واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل اثنين من سائقيه وإصابة ثلاثة من موظفيه في السودان    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل كان الاستاذ محمود مبدعا (هاربا) من ضحالة السياسة الى عمق التصوف؟ .. بقلم: ابوبكر القاضى
نشر في سودانيل يوم 22 - 04 - 2011

هل كان الاستاذ محمود مبدعا (هاربا) من ضحالة السياسة الى عمق التصوف؟
لعل د النور ارادمن هذا العمل الادبى اعادة الاعتبار للادب فى الذهنية الجمهورية
لم يقبل الشارع السودانى من (الفكرة) الجمهورية الا ما هو ماخوذ من المذهب الحنفى
افتى ابوحنيفه قبل 1400 سنة بجواز الصلاة بترجمة القران -- ورفضت الفكرة الجمهورية ذلك
اعظم فائدة قدمها الاتراك للسودان هى ادخال المذهب الحنفى كمصدر للقضاء والفتوى
كتاب المهارب فى حضرة الراحل المقيم بروفسير عثمان سيد احمد البيلى

فى سهرة رائعة بمركز اصدقاء البيئة بالدوحة دشن الحضور المميز كما وكيفا من ذواقة الفكر والادب كتاب (مهارب المدعين) قراءة فى السير والنصوص السودانية لمؤلفه -- العالم الفنان د النور حمد -- الذى كان ضيف الشرف فى تلك الليلة -- وقد قدم الندوة الاستاذ عبدالله البشير -- والمتحدث الرئيس فى تلك الندوة كان البروفسير الجميل حسا ومعنا -- الراحل المقيم عثمان سيد احمد البيلى -- الذى اكرمه الله بالعطاء الثر الدائم حتى اخر يوم فى حياته المليئة بالعطاء والانتاج العلمى وقد اقترن هذا الكتاب الرائع فى ذهنى -- بهذا الانسان العظيم -- ومن ضمن الاشخاص الذين استهدفتهم للعزاء بمركز اصدقاء البيئة يوم وفاة عالمنا السمح كان د النور حمد وعبدالله البشير لعلمى ويقينى بمعزة البروف عندهما -- وسوف تبقى مرافعته الرائعة عن هذا الكتاب باقية الى الابد -- وارجو ان تلحق بالطبعة الثانية من هذا الكتاب لانها اصبحت جزء لا يتجزء من تاريخ هذا الكتاب -- ومكملة ومفسرة له

لعل د. النور اراد من هذا العمل الادبى اعادة الاعتبار للادب فى الذهنية الجمهورية
هذا المقال ليس القصد منه استعراض كتاب (مهارب المدعين) -- وانما قصدنا مناقشته -- وذلك من واقع معرفتى القديمة بدكتور النور منذ عام 1975 حيث التقينا فى مؤتم للجمهوريين فى مدينة ود مدنى وسكنا سويا فى منزل اخينا طيب الذكر عثمان ابوبكر -- فالادب فى الذهنية الجمهورية الارثودوكسية من التابوهات -- واحيل فى هذا الامر الى حوارات الاستاذ محمود حول الادب والدين مع كل من ميخائيل نعيمة -- والكاتب والاديب (محمد محمد على) --وقد كتب الاخير ردا جميلا غاية فى الادب والتسامح ومدرسة فى ادب الاختلاف تناول فيه بالنقاش وفند اراء الاستاذ محمود السالبة حول رسالة الادب -- احيل الى هذه الحوارات -- وشاهدنا -- فى تقديرى المتواضع ان د النور اراد بهذا العمل الرائع اعادة الاعتبار للادب -- ولرسالة الادب كمجال واسع لحرية التعبير بعيدا عن ساحة الدين (المقدس) -- فالكاتب فى المجال الدينى مطالب بالالتزام الصارم ومحاصر بسيف التكفير -- فى حين ان الكاتب فى مجال الادب (مطول له) -- ويستطيع ان يقول ما يشاء على لسان شخوص من صنعه ويرد عليهم دون ان يكون محاسبا على وجهات النظر التى يعبر عنها الاشخاص الذين استنطقهم الاديب -- فقد طاف بنا د النور فى كتابه الرائع حقيقة على ارفع ما انتجته عقول النخبة النيلية من امثال ( محمد سعيد العباسى -- محمد احمد محجوب -- محمد المهدى المجذوب) الخ

