوى السياسية التي طبعت السودان بطابعها منذ ما بعد الاستقلال .. وهذه التحالفات والتكوينات سرعان ما تتيح الفرصة أمام القوي الحديثة من الجامعيين والمهنيين والعاملين في مؤسسات المجتمع المدني لتأخذ مكانها في تشكيل حركة السياسة السودانية .. كما أن فترة الانتقال المرتقبة ستقود إلى تحويلات هيكلية وصور سياسية جديدة .. وهذه هي أول التحديات التي ينبغي أن يحسب حسابها في ظل التشكيلات الحديثة لمؤسسات الأحزاب. لهذا فإن مفهوم العمل السياسي لابد أن يتغير تمشيا مع الفهم الصحيح لسر الأزمة السودانية الآن .. ونحن نعلم إن مكان أغلبنا هو في الداخل .. ولن نعدم وسيلة للعيش وليس مطلوبا من أغلبنا دور نضالي .. فالهجرة الآن هجرة مهنية ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها في العمل العام .. فالمشاركة في روضة أطفال وتنظيم دروس خصوصية لتلاميذ الحي والجيران أصبح عملا عاما من الطراز الأول لأنه فعل مضاد لتدهور نوعية التعليم إذا تجنب أسلوب التلقين وحرص على بذر بذور الاستنارة . كذلك النشاطات الأخرى التي تنمى الإحساس بدور الأفراد والمجموعات المستقلة عن الدولة مثل العمل الخيري والطوعي عن طريق منظمات المجتمع المدني . وهذا المدخل القديم الجديد لابد من استيعابه لأهميته في دعم التحول الديمقراطي والتنمية .. فالملاحظ في السودان أن كل كوادر الأحزاب تفتح وعيها على نمط واحد من السلطة .. وهو التنافس في مؤسسات الحزب ثم الانتقال إلى الدولة . ولهذا لابد من إصلاح جذري وجوهري في الأمر لتوسيع مفهوم السلطة لدى الكوادر الحزبية حتى يتم إعتاقها من هذا النفق الضيق إلى سلطة المجتمع وتتنافس في بناء مؤسسات المجتمع مع الآخرين . هذه المؤسسات تتبنى قضايا هامة وحيوية وبإمكانات بشرية ومادية أوسع من الحزبية الضيقة . وبالتالي تكون مشاركة كوادر الحزب خارج الأطر الحزبية أوسع وذلك باستقطاب المتعلمين والمثقفين من أبناء الحزب على اقتحام المجتمع كل في اتجاه استعداداته الإبداعية والعلمية .. وهذه كلها ليست أعمالا سياسية ولا ينبغي لنا أن نتبناها بغرض التسييس لأنها تفقد حينئذ فائدتها غير المباشرة بالنسبة لهم . كذلك فإن ثقافتنا السائدة تحتاج لمراجعة .. وكما هو معلوم فإن المراجعة الثقافية لا تتم بين يوم وليلة .. وليس هناك إمكانية لفرض عنصر ثقافي أو إزالته عن طريق قرار سياسي ، بل البدء بمراجعة وتغيير عناصر الثقافة الإقصائية والاستعلائية وإبدالها بما يدعو للتسامح والتعايش واحترام الآخر.. ويمكن معالجة تلك العناصر فى مناهج التعليم والإعلام وهى وسائل في يد الدولة ، أو عن طريق مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات طوعية وأحزاب وأندية رياضية ونقابات وغيرها ، فهذه جميعا يمكن أن تتواصى على نشر هذه الثقافة . ولكن الأهم من هذا الدور ، بل الأكثر انتشارا والأبقي في الوجدان هذا الشكل الإبداعي من مسرح وموسيقى وغناء وشعر وتشكيل وفنون وكل ضروب الإبداع ، فالإبداع اليوم يشكل وجدان الشعوب وهو الذي يحول المجتمعات إلى أمم . Mustafa