بقلم: رمضان بو الراء – ديربان - جنوب أفريقيا [email protected] تكلمنا في المقال السابق عن "أزمة اللغات والترجمة في السودان إلى أين ؟" حيث أشرنا إلى مواطن الخلل وأوردنا نماذج عن تدني مستوى اللغة والترجمة من أعلى قمة الدولة مرورا بأرقى المؤسسات الأكاديمية ، وكان القصد من ذلك تشخيص الداء حتى نتمكن من تعيين الدواء ، ولم يكن قصدنا مجرد النقد كما قد يظن البعض ، والدواء ليس أمرا ملزما بقدر ما أنه إبراء للزمة وإرشادا لمن يبتغي الرقي والتقدم. كانت الردود من الإخوة القراء مشجعة جدا ، نساءً ورجالاً، مما لم أكن أتوقعه. هذا إن دل إنما يدل على حيوية الموضوع واهتمام الناس به. وقد استعجلني بعض القراء وطلبوا مني مقترحات للارتقاء باللغة والترجمة في السودان ، علما بأنني كنت أنتوي تشخيص الداء أولا ثم أقتراح الدواء ثانيا. فلهم كل الشكر لأنهم شجعوني بردودهم هذه على المواصلة. وكنت أتوقع تعقيبا من وزارة الخارجية التي أشرت إليها بالاسم بحكم أهميتها أو من أي مؤسسة أخرى سواء كان دفاعا أو تعزيزا لما ورد ، ولكن لم يكن هناك شيء من هذا القبيل. وقديما قالوا "السكوت علامة الرضا". وعليه سأتطرق في هذا المقال إلى أهم الخطوات التي ينبغي للدولة والمؤسسات اتخاذها من أجل الارتقاء بالترجمة واللغات من أجل تجويد أدائها في هذا المجال ، ثم أتبعه بمقال ثالث للأفراد المهتمين بالترجمة واللغات من الذين لم يخرجوا من السودان أصلا. ذلك لأن اللغة كما ذكرنا في المقال السابق هي الواجهة سواء على مستوى الفرد أو المؤسسة أو الدولة ، وقد ورد في الأثر "المرء مخبوء تحت لسانه". بقدر جودة اللغة التي تقدم بها نفسك يحدد الناس قيمتك ومكانتك والعكس صحيح. لقد اكتسب مجال الترجمة اليوم من بين المجالات كافة زخما كبيرا وأهمية خاصة تزداد يوما بعد يوم ، نظرا للتقارب الحاصل بين الثقافات والشعوب والمجتمعات بفضل ثورة التكنولوجيا الرقمية في إطار ما يعرف بالعولمة. ويقال أن العالم أصبح قرية بل في الواقع هو عبارة عن غرفة ، لأن القرية لا يعرف سكانها ما يحدث في أطرافها. وبناء على هذه الأهمية لقيت الترجمة كتخصص إقبالا منقطع النظير من الدارسين من مختلف الخلفيات والتخصصات. والدولة أو المؤسسة التي تجهل مكانة اللغات وأثرها في تقدم الأمم أو تقهقرها ستظل قابعة في دهاليز القرون الماضية. بالنسبة للدولة كالسودان لابد من وجود جسم رسمي معني باللغات والترجمة ، يقوم على رأسه متخصصون يتم إختيارهم وفق الكفاءة الأكاديمية والخبرة الطويلة في هذا المجال. هذا الجسم يوكل إليه المهام التالية:- - توحيد المسطلحات المستخدمة في الأوراق الرسمية في الدوائر الحكومية وتحديد الاسماء المعيارية للوزارات والوحدات الحكومية المختلفة. ذلك لأن الواقع الحالي هو أن الناس يجتهدون في ترجمة أسماء الوزارات والوحدات الحكومية ترجمة حرفية أحيانا تخرج عن مضمون عمل تلك الوزارات أو الحدات مقارنة بنظيراتها في الدول الأخرى. هذا بالإضافة إلى توحيد الأسماء السودانية بحيث تكتب في الأوراق الثبوتية بصيغة واحدة. وأبسط مثال أن اسم محمد تجده مكتوبا في الجوازات السودانية بمختلف الطرق وكانها لم تصدر من دولة واحدة ، هذا ناهيك عن الأسماء الأخرى. - وضع معيار للاستمارات والأوراق الرسمية وأسلوب المخاطبات الرسمية للدولة. لأن ما يحصل في الغالب أن الخطابات الصادرة من الجهات الحكومية يتم ترجمتها في كثير من الأحيان من قبل أناس غير متخصصين وبالتالي تكون اللغة المستخدمة ليست معيارية ، بمعنى أنها ليست رسمية. لأن اللغة الرسمية لها أصولها وأساليبها خلافا للغة العادية التي يسخدمها الأفراد والمؤسسات الخاصة. - الإشراف أو الوقوف على المادة التعريفية المترجمة الصادرة من مختلف الوزارات والوحدات الحكومية والتأكد من مطابقتها للمعايير. - وضع قاعدة بيانات للكفاءات السودانية المتخصصة في مجال الترجمة واللغات بغية الاستفادة من خبراتهم التي استفادت منها دول ولا تزال