الكتاب (مهارب المدعين) جاء بتقديم من الاستاذ عبد الله الفكى البشير -- وفضيلة عبد الله البشير هى انه اضطلع على الفكرة الجمهورية من منازلهم دون ان يتعرض (للهدم الجمهورى) -- فالمجتمع الجمهورى قمعى -- بمعنى انه يلغى شخصية الفرد بعد التزامه -- ويصب الفرد الملتزم (محنطا) مثل الببغاء فى قالب (الاستاذ محمود) من حيث التفكير -- وحتى فى طريقة الكلام -- تماما كما يفعل مريدو الترابى والامام الصادق -- فالمجتمع الجمهورى كانت له ادوات عجيبة فى غسيل دماغ الملتزم -- بحيث يتم حصار الفرد عن كل مصادر المعرفة بحيث يتحول الفرد الى شكل من اشكال انصاف المتعلمين -- فيعرف عن الماركسية فى حدود ما ورد بكتاب الماركسية فى الميزان (تاليف الاستاذ محمود محمد طه) -- مثلا -- ويعرف عن الاقتصاد فى حدود ما ورد فى كتب الفكرة مثل كتاب الدين والتنمية الاجتماعية (تاليف الاستاذ ايضا) -- وقس على ذلك -- فالشباب عبدالله الفكى -- وعبدالغنى كرم الله (قاص) مبدعون لان الطاحونة الجمهورية لم تكسرهم -- وانا اعتقد ان الفكرة الجمهورية جيدة (كمحطة) فى حياة الانسان -- ولكنها معطلة للعقول عندما تصبح اقامة دائمة -- ولعل من اجمل الذين مروا بمحطة الفكرة الجمهورية كان البروف احمد عبد العال -- رحمه الله -- وان انسى -- لا انسى معرضه الفنى فى حدائق مايو انذاك -- معرض (عود العلا ضربت به يده على طبل الملا -- فالعالمون قصائد) فقد اخذ بروف احمد عبدالعال ما لدى الفكرة الجمهورية (فى وقت قصير) وانطلق فى مجاله الابداعى -- فكتب دراساته العليا فى فكر ابن عربى --و بالقطع استفاد من خلفيتة الجمهورية فى حياته الابداعية -- ولو انه بقى جمهوريا فى انتظار (الوقت ) لما ابدع ولا انجز شيئا ما دام الاستاذ محمود حيا


هل هرب الاستاذ محمود من ضحالة السياسة -- الى عمق التصوف؟



هروب المبدعين الذى هو محور الكتاب -- المقصود به ( هروب الكثير من المبدعين والمتعلمين من واقعهم -- حينما اصطدمت تطلعاتهم واشواقهم وامالهم مع مكونات الواقع الثقافية والفكرية -- وتناقضت مع نسق القيم السائد الذى نشاوا فى كنفه -- اخترع كثير من المبدعين والمتعلمين مهارب شتى -- مفضلين تجنب مجابهة واقعهم الخانق -- الكابت -- مؤثرين الانسحاب -بدلا عن السعى الى تغييره حتى يصبح ذلك الواقع قادرا على استيعاب طاقاتهم وتحقيق امالهم وتطلعاتهم ) انتهى الاقتباس الماخوذ من تصدير عبد الله البشير

الشهيد محمود هلكته السياسة فى المهد -- وكهلا -- اما هلاك الكهولة فمعلوم للجميع -- فقد كان على يد السفاح النميرى -- وسببه منشور هذا او الطوفان -- واقصد بهلاك المهد -- ذلك القمع الذى تعرض له الاستاذ محمود عندما قاد فى شبابه ثورة الخفاض الفرعونى فى رفاعة ضد الانجليز وسجنه المستعمر فى سجن كوبر الشهير عالى الحيطان -- وسجن كوبر عبارة عن مقبرة لدفن الاحياء -- خاصة عندما يكون المسجون سياسيا وطنيا يرفض تدخل (المستعمر) فى شان يتعلق باعراضنا -- ولكن-- و بالنتيجة وجد الشهيد محمود نفسه مسجونا مقهورا من قبل المستعمر الذى قبره حيا فى سجن كوبر -- فكان السؤال : ماذا بعد انقضاء قترة السجن؟ هل يعود الى مزالق السياسة مرة اخرى ؟ ام يلعب سكة غير اللاعب؟ لقد اختار الاستاذ الهروب من ساحة السياسة الى التصوف -- والمتصوفة كانوا يهربون من السلطان -- ويقولون الدنيا جيفة وتركناها لكلابها -- ويسكنون بعيدا عند عن المدن والعواصم حيث يقيم السلطان واعوانه -- وقد تحدث دكتور النور فى كتابه موضوع النقاش عن (هروب) الصوفية على ص 101 حيث يقول : (هكذا فقد التصوف جوهره -- والتقى بالفقه --واصبح واحدا من اذرع السلطة -- وهو الذى حين نشا فى بداية امره فى القرن الثالث الهجرى -- انما نشا (هاربا) من اغواء السلطة وافسادها) انتهى الاقتباس

الاضافة الجدلية التى اود ان اضيفها لهذا الكتاب الرائع هى ان الاستاذ محمود ابتدع فكرة (الجهاد ليس اصلا فى الاسلام) ليريح ضميره من الهروب من ساحة السياسة ( ليلبد) فى ساحة التصوف (بعد ان دفع ضريبة الوطن حيث انسجن سياسيا فى كوبر اكثرمن مرة ) ليريح ضميره من ملاحقة الاتهام من الهروب من مواجهة الاستعمار الذى هزمه ودفنه حيا فى سجن كوبر -- لذلك انقطع الاستاذ محمود للعبادة بعد انتهاء فترة السجن السياسى عام 1948 -- وخرج من عزلته الاختيارية (مهربه) بفكرة (العيسوية) اى كونه المسيح المنتظر الذى ينتظر التجلى -- وهى حالة تعويضية (تضخيم الذات) لمواجهة الهزيمة امام المستعمر الغاشم -- لغرض التوازن النفسى


لم يقبل الشارع السودانى من (الفكرة) الجمهورية الا ما هو ماخوذ من المذهب الحنفى

الموضوع الثانى الذى اود تسليط الاضواء عليه ومناقشته -- هو الموضوع الذى تجنبه المناقشون فى ندوة التدشين المنوه عنها اعلاه بمركز اصدقاء البيئة وهو الدور السلبى (حسب راى الكاتب) للمذهب الحنفى الذى جلبته التركية السابقة والذى يتمثل فى ( تغيير المزاج الدينى) و (استتباع التصوف والفقه) وخلص الكاتب الى القول : (باختصار شديد -- ادخل الاتراك فى السودان مزاجا دينيا جديدا مخالفا للمزاج الذى كان سائدا اغلب حكم الدولة السنارية.) انتهى

يتحامل الكتاب كثيرا على الفقه الحنفى -- ويتبنى الكتاب الصراع بين (الفقه والتصوف) -- وينتصر الكتاب للتصوف -- والاخ عبد الله البشير اكثر وضوحا فى التحامل على الفقه الحنفى العثمانى ويحمله مسؤولية تعطيل حركة التغيير -- حيث يقول : ( كان تمكن المؤسسة الفقهية العثمانية -- وتمددها فى القرن التاسع عشر من بين اهم العوامل التى ساهمت فى تعطيل حركة التغيير) (ص 37) بل ان الاخ عبدالله البشير يمضى فى تحليله ليحمل الفقه الحنفى العثمانى مسؤولية وصول الجبهة القومية للسلطة عام 1989 واقتبس مرة اخرى قوله على (40) حيث يقول :(فالفقه العثمانى بتغييره لمزاج السودانيين الدينى المحلى -- هو الذى مهد الطريق لحركة الاخوان المسلمين لتصل الى السلطة فى نهاية المطاف) انتهى الاقتباس

