لأول العهد بما سُمّي (مبادرة نهر النيل) ،مهما كان محتوى وهدف تلك المبادرة، ثار السؤال ملحاً عن الفكرة التي يمكن أن يتضمنها ذلك الحراك. وماهية تلك الفكرة التي يمكن أن يجتمع ويلتف حولها رهط من الإسلاميين بالولاية الشمالية على أمل أن تنداح الدائرة لتشمل مناطق أخرى وأقاليم؟ وإذ تردد أصحاب الشأن بين الدعوة لتوحيد (الصف الإسلامي) وبين العمل على إصلاح نظام الحكم القائم، فإن الفكرة المركزية التي بدى أنها تسيطر على ذهنية القوم هناك –لدى أصحاب النوايا الحسنة على الأقل- هي ضرورة العمل على شئ يحفظ بيضة الحركة الإسلامية أو نظام الحكم الإنقاذي المنتسب إليها في وجه إي تغييرات سياسية أو إنتفاضات شعبية قد تهب على السودان في أي وقت وحين. وإذ ظلت ولاية نهر النيل بعيدة عن المناطق المتأزمة بالحروبات والتوترات، لا يصل إليها دوي المدافع وأزيز قصف الطائرات، ولم تشهد القرى المحروقة ولا أحست بمعاناة جيوش النازحين واللاجئين الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت، فقد غاب –كذلك- عن رجالاتها من الإسلامويين أي إحساس بالفجيعة أو المرارة جراء تلك الفظائع وبدى سائغاً ميسوراً لهم الجلوس والتلاقي والإجتماع والوحدة مع ذات الحزب والنظام اللذان تقع عليهما مسئولية تبديد البلاد وتمزيقها وزرع الفتنة بين أبنائها وأعتماد سياسات الأرض المحروقة بإقليم دارفور مهما غشيت النظام التهم الجنائية تطلب المحاكم الدولية رؤوساً بارزة منه. وإذ جرت العادة بالحزب الحكومي أن تحتقن بعضويته الضغائن والغبائن عقب كل موسم سياسي يخرج منه نفر من عضوية الحزب بلا مغانم من سلطة وثروة وحقائب وزارية أو تحجب عنهم ثقة الترشح عبر دوائر الإنتخابات فيعبرون عن سخطهم باللجوء إلى قبائلهم ومناطقهم معلنين إستقلاليتهم يرجون دورة جديدة من دورات الجلوس إلى مقاعد السلطة، وإذ تراكم قدر وفير من الإحباط لدى عضوية الحزب الحكومي تلك التي تستشعر التهميش بنهر النيل. فقد وافتهم عند منتصف الطريق هذه المرة مجموعة أخرى لا تقل عنهم إحباطاً ويأساً من عضوية ذات الإقليم من حزب المؤتمر الشعبي فتلاقى القوم تلاقي المصابين ليعلنوا عن مبادرتهم التي يرجون أن تعيد إليهم الأرض التي فقدوها والبساط الذي انسحب من تحت أرجلهم، سوى أن إحباط المجموعة المنتسبة للمؤتمر الشعبي يعود لأسباب وعوامل أسهم بقدر وافر في إذكاء فتيلها وإشعال أوارها ذات الحزب الحكومي الذي ظل يعيّر القوم من الشماليين بالشعبي أن حزبهم أصبح تسيطر عليهم مجموعات عرقية بعينها ينسبونها إلى الأقاليم والجهات غرباً وجنوباً. وإذ استشعر هؤلاء بضعف الوازع الديني قلةً وضموراً بالمواقع التنظيمية فقد تهيأت لهم الفرصة مواتية أن يعيدوا أمجادهم التنظيمية وغلبتهم وهيمنتهم على التنظيم الإسلامي من خلال التلاقي وجمع صفهم إلى إخوان الأمس الذين أسلموهم لغلبة ذلك المد الذي اجتاحهم طاغياً من الأقاليم المتباعدة نحو الأطراف، هكذا انساقت مجموعة المؤتمر الشعبي خلف سراب الأمنيات إلى أن يتعبأوا صفاً مع فريق السلطة المستبدة مهما لوّثتهم تجربة الحكم المستبد المتفرعن الباغي فيقفون صفاً عروبياً محضاً في وجه الزنجية الأفريقانية التي يتوهمونها عدواً لهم. وإذ ظلت تلك الأحاسيس خبيئة يستسر بها القوم من هنا ويجهر بها الحكوميون من هناك، فقد سفرت بغيضة منتنة خلال مداخلة لأحد الضالعين في المبادرة النيلية في معرض رده على أحد الإخوان، إذ سرعان ما عرج الرجل إلى قبيلته وأوى إلى جهته وطفح حديثاً عنصرياً بغيضاً لا يشط به النوى عن صف الإسلاميين فحسب وإنما يمضي به شوطاً أبعد نحو حقيقة الإدراك الحق لذات جوهر الدين الحنيف ضلالاً يخالط قلبه جاهلية وعصبية لا يردعها التوجيه النبوي الحنيف "دعوها فإنها منتنة" وإذ يعجب الإنسان من شخص يدعي نسبة خاصة للإسلام وقومةً لجمع صف ورتق فتق بين الإسلاميين ثم يسقط ذلك السقوط ويهوي إلى دركات الفجور في الخصومة.! فإن العجب يكون مضاعفاً لذات الحركة الإسلامية التي طالما سارت تتيه على الناس بتميز عناصرها وتفوقهم في المجالات كافة حتى أنتهى بها المطاف أن يسعى لرتق فتقها وجمع صفها السوَقةُ والعنصريون الذين لا يحسنون القول ولا يجيدون الخطاب وهم إلى أن يفرقوا بين الناس أقرب. ونواصل حميد أحمد [[email protected]]