من بواكير أعمالي المنشورة كلمة قصيرة عن الجنوب بسطتها في صحيفة " الميدان " سنة 1988 . سردت فيها وقائع تجربة زلزلت جهلي بترانيم كنسية كان مصدرها رفيق سفر من الجنوب في بص على الطريق بين حلفاالجديدة وكسلا. جهل أخجلني وأصبح دافعي للتعرف على عالم الكنيسة ومصلييه من الداخل ,الأمر الذي قدر له الوقوع لاحقا في رفقة جوزيف ومايكل و صحاب كرام من الجنوب ( زملاء درس ) . بعيد كارثة فيضان سنة 1988 والبرك والأوحال في كل مكان جاهدت ركوبة لإيصالي إلى الخرطوم . كانت السكة الموحلة بين حلفاالجديدة وخزان خشم القربة خطرة إضطر فيها السائق لأن يركب خطرا أعظم : قطع المسافة بين القنطرات صاعدا على حواف الترع . أرى الآن الركوبة بعين المسافة المتباعدة الملبدة بغيم حقبتين جرادة ضخمة من المعدن تزحف مطوحة على جانب وهي تتشبث بفرع سدرة في البطانة , تطوح ولا تنكفيء , جرادة صنعت المستحيل لتبلغ بي بساط الريح الآلي فشبه جزيرةالبلقان. صعودا وهبوطا في مطبات الهواء الجديد غريب اللسان حتى أدرت رأسي بعيد وقت الغداء بمطعم طلابي بصوفيا في مطلع التسعبنات على صوت فار من جحيم الحكام في بلدي عبر القاهرة نشدانا لغرب أوروبا يناديني بإسمي الثلاثي . أدرت إلي الصوت بصري فإذا أمامي جوزيف و صحابه قدام خيامهم المنصوبة فيما بين عنبرين لداخلية المدرسة الأكاديمية بحلفاالجديدة عام 1988 ; في خريف وجدوا في دفاع نفر من الشمال عنهم سقفا رمزيا معينا ببيئة جلبوا إليها عندما أغلقت مدارسهم بالجنوب من جراء الحرب . كان الصوت لواحد ممن عرفوني على عالم الكنيسة. لم يمكث جوزيف طويلا ببلغاريا قبل أن يختفى في الطريق إلى غرب أوربا كما سيختفي من بعده كثيرون طلبا لللجوء السياسي . ليس بوسع القص عن جوزيف إدارة عجلة الساعة إلى الوراء وقد فاض بأهله الكيل فغلبوا خيار الإنفصال . سيمضون في سكتهم المستقلة عن سكة الشمال وهذا حق يجب أن يكون مكفولا لأي جماعة ترى أنها مغصوبة على وحدة لم تخترها , نفترق لا لأن المحبة معدومة , بل لأن المناخ الذي أجري فيه الإستفتاء كان مرجحا لكفة الإنفصال في وطن ينوء صدره تحت حجر في الرمضاء . كون الإنفصال هو خيار الجنوب في الحاضر لايعني أن باب إعادة التوحد مغلق في مستقبل ينزاح فيه حجر الشمولية الحاكمة عن صدر بلال تخفف عنه وطأة البلاء ترانيم كنسية كتلك التي سمعتها عام 1988 في المسافة بين حلفاالجديدة وكسلا و نداءات مآذن وصلوات لكريم معتقدات ليجترح المعجزات كما صنعت تلك الجرادة الضخمة المصنوعة من الحديد البالغة بركابها بر الخزان والسكة المسفلتة تامين سالمين . نبد دوو هديدل تون كايهي !. ---------------------------- نبد دوو هديدل تون كايهي ( نوبية ) : جرادة ضخمة مصنوعة من الحديد *. --------------------------- عثمان محمد صالح 16.04.2011