ومناقشة لما ورد اعلاه افيد بالاتى

1- لقد تجاوز المجتمع السودانى منذ زمن بعيد الجفاء بين الفقه والتصوف -- وقالوا : لا نقبل فتوى الفقيه الا اذا كان تقيا متصوفا -- وبالمقابل قالوا لا نقبل ارشاد الصوفى الا اذا كان فقيها عالما -- وبناءا على ذلك منذ قديم الزمان ارسل الصوفية ابناءهم للازهر ثم معهد ام درمان العلمى لتعلم الفقه -- -- فالاستاذ عبدالمحمود الحفيان يدعى الاستاذ لانه كان معلما -- بروفسير حسن الفاتح كان عالما -- وخليفة الشيخ ود بدر الان هو الشيخ الطيب الجد العباس قاضى شرعى بالمعاش -- والامثلة مستفيضة -- لذلك لا توجد جفوة بين الفقه السنى والتصوف -- ولكن توجد جفوة بين الجمهوريين وبين الفقهاء وقضاة الشرع -- وكذلك توجد جفوة بين الجمهوريين والتصوف بصورة عامة -- والحقيقة الفكرة الجمهورية لها مواقف متناقضة من الصوفية -- كتاب طريق محمد له موقف مشايه لموقف المهدية من الصوفية -- اذ يقول (لم تعد الطرق الطرق) -- ولكن فى السنين الاخيرة من حياة الاستاذ جرى تعديل (غير معلن -- لان الفكرة الجمهورية لا تعترف بامكانية مراجعة افكارها) فصارت الفكرة تتصالح مع الصوفية وتقبل ترديد مدائحهم -- بل ان الفكرة اعطت مساحة كبيرة للانشاد والذكر -- حتى غلب علي الفكرة الجمهورية الطابع الصوفى

2- ضخم الكتاب كثيرا من دور المذهب الحنفى والمؤسسة الدينية الشرعية والقضاء الشرعى الحنفى التركى الاصل فى مشروع الاسلام السياسى السودانى -- وارجو التنويه الى التفريق بين (الازهر) و (كلية دار العلوم) -- والنتيجة التى اود الوصول اليها هى ان ليس للازهريين والقضاة الشرعيين اى مساهمة تذكر فى فى مشروع الاسلام السياسى (مشروع حسن البنا) سواء فى مصر او السودان بصورة خاصة -- وادعو الى تشريح وتصنيف كوادر الاسلام السياسى السودانى تجد انهم من خريجى جامعة الخرطوم -- بل ان معظمهم من خريجى الكليات العلمية (الطب والهندسة والبيطرة والزراعة ) وخلاصة القول هى ان الكتاب ضخم دور المؤسسة الدينية الحنفية الشرعية فى التغيير من خلال مشروع الاسلام السياسى

3- دور الصوفية فى حمل النميرى على تطبيق الشريعة عام 1983 كان اكبر من دور المؤسسة الدينية الحنفية الشرعية فكلنا نتذكر ان تطبيق الشريعة قد ارتبط ببقع التصوف (ام ضوا بان ) وود حسونة والهلالية -- ونتذكر ان القصر الجمهورى كان مليئا بمشائخ التصوف وليس رجال القضاء الشرعى الحنفى -- والاشخاص الذين قاموا بتقنين الشريعة هم ابناء الصوفية النيل ابوقرون وعوض الجيد محمد احمد والقاضى المهلاوى الذى حاكم الجمهوريين (صوفى) ود (الكاشفى ) نفسه صوفى

4- اذا كان المقصود ( بتعطيل حركة التغيير) هو ا الدور السلبى الذى لعبه د الامين داود والجامعة الاسلامية واساتذتها الازهريين والقضاء الشرعى فى هزيمة الفكرة الجمهورية وتصفيتها جسديا وفكريا فها الامر غير دقيق و ينطوى على اسقاط واضح افصله فى الاتى :