Mustafa [[email protected]] \\\\\\\\\\\\\\\\\ النضالية الإجتماعية كأساس للشرعية السياسية دعوة لجماهير الأنصار (2-2) بقلم : مهندس مصطفى عزالدين مصطفى وإنني إذ أنتهز هذه السانحة لمخاطبة أهلى الأنصار المنتشرين فى كل بقاع السودان الحبيب .. وأدعوهم لفض غبار اليأس والاستعداد لجمع الصفوف وإعادة تنظيمات شباب الأنصار .. والتي كانت تنتظم كل بقاع الوطن وتحت إشراف ورعاية الإمام ووكلاء الإمام .. وأن نشد العزم كل في موقعه لأعداد الدراسات لتطوير مناطقنا المهمشة .. وذلك من خلال إنشاء منظمات المجتمع الغير حكومية .. والتي يجب إنشاؤها بموافقة السلطات الرسمية للدولة .. فقد أصبحت مثل تلك المنظمات تمثل السند الحقيقي للدولة في توصيل الخدمات لمواطنيها .. فليس بسلطة الدولة وحدها نصل إلى التنمية والاستقرار والعيش الآمن والكريم لأهلنا .. وهذا التبني المعلن سوف لن يطعن في قومية توجهات كيان الأنصار ، بل يصب في مصلحة تحقيق تطلعات الدولة لخدمة مواطنيها وبعيدا عن صراعات السلطة التي أقعدت بالبلاد منذ الاستقلال . وعليه فان المسئولية الوطنية تفرض علينا تكريس كل الجهد لإعادة لم الشمل وتسجيل العضوية واختيار وكلاء الإمام في كل قرية ومدينة .. وأن نعود لسيرتنا الأولى بإعادة التنظيم الهرمي لشباب الأنصار .. والذي يمثل الوعاء الأمثل لجمع الشتات .. بل فيه عودة للأصول المهجورة والبحث عن الكرامة الضائعة بغياب التنظيم .. ولكن لن يتأتي ذلك إلا بالتعالي عن الرغبات الذاتية والترفع عن الصغائر والسفاسف وتنقية النفوس من رواسب الخلافات الشخصية والعداوات العرقية والقبلية والجهوية والارتفاع فوق نزوات الصراع على السلطة ونوازع الانشقاق والانشطار . فعندما تنازل سيدنا الحسين (رضي الله عنه) عن حقه فى السلطة السياسية للجماعة المسلمة ولمصلحة وحدة الأمة والصف المسلم .. وليصبح الصحابي الجليل معاوية بن أبى سفيان خليفة غير منازع على الدولة الإسلامية .. قال قولته المشهورة ( إلا إن ما تكرهون فى الجماعة خير لكم في ما تحبون من الفرقة )* ولاشك إن السبيل لتوحيد صفوف الأنصار هو العودة لما تركه الآباء والأجداد وأحيائه من جديد .. فان الانتماء لكيان الأنصار هو انتماء روحي يستمد تلك الروحانية من موروث عقائدي سماوي ارتبط بالسيرة النبوية المحمدية والتي أحياها الإمام المهدي عليه السلام .. وما تركته من تعاليم تربوية وتنظيمية صارمة كان لها الأثر الكبير في جمع الأنصار بعد معركة كرري بقيادة الإمام عبد الرحمن المهدي طيب الله ثراه .. ومن هنا يجيء التفاف الأنصار اليوم حول إمامهم في مرحلة تشير إلي أن يكون الكيان أو لا يكون .. بل مرحلة مفتوحة لكل الاحتمالات ومثقلة بالغموض بسبب تفشي الواحدية وانشطارها وانكفائها وانفجارها من داخلها بسبب شهوتي البطن والسلطة ، والتي بدأت الآن تراجعا بعد الانتخابات الأخيرة .. وبعد أن فشلت فشلا بينا في صياغة رؤية جديدة لمشروعها .. بما يؤكد أن الكيانات التاريخية عبق قابل للفوح والانتشار من جديد مهما تعددت أسباب وطرق كبتها . وإذا كان الإمام عبد الرحمن هو رمز الاستمرارية لكيان الأنصار جمعه من العدم ، ونظمه بالبصيرة ، وأعاده من جديد بعد كرري ، فعلينا أن ننتصر للإمام عبد الرحمن المهدي باستدعاء أوان المحن والاستهداء بالحكمة في وقت الضيق والغموض والبلاء وامتحان الاستمرارية بجعل إمامة الأنصار تستمر بذات المهام والنأي بها عن الصراعات الحزبية .. والتي استهدفت وحدة الكيان وذلك بالالتفاف حول الإمام الصادق المهدي بعيدا عن الممارسة الحزبية الضيقة . وأود فى هذا المقترح أن أشير إلى أن العودة للتنظيم السابق لكيان الأنصار والمكون من الإمام ووكلاء الإمام وقواعده من شباب الأنصار .. يتطلب منا النظر فيها بجدية نظرا لأهميتها في جمع الشتات .. وذلك بعد أن أثبتت التجربة السابقة بأن هيئة شئون الأنصار بتكوينها الحالي قد فشلت في لم شمل الأنصار خلال الأربعين عاما الماضية .. بل أفرغته من مضمونه الروحي والعقائدي والذي استمد من الارتباط بالسيرة النبوية المحمدية والتي أحياها الإمام المهدي ومن سلك من بعده في ذلك النهج .. فقد كانت المرجعية الدينية والروحية والفكرية والتنظيمية للإمام هي مصدر الاحترام والتقدير والمحبة والألفة بين صفوف الأنصار .. وإنني إذ أقترح في هذا المقام بأن يصبح الحبيب عبد المحمود أبو أول وكيل للإمام عن منطقة أم درمان نسبة لاجتهاداته المقدرة في الفترة السابقة وأن يبقي المقر الحالي مركزا عاما لشباب الأنصار ونشاطاته ومقرا للإمام لتسيير أمور الكيان . بل نجد أن المؤسسة التي قام عليها حزب الأمة فى بداية تكويناته عام 1945 .. استندت في أدبياتها على تنظيم شباب الأنصار والذي كان يمثل العمود الفقري للحزب من النواحي التنظيمية والمالية .. وقد أثبتت الدراسات أن وجود القاعدة الجماهيرية التي تتميز بالولاء والانضباط هي صمام الأمان لأي استقرار سياسي أو تنمية اقتصادية وذلك بمساندة الحكومات بالوقوف فى وجه فئات الضغط .. ولا يخفى على أحد أن الأنصار يمثلون طليعة الطبقة المثقفة في البلاد .. وكيان الأنصار يذخر بالكوادر المؤهلة تأهيلا عاليا فى مجالات الصحة والتعليم والزراعة والهندسة والطب والصيدلة والاقتصاد والسياسة والقانون والإعلام والآداب والفنون وعلوم الكمبيوتر .. وكافة التخصصات والمجالات الأخرى من رأسمالية وطنية ورجال أعمال وزراع ورعاة وطبقة عاملة .. ولم يعد ذلك الكيان التقليدي الذي عرف به .. ولاشك فى أن التقنيات الحديثة سوف تسهل من مهمة التنظيم من خلال وسائل الاتصال الحديثة من انترنت وفيس بوك وقنوات فضائية محلية وعالمية ودور للنشر والإعلان وغيرها إن جماهير الأنصار يأتي ثقلها الجماهيري من ولايات دارفور وكردفان والنيل الأبيض والنيل الأزرق والجزيرة وسنار والقضارف وكسلا والشمالية ( مناطق دنقلا ) والنيل ( الدامر وبربر والمتمة ) وأم درمان الوطنية .. وجماهير الأنصار في تلك المناطق ظلت تقبض على الجمر طيلة تلك السنين .. فقد بلغ بها الإهمال درجة كبيرة وكاد الريف ينتقل إلى المدينة تعبيرا عن سوء حالة ويئسه من التنمية الريفية .. والمتبقي منهم