فنهضت وتقدمت. - يعتبر جهة مرجعية استشارية في كل ما يتعلق باللغات والترجمة ويصدر تعميم بذلك لكل مؤسسات القطاع العام والخاص. - تقديم دورات نوعية للناطقين باسم الدولة ورجالات السلك الدبلوماسي بمختلف درجاتهم الوظيفية وذلك بهدف توحيد الخطاب الرسمي وترسيخ أهمية اللغة والترجمة السليمة. وأما بالنسبة للمؤسسات القطاع الخاص فمسألة ترقية الأداء في مجال اللغات والترجمة أمر أهون مما يتصور كثير من الناس. هناك كلمة أنجليزية مستحدثة وهي من المفردات الحديثة التي جاءت مع العولمة وأصبح صيتها ذائعا في مختلف الدوائر ، ألا وهي كلمة outsourcing ومعناها الاستعانة بالمصادر الخارجية. فالاستعانة بالمصادر الخارجية أصبحت ظاهرة في حد ذاتها حيث ان كثيرا من الأفراد والمؤسسات انخرطت في هذه الظاهرة وأصبحت تحقق أكبر قدر من الإنجاز بأقل قدر ممكن من التكلفة. وليس ذلك مقصورا في مجال الترجمة واللغات بل حتى في مجالات التجارة العالمية والصناعة ونحو ذلك. فالناس كثيرا ما تستعين بالمصادر الخارجية وتستغني عن المكاتب والموظفين وما إلى ذلك من تكاليف إضافة ، أرجو أن لا أكون قد دعوت لتشريد الموظفين! فبدلا من تعيين مترجم قد لا نتحقق من مؤهلاته وقدرته على ضبط الجودة يمكن أن نستعين ببيوت الخبرة العالمية ومن أي دولة (كلمة بيوت الخبرة هذه قد تكون مرعبة لبعض الناس التقليديين). بيت الخبرة قد يكون فردا مؤهلا تاهيلا كبيرا وله موقع إلكتروني من خلاله يقدم خدماته لمن يرغب ، وليس شركة لها مقرها وأصولها وما إلى ذلك. بيوت الخبرة العالمية التي تقدم أفضل خدمات الترجمة والاستشارة اللغوية اليوم لا تملك من الأصول سوى جهاز حاسوب محمول موصول بالشبكة العنكبية ، وهي متاحة في أي وقت وتنجز الأعمال بجودة عالية وبسرعة فائقة وبأسعار مناسبة. فما على المؤسسة إلا أن تسجل عضويتها في واحدة من الصفحات الالكترونية الوسيطة المعنية بالترجمة واللغات ومن ثم تطرح مشروعها للمنافسة ، فتختار عدد قليل منهم وترسل لهم نص تجريبي من فقرتين أو صفحة على الأكثر وبناء عليه تحدد من يرسو له العطاء. المنافسة هنا تكون على أساس الجودة والتسعيرة. بعض الناس قد ينخدعون بالأسعار المنخفضة ، وهذا قد يكون على حساب الجودة لأن المترجم الواثق من عمله يلتزم بمتوسط المعايير العالمية للتسعيرة (12 سنت من الدولار الأمريكي للكلمة الواحدة ) ولا يتنازل عنه إلا بشروط خاصة تتعلق بحجم المشروع بينما المبتديء لا حد أدنى له. فلابد أن تكون المؤسسات على وعي بذه الخدعة. بعد إنجاز المشروع يستلم المترجم أجره بمختلف الطرق وأبرزها www.moneybookers.com أو www.paypal.com وغيرهما. والمفهوم بسيط جدا عبارة عن مصرف إلكتروني آمن يمكن أن تودع فيه أكبر قدر من المال ثم ترسل لمن تشاء إلكترونيا إلى أي بقعة في العالم بصرف النظر عن موقعك. كما يمكنك أن تسحب منه أيضا وأنت في أي بقعة في العالم. قد تكون هناك بعض المشاكل الطفيفة فيما يتعلق بالاستعانة بالمصادر الخارجية فيما يتعلق بالمفردات الخاصة وأسماء المواقع التي قد تشكل على المترجم الأجنبي. لأن معرفة سياق الموضوع من أهم شروط جودة الترجمة لا سيما إذا كانت المادة لصيقة الصلة بسياق محدد. لذلك تشترط كثير من المؤسسات أن يكون المترجم من منطقة محددة ليكون ملما بسياق الموضوع. فيما يلي بعض الصفحات الإلكترونية الوسيطة المعروفة عالميا:- 1- www.translatorsbase.com 2- www.translationdirectory.com 3- www.proz.com 4- www.translatorscaffe.com وهناك العديد من هذه المؤسسات الإلكترونية التي تقدم خدمات الوساطة في مجال الترجمة. الوسيط رقم 3 له برامج تدريبية متميزة للمترجمين الأعضاء وينظم مؤتمرات دولية ، سنطرق لمزيد من الشرح في المقال القادم إن شاء الله. أرجو أن تكون هذه المقترحات مساهمة من جانبنا في سبيل النهوض باللغات والترجمة في بلادنا الحبيبة ، وهي مفتاح التقدم الإزدهار. ولنا عودة. ramadan breima [[email protected]]