أ - الفكرة الجمهرورية لم تنتصر ولم يتقبلها الشارع السودانى لعيوب فى الفكرة نفسها وليس لقوة الامين داود او المؤسسة الدينية ممثلة فى القضاء الشرعى او الجامعة الاسلامية -- واكبر دليل على ذلك هو اننا طرحنا الفكرة الجمهورية فى جامعة الخرطوم حيث لا تاثير للازهر او الجامعة الاسلامية او القضاء الشرعى -- وقد استمعت الجامعة للفكرة فى اركان النقاش -- ولم يكن العيب فى دالى او القراى او بتول مختار او اسماء محمود -- وكل الكوكبة العظيمة التى طرحت الفكرة فى الجامعة -- ولكن العيب كان فى الفكرة (ورسولها الاستاذ محمود) وليس فى الشباب الذى حمل الفكرة


ب- نعم الخلل كان فى الفكرة لان فكرة (الرسالة الثانية) كانت عراك فى غير معترك -- فالقضايا التى طرحتها الرسالة الثانية (مثل قضايا المراة المتمثلة فى تعدد الزوجات -- الطلاق -- والمهر) -- الخ هذه القضايا التى عالجها كتاب مشروع خطوة نحو الزواج فى الاسلام كلها قضايا عالجها الققه الحنفى (الرسالة الاولى) بمنتهى الكفاءة الامر الذى يعنى اننا لسنا بحاجة اصلا الى رسالة ثانية
القراءة الواقعية تقول ان الشارع السودانى لم يقبل من الفكرة الجمهورية (كدين) الا كتاب خطوة نحو الزواج فى الاسلام والامور المقتبسة من الفقه الحنفى


ج-لم ترفض الجامعة او الشارع السودانى الفكرة الجمهورية لان القضاء الشرعى حكم بردة الاستاذ محمود -- وانما رفضت الجامعة الفكرة لانه ثبت لديها ان الاستاذ لا يصلى الصلاة ذات الحركات باوقاتها الخمسة المعوفة -- اكثر من ذلك فان الفكرة الجمهورية كانت تفتقر الى المرونة والمقدرة على مراجعة افكارها واعادة النظر فيها وتصحيحها بحجة ان الاستاذ محفوظ او معصوم


د- ان الفكرة الجمهورية تمت تصفيتها بواسطة النميرى الذى ظللنا نؤيده من اول يوم جاء فيه على ظهر دبابة -- وقلنا انه منقذ السودان من الدستور الاسلامى والرسالة الاولى -- وقلنا ان حكمه هو افضل العهود الوطنية -- فاذا بالنميرى ينقلب علينا ويصفينا جسديا -- لقد اعنا الظالم المستبد النميرى فانقلب علينا -- فالنميرى ليس خريج المدرسة الدينية الحنفية وخلاصة القول هى ليس الفقه الحنفى هو الذى عطل التغيير الذى يعنى لدى الكتاب انتصار الفكرة الجمهورية -- وانما لم تنتصر الفكرة الجمهورية لعيوب ذاتية فى الفكرة وفى رسولها -- لكن كثير من الجمهوريين لا يعترفون بهذه الحقائق -- بل لا يعترفون بان النميرى اعدم الاستاذ -- بل لا يعترفون بموت الاستاذ -- وهذه امور لا تمت الى العقلانية بصلة

5- ا المذهب الحنفى يمثل المدرسة العقلانية فى الاسلام -- وهو الذى انتج المدرسة الاعتزالية العقلانية التى (تقدم العقل على النص) وتقول : اذا خالف النص العقل فاننا نطبق العقل وذلك لان العقل يقين فى حين ان النص ظنى -- لذلك اذا تعارض النص مع العقل فاننا نطبق العقل ونؤول النص) وقد انتجت هذه المدرسة كل الفلسفة الاسلامية -- والامام الشاطبى فى الاندلس حين توصل الى نظرية المقاصد التى تقوم على (الحكمة وراء النص) اى (روح القانون او النص) فقد اخرج الشاطبى نظرية المقاصد تحت لافتة الموافقات بين المذهب المالكى والحنفى -- وقد استندت مدرسة المنار المستنيرة (الافغانى -- محمد عبدة -- رشيد رضا ) على نظرية المقاصد -- وهى نظرية تغنى تماما عن الرسالة الثانية وعملية اكثر من الرسالة الثانية لانها تحقق -- و توصل الى التطوير والتجديد دون ان تصادم عقول وعقائد رجل الشارع -- و ليس على مستوى السودان فحسب وانما على مستوى العالم الاسلامى كله

