عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    رئيس مجلس السيادة القائد العام والرئيس التركي يجريان مباحثات مشتركة بشأن دعم وتعزيز علاقات التعاون المشترك    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دكتور دالي: المتبتل في محراب الفكرة الجمهورية .... بقلم: صلاح شعيب
نشر في سودانيل يوم 30 - 04 - 2010

قليلون هم الذين تميزوا بالثقة، والوضوح، في إبانة تصوراتهم الثقافية، والمجاهرة بها مهما كان ثمن رفضها. ودكتور دالي واحد من هذه القلة.. فهو محاور ذكي من الدرجة الأولى. وظل طوال السنين يكتسب خبرة مميزة في إثارة هذا الجدل السياسي، والفكري، والديني، والذي به يبسط أفكاره، وتصوراته المتعمقة. لا يتحذلق في رؤاه مثل كثير من المثقفين، وإنما يطرحها بلغة بسيطة مشحونة بالآيات القرآنية، والأحاديث، والأمثال، ومعارفه العلمية. ولعله نمى هذه القدرات الحوارية الثرة منذ وقت مبكر يؤرخ له بالنصف الأول من السبعينات. فأحمد المصطفى دالي يعود الفضل إليه، بجانب عدد من الطلاب الجمهوريين، والإسلاميين، واليساريين، في تنمية ثقافة الجدل الفكري الحر بجامعة الخرطوم.
ومن خلال تلك المجادلات كان يتوفر الطلاب آنئذ على معلومات خصبة للمختلفين فكريا، ويشاهدون أحيانا عراكا بالأيدي بين هؤلاء المتخاصمين. ومرات تكون آثار الدماء التي تبلل الوجوه، والملابس، بادية للعيان. ولم يسلم دالي من التعرض للضرب، في مرات كثيرة، من قبل الذين يرون فيه، وكذا أستاذه، وكل الجماعة، مارقين عن الدين يستوجب الجهاد ضدهم، بداية بالكلمة العنيفة، والمسيئة، وإن لم يكفوا فبالسيخ، والمطواة أيضا. ومع ذلك لا يني دالي من تخصيب دورة الجدل مع ألد خصومه كل يوم، حيث يأتي إلى (قهوة النشاط) وقد تجاوز آلامه، وضمد جروحه، وحركته مهمته الرسالية في نشر الأفكار التي تستند على موروث استاذه الشهيد محمود محمد طه، والذي يرى في إجتهاداته الفكرية الخلاص الأتم للواقع الأليم المضروب على واقع المسلمين عامة.
ويعطينا د. أحمد أبو شوك صورة بانورامية عن تلك الأيام فيقول "يبدأ اليوم في قهوة النشاط بقراءة الصحف الحائطية، وأذكر منها آخر لحظة، صحيفة الاتجاه الإسلامي، وصباح الخير صحيفة الجبهة الديمقراطية، والكفاح صحيفة جبهة كفاح الطلبة، ومن صحف أصحاب الامتياز الصحافي أذكر صحيفة "أشواك السيال" للأستاذ محمد طه محمد أحمد، والأستاذ "عادل الباز" كان أيضاً له صحيفة متميزة في ذلك العهد. وبحلول منتصف النهار تبدأ أركان النقاش التي كان يؤمها عدد من طلاب الجامعة والزائرين من الخارج، وأشهرها أركان الأخوة الجمهوريين التي استطاعت أن تؤسس منهجهاً فكرياً متفرداً في النقاش بقيادة أساطينها، الأساتذة أحمد المصطفى دالي، وعمر القراي، وأسماء محمود محمد طه، وكان يقف في مناصبتهم الحجة بالحجة الأخوة محمد طه محمد أحمد، وطبيب الأسنان عبد السميع حيدر الذي جمد عاماً كاملاً بكلية طب الأسنان لقراءة الفكر الجمهوري الرد عليه، ودفع الله بخيت. أما الجبهة الديمقراطية فكانت تمثل أحد الأعمدة الثلاثة في أركان النقاش بالجامعة، ومن نشطائها في هذا المجال الأستاذ الحاج وراق، والباشمهندس مأمون سيدأحمد، والأستاذ نزار أحمد، والأستاذة ماجدولين عبد الرحمن. وفوق هذا وذاك يجب أن لا أنسى إسهامات الأستاذ صديق أبو ضفيرة صاحب الرقم 13"
ويضيف أبو شوك "ربما نختلف في الرأي مع أية مجموعة من تلك المجموعات في طرحها الفكري والسياسي؛ إلا أننا نجمع القول بأنها أسهمت في تنوير العقل الطلابي بكثير من القضايا السياسية والفكرية التي كانت محل خلاف، وجذب، ودفع، حسب المنطلقات الفكرية لكل مجموعة، وآليات عرضها للقضايا الخلافية. وإلى جانب هذه الأركان الفكرية والسياسية كانت توجد بعض أركان النقاش الهازلة العابثة، التي كانت يعقدها بعض الذين رفتوا من الجامعة لأسباب أكاديمية أو صحية، وأذكر منها ركن الأخ بابكر كهربا الذي كان يتحدث دائماً عن الكهرومغناطيسية والنظريات المصاحبة لها، ويصف الحمار بالغباء لأنه يقع في خط موازٍ للمجال المغنطيسي للأرض"
وبرغم أن دالي، حين يسترجع تلك اللحظات، لا يبدو مغبونا من الذين تكالبوا عليه باللكمات التي قللت سمع أذنه اليمني حتى الآن، إلا أنه لا يزال يرى أن بغيته هي محاورة حتى من يبيتون النية للتخلص منه كما تخلصوا من أستاذه بتلك الصورة المشينة التي جعلته ينقطع لمدى عقدين من الزمان ونيفا عن المشهد السياسي، ولم يعد للإنشغال بالحوار حول الهموم العامة إلا في الثلاثة أعوام الأخيرة. ربما أحس بألم الفقد لمؤسس الفكرة الجمهورية، وربما رأى تخاذلا من أكابر المثقفين أمام مذبحة الفكر التي أنشأها الرئيس الراحل. ولكنه، حتى الآن، لم يكشف عن أسباب موضوعية لصمته الطويل. فهو أحيانا يلتف على الأسباب الجوهرية ويقول بأن الجمهوريين أحسوا بثقل المهمة بعد وفاة أستاذهم، وتفرقوا أيدي سبأ، منهم من إعتزل الحياة العامة. ومنهم من هاجر إلى بلاد الله البعيدة. بيد أن الشئ الذي يتبدى في أحاديث دالي الغبن الأكيد من عدم تحرك المقتدرين من المثقفين، وربما الشارع، على مواجهة الجلادين الذين حققوا أمنيتهم بأن أعدموا الشيخ السبعيني، ومن ثم إستشرى الطوفان، أو الهوس الديني الذي تم التحذير منه.
ويحدثنا دالي أن تلك الفترة التي قضاها زاهدا عن مواصلة حواراته "كانت بمثابة إنكفاءة على الداخل ترددا من التجرؤ لتمثل نموذج الأستاذ محمود.. وإلى الآن تجدني أتردد للدعوة لهذه الفكرة العظيمة، خصوصا وأنها تتطلب تجردا تاما من أهواء النفس"
د. أسامة عثمان، الكاتب المقيم بالولايات المتحدة، قال عن ركن دالي إنه "كان يقيمه يوميا للنقاش على مدى ساعتين، يبدأه بطرح قضية ثم يفتح الباب للنقاش والإجابة على الأسئلة. ويؤم الركن الكثير من الطلاب بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية وتقارع فيه الحجة بالحجة وينفض الركن عند الساعة الواحدة ظهرا ليعاود الانعقاد في اليوم التالي. ولقد كان منبرا للجمهوريين لشرح فكرهم من ناحية عامة ولكن أهميته كانت في كشفه للفكر السلفي وخطر الهوس الديني والفهم التقليدي للدين. ولقد كان فهم الجمهوريين المتعق الشريعة وأحكامها والفكر الإسلامي وقضاياه مصدر معرفة وتنوير للكثير من الطلاب. وكانت تلك المعرفة مصدر تحدٍ كبير للإسلام التقليدي المتمثل في السلفية والأخوان المسلمين والطائفية. ولقد تعلم الكثير من الطلاب أدب النقاش ودفع الحجة بالحجة من الركن الذي كان يقيمه دالي ويحل محله فيه أحيانا عمر القراي. وصارت جميع التنظيمات السياسية تلجأ لهذه الوسيلة للتواصل مع الطلاب بديلا عن الندوات ذات المكروفونات والخطب العصماء! بل حتى "أنصار السنة" الذين لم يكن له وجود في الجامعات وأماكن الوعي عموما صاروا يقيمون أركانا للنقاش في الأسواق والساحات العامة لأنهم أيضا لم يكن مسموح لهم بالحديث في عامة المساجد لأن المتدين السوداني التقليدي ينفر ممن يصعد المنبر ليشتم الأولياء والصالحين"
دالي في حديثه للمحرر قال إنه من ذرية هؤلاء الأولياء. فهو قد نشأ في بيئة صوفية بقرية الحديبة، بشرق النيل الأزرق، وجده مدفون بسندة الشيخ شرف الدين في الطريق نحو عطبرة، وصاحب السندة نفسه هو الجد المؤسس.
ولد أحمد المصطفى دالي عام 1951 بالحديبة. وقضى الإبتدائية بمدرسة الحديبة الإبتدائية، ثم الوسطى برفاعة، والثانوية أيضا برفاعة الثانوية. دخل جامعة الخرطوم في عام 1969 وتخرج في كلية العلوم عام 1975. أما دراساته العليا فكانت بالولايات المتحدة، حيث تحصل على ماجستير العلاقات الدولية بجامعة أوهايو عام 1993 ثم نال شهادة الدكتوراة عن مناهج وطرق التدريس بالجامعة نفسها عام 1997.
ولما كان قد إنتمى في بدء حياته إلى تنظيم الأخوان المسلمين فقد ظل د. دالي يكثر من التساؤلات داخل التنظيم عن العديد من الأفكار، والمقولات، التي تتعلق بالجماعة، وكيفية بعث الدين. وما لبث أن إستقال عن التنظيم، وصار فيما بعد واحدا من أكثر الناقدين للتنظيم وسدنته. وعلى الناحية الأخرى قابله الإسلاميون بمواجهات عاصفة في ركن النقاش الذي كان يقيمه.
ويقول دالي عن أسباب تخليه عن تنظيم الأخوان المسلمين إنه لم يجد "لا الفكرة، ولا السلوك القويم لدى قادته وعضويته.. كان إنتقالي للفكرة الجمهورية فتحا كبيرا في حياتي. فهي من ناحية تملك حلا لمشكلة الإنسان الفردية، والعامة، وتلزمه بتحقيق ذاته على معان مستنيرة، وهادية، إلى السراط المستقيم. وجدت عند الإسلاميين تجمعا ليس لديه عمق الدعوة، أو صلاحها. ويمكنك بشخصك أن تكتشف هذا في تصريحات صلاح قوش التي سبقت الإنتخابات، حيث قال إنهم مستعدون لأن ينضم إليهم الذي يأتي ب(مصلاته أو قزازته).. أيضا يمكنك الرجوع إلى ما قاله الدكتور بهاء الدين حنفي من رأي متضمن في كتاب الدكتور عبد الرحيم محيي الدين. قال حنفي إن تنظيم الإتجاه الإسلامي ليس به فكرة.. كل هذه الاشياء التي إكتشفتها منذ زمن باكر جعلتني أترك تنظيم الأخوان المسلمين لأجد ضالتي في الفكر الجمهوري. وأرى أنه ليس لدى الدين الإسلامي ليس فرصة ليعود إلى مجده إلا بمعرفة الناس لمضامين الرسالة الثانية، والتي هي جوهر هذا الفكر"
الجمهوريون لا يخفون إمتعاضهم من توتر العلاقة بينهم وأندادهم الإسلاميين. فقد ظل الهجوم المتبادلة سمة في تاريخ هذه العلاقة. ومن شواهد ذلك قول الأستاذ عبدالله عثمان، وهو من قيادات الجمهوريين بالولايات المتحدة عن الإسلاميين بأن تاريخ الإسلاميين فى العنف بالخصوم (من ما لا يقع تحت حصر!! وكيف يقع تحت حصر، وهم قوم تربيتهم لأبنائهم "فليعد للدين مجده أو ترق فيه الدماء"!! والمجد عندهم أن تجاهد مثلا "رقصة العجكو" فى قاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم وترق دماء الأبرياء أو أن تحرق معرض الفكر الجمهورى بنادى الخريجين بود مدنى، وغير ذلك كثير مثل حادثة اغتيال الفنان خوجلى عثمان، وضرب الأستاذ محمود محمد طه فى محاضرة عامة بالأبيض، وضرب وزيرهم الحالى ومفوضهم لمحادثات "السلام" دكتور مطرف صديق "النميرى" للدكتور أحمد المصطفى دالى فى مقهى النشاط بجامعة الخرطوم، وضرب الدكتور أحمد قاسم ورفاقه للدكتور صلاح موسى محمد عثمان بداخليات حسيب بجامعة الخرطوم، وضرب تلاميذ الأستاذ محمود فى مساجد كوستى الخ الخ، وهذه كلها، وغيرها، حوادث مسجلة فى أقسام البوليس وفى ذاكرة الشعوب!! فكلها شواهد تدل على ضيق الاسلاميين بالآخر، وسعيهم لتصفيته أو اقصائه بأى وسيلة مهما تدنت).
مهما يكن من أمر فإن دالي يرى أن عنف الإسلاميين لا يتجرأ لمواجهة (الأنصار مثلا) والسبب في ذلك يقول إن هذه الجماعات "لديها حرابها المسنونة المشرعة.. ونحن لا نعتمد على العنف وليس هناك شئ يحملنا على حمل السلاح ما دام أن دعوتنا بالحسنى، وظللنا لا نخشى في الحق من لوم لائم، ولا نخاف أن نستشهد في سبيل الله" ويشير دالي أن الاستاذ محمود محمد طه تعرض هو نفسه لعنف المهوسيين قبل إعدامه وأن أحدهم ضربه في رأسه بمدينة الأبيض وسبب جرحا غائرا في رأسه.. هل تصق أنه تم خياطة جرحه دون بنج ولم يتزحزح قيد أنملة..وأذكر أن أحدهم رفع دعوى قضائية ضده وكان لا يتوقف من مهاجمته وهو الأمين داؤود، وبينما كنا نتدارس يوما في منزله همس واحد من الذين إنضموا إلينا في أذن الأستاذ أن السيد داؤود قد رحل عن دنيانا، وما كان من الاستاذ محمود إلا وأن أوقف الدرس وطلب منا أن نقرأ سورة الإخلاص (11) مرة وبإخلاص على روح الأمين داؤود، وأردف بقوله إن المرحوم الآن بين مليك مقتدر وهو أحوج ما يكون إلينا اليوم".
وهكذا يحدثك دالي بفخر دائم عن أستاذه الذي تزوج أبنته الصغرى سمية فيما تزوج الكبرى د. النور حمد، وهو أيضا أحد أقطاب حركة الفكر الجمهوري، ولدالي وزوجه إبنتين في المرحلة الجامعية. والحقيقة أن دالي كان من أكثر المقربين للشهيد محمود محمد طه، فقد قال للمحرر أنه لم يعمل إلا بجانب الاستاذ محمود محمد طه. ولم يذكر بعد تخرجه من الجامعة تجربة عمل له في القطاع العام أو الخاص. ويقول إنه وهب ذاته لنشر الفكر و "كنا نواصل النهار بالليل في دعوتنا. تجدنا نذهب في فيافي السودان البعيدة حاملين كتب الفكري الجمهورية.. لم تكن هناك بقعة في السودان لم نصل إليها في الإجازات..كنا وقتها نحذر الناس من خطر الهوس الديني بينما بعض السياسيين يقولون لنا دعونا نبحث أزمة الأكل والشراب التي تواجه الشعب السوداني..والأنكي أن اساتذتنا بجامعة الخرطوم كانوا لا يعيرون ما نقول إهتماما.. وكان هم بعضهم البحث عن الإمتيازات".
الدكتور دالي، والذي عرف بتواضعه المتناهي، وحلو معشره، لا يزال مفضلا البقاء في الولايات المتحدة. فهو بعد حصوله على شهادة الدكتوراة قصد بعض الدول الخليجية. ولكن لم يرق له العيش هناك فقفل عائدا حيث يقيم الآن بولاية فرجينيا، والتي فيها أسس منتدى شهريا يعني بمناقشة القضايا السودانية، وبعض المواضيع الدينية. ويعم هذا المنتدى حضور كبير يشارك دالي الحوار، إختلافا، وإتفاقا، وتحفظا، على بعض النتائج التي يتوصل إليها في مقدمته التي تبدأ في تمام السادسة مساء، وغالبا ما تستغرق نصف الساعة ثم ينهمر بعدها سيل الأسئلة، والمداخلات، الذي يعمق الجدل، وما أن تأتي العاشرة إلا ويكون المنتدى قد ختم أعماله، وبعدها ترى دالي محاطا بالحضور الذي يلاحقه بالمزيد من الشروحات لما قال.
المحلل الصحافي علاء الدين بشير ينقل لنا بقلمه بعض ما جاء من آراء في واحدة من منتديات المتبتل في محراب الفكرة الجمهورية فيقول " أشار د. دالي أن تقارير الشفافية العالمية وضعت السودان بين الدول الاكثر فسادا فضلا عن تقارير المراجع العام الحكومى نفسه عن معدلات الاعتداء على المال العام فى كل عام، والتقارير الدولية التى ترصد مؤشرات الازدهار وحصول السودان فى كل ذلك على مراتب دنيا تجعله تاليا لبلد مثل الصومال، حيث لا توجد فيه دولة. واكد دالى ان السودان بلغ هذا الحضيض لأنه ايضا لا توجد فيه دولة وإنما مافيا سيطرت على إمكانيات القطر، مستعرضا بعضا من ما وصفه بأنه سلوك يتقاطع مع اخلاقيات و سلوك رجال الدولة"
يظل د. أحمد المصطفى دالي من ظواهر السودان الثقافية التي لا يمكن نكران تأثيرها أو طرقها على بنية التفكيرين السياسي والديني لأجيال، وأجيال. فرحلته التي بدأت في بواكير السبعينات لا تزال تحاول إستشراف التجديد المتواصل في طريقة عرض الأفكار في بلد يتلمس بنوه بداية الطريق الممهدة لتجسير ثقافة التسامح الديني، والثقافي، والسياسي. لدى دالي الحلم الثمين بتحقيق المعاني العرفانية، والحقوق الدينية، في بيئة متوترة بإمتياز. ولكن ليس هناك شئ منع مارتن لوثر كينق من إدراك الحقوق. وإذ يكاد المحرر ينبس بخفوت الأمل، فإن دالي يرد بذكاء ويقول إن للاستاذ نبؤات تحققت ويختم مؤانسته اللطيفة بترديد الآية الكريمة " "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" ".
نقلا عن الحقيقة
salah shuaib [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.