مشحون بالغضب والمرارة القابلة للانفجار والتي يكون أو ضحاياها جماهير الأنصار .. إذ لابد من تبني سياسات واضحة لتنمية تلك المناطق من خلال منظمات المجتمع المدني التابعة لشباب الأنصار خاصة ونحن مقبلين على مرحلة إعادة هيكلة الدولة بعد انفصال الجنوب وتلك السياسات تتبني مشاريع تكون لمصلحة المزارعين والرعاة وإعادة توزيع الدخل لصالح هؤلاء المنتجين من خلال سياسات التسعير وإعادة التأهيل لهذه القطاعات وتمكينها من تصدير منتجاتها بواسطة التعاونيات والشركات القابضة المملوكة للمنتجين أنفسهم .. بل أيضا سياسة تقنين وتوسع تجارة الحدود لما فيها من منفعة على وكلائه وأنصاره في دارفور وكردفان والنيل الأزرق والقضارف وكسلا وبورتسودان والشمالية ومناطق التماس مع جنوب البلاد . وفى إطار إصلاح السياسات يجب أن نعمل جاهدين لتبني رؤية متكاملة لكيفية إصلاح الإدارة الأهلية وإعادة هيكلتها حتى تستطيع استعادة السلم والأمن القبليين .. وعلى تنظيم شباب الأنصار في كل مكان أن يتبني سياسات قصديه لاستئصال الفقر ودعم قطاعات الشباب والمرأة من خلال تقديم تجربة بنك الفقراء في بنغلاديش كتجارب رائدة تعين على مواجهات التحديات .. ولاشك أن قضايا كثيرة تنتظرنا .. وعليه فلابد من تلمس من مواقع الوجع الحقيقي .. وألا نضيع الوقت في اللهث وراء سلطة الدولة .. وأن نعمل سويا لجمع شمل أهلنا وإعادة استيطانهم في المناطق التي هجروها .. وأن توزع عليهم ثرواتهم ليلتفتوا لتنمية مستدامة تكفل لهم العلاج والتعليم والسكن والماء والكهرباء ولقمة العيش الكريم . أقول لأهلي الأنصار فى كل فريق وحى وقرية ومدينة .. وعلى طول سوداننا الحبيب ودول المهجر .. أن نعمل جاهدين لتسخير طاقاتنا لخدمة مجتمعاتنا .. والبروز كقوة اجتماعية عن طريق الإنجاز الأجتماعي ومتابعته وتطويره حتى نبلغ مرحلة التأثير فى السدة السياسية كما كنا من قبل .. فقد ظل العمل الاجتماعي هو أساس الترقي السياسي في السودان الحديث .. حيث لفت مؤتمر الخريجين نظر الآخرين له من خلال نشاطه الفكري والثقافي ثم التعليمي حينما برزت مؤسسة القرشي والمدرسة الأهلية وغيرهما .. وليكن قدوتنا فى ذلك ما قام به الإمام عبد الرحمن المهدي – طيب الله ثراه وأنزل عليه شابيب الرحمة بقدر ما قدم لبلده وأنصاره .. فقد صعد السيد عبد الرحمن المهدي إلى دائرة العطاء السياسي والقومي من خلال عطائه الاجتماعي والاقتصادي .. مما أدى القوتين الانجليزية والمصرية لأخذه بجدية والتعامل معه كقوة معتبرة فى الشأن السوداني .. وقد أختار السيد عبد الرحمن طريق الجهاد المدني وخدمة المجتمع بدلا من العنف وتصحيح الأمور بالقوة .. ولماذا يلجأ للوسائل العسكرية والتدمير .. إذا كانت الوسائل الاجتماعية والاقتصادية والروحية تؤدى لذات الغرض .. نتمنى ذلك ...
وما التوفيق إلا من عند الله ... والله أكبر ولله الحمد ** ( لتعميم الفائدة فقد تضمن المقال بعض الآراء لكتاب سابقين .. وذلك لاحتوائه على مقتطفات وفقرات من مقالات سابقة ) . Mustafa Mustafa [[email protected]]