6- لقد قامت علمانية اتاتورك على ارضية المذهب الحنفى فى تركيا -- ثم قام المشروع الاسلامى التركى المستنير (اسلام اردوغان ) على ارضية المذهب الحنفى -- فكيف انتج المذهب الحنفى اسلاما مستنيرا فى تركيا واخر ظلامى فى السودان؟ الحقيقة ان الاسلام السياسى فى السودان استند الى خلفية حنبلية مصدرها شراكة الاخوان المسلمين مع السلفيين فى جبهة الميثاق الاسلامى -- وكذلك مصدرها جيوش الاخوان المسلمين الذين احتضنتهم السعودية (الحنبلية بامر من امريكا ايام شهر العسل بينهما بسبب تحالفهما ضد الشيوعية

7- لماذا لم يحكم الاخوان المسلمون فى مصر بلد منشا الاخوان ومصدر المذهب الحنفى؟

نخلص من كل ما تقدم الى ان الكتاب قد تحامل كثيرا على المذهب الفقهى الحنفى وحمله ما لا يطيق -- ووضع علاقة لا اساس لها بين المذهب الحنفى ومشروع الاسلام السياسى الفاشل فى السودان -- فى حين ان المذهب الحنفى برئ من مشروع الاخوان المسلمين الفاشل فى السودان وبرئ ايضا من دم الاستاذ محمود -- فالذى قتل الاستاذ محمود هو النميرى الذى كان تحت تاثير الصوفية ابان فترة اللوثة التى اعدم فيها الاستاذ


افتى ابوحنيفه قبل 1400 سنة بجواز الصلاة بترجمة القران -- ورفضت الفكرة الجمهورية ذلك

اعظم فائدة قدمها الاتراك للسودان هى ادخال المذهب الحنفى كمصدر للقضاء والفتوى

الفقه الحنفى اذا ما قورن بالفكرة الجمهورية يعتبر متقدم عليها -- لانه فقه الدولة التركية التى غزت اوروبا ووصلت البوسنة وعلى اعتاب فينا -- وقد نشا منذ الاساس على الخلفية الحضارية للدولة الفارسية -- واضرب لذلك مثلا واحدا -- اذكر فى ركن نقاش بالجامعة جاء طالب قانون يدعى جيرمايا ازايا الى ركن الجمهريين وسال دالى قائلا له : يا دالى وفى دين الجمهوريين هل تسمحوا لى اصلى واقرا القرءان فى الصلاة بلغة الباريا التى هى لغة امى؟ قال له دالى( لا) -- فقال جيرمايا لدالى ( هذا ليس دين الله -- هذا دين عرب) -- وتجدر الاشارة الى ان الامام الاكبر ابوحنيفة النعمان قد افتى بجواز الصلاة بترجمة معانى القران -- وشاهدنا ان الفقه الحنفى قادر على حل مشاكل المسلمين دون الدخول فى تعقيدات (الرسالة الثانية) بل لديه المرونة حتى للاجتهاد فيما فيه نص -- وهذه مرحلة لم تصلها الفكرة الجمهورية -- لان الرسالة الثانية هى انتقال من نص خدم غرضه حتى استنفده -- الى نص اخر مدخر فى القران -- وخلاصة القول هى ان اعظم خدمة قدمها الاترال للسودان -- اضافة الى انهم شكلوا خريطة السودان حتى عام 1956 -- وادخلوا نظم الادارة الحديثة -- هى انهم ادخلوا الفقه الحنفى المتحضر كمصدر للقضاء والفتوى فى السودان

ابوبكر القاضى
الدوحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.