مشكلتنا في السودان اننا لا نريد ان نسمع الحقيقة . بابكر بدري كتب تاريخ حياته في اخر عمره . و قام بتسليم ما كتب الى تلميذه في رفاعة محمد شبيكة ناظر مدرسة النهضة في امدرمان . و تلميذه في رفاعة كذلك و زوج ابنته و عميد مدراس بيت الامانة الاولية و الوسطى و الثانوية عبيد عبد النور . و لكن لم تنشر كل الاشياء . و لكن الدكتور بابكر علي بدري أورد بعض الاشياء في الجزء الأول عند اعادة طبعة , لم تورد في طبعة الخمسينات . في سنة 1910 م قام ارتين باشا , الذي كان مسئولاً عن التعليم في السودان (أرمني ) بمقابلة بابكر بدري و أعجب بألمامه بكل التفاصيل بأحداث السودان . فطلب من بابكر بدري ان يكتب تاريخ السودان . فقام بابكر بدري بكتابة عدة كراسات ضخمة , كل كراس اربعة و ستين صفحة . فسمع بالموضوع الشيخ ود البدوي صاحب القبة في حي السردارية بامدرمان , على مرمى حجر من قبة المهدي . فطلب الكراسات , و طلب من بابكر بدري ان يرجع بعد فترة . و عندما رجع بابكر بدري وجد ان الشيخ ود البدوي قد أشعل ناراً و بدأ في تمزيق الكراسات و حرقها . و بالرغم من غضب بابكر بدري الشديد , لم يكن في استطاعته ان يرد على الشيخ ود البدري , الذي كان محترماً جداً و حتى خليفة المهدي كان يحترمه . و بالرغم من أن خليفة المهدي قد أعدم ثلاثة من رؤساء القضاء , في فترة قصيرة . الا انه أبقى على ود البدوي . و الذي عاش لعمر مديد . و قام بتعليم السيد عبد الرحمن الذي كان يسكن جاره في المنزل الذي أعطاه له سلاطين باشا و ونجت باشا السردار . و كان له مرتب خمسة جنيهات يستلمها السيد عبد الرحمن من السردارية كل شهر . الشيخ ود البدوي كان يقول لي بابكر بدري ( انت ما عارف اخلاق السودانيين , السودانيين ما عاوزين يسمعوا النصيحة , لو الكلام دا طلع حا يقتلوك ) . بعد عشرات السنين و عندما كتب مكي شبيكة أول بروفسيور سوداني , كتابه عن تاريخ السودان ( السودان عبر القرون ) . و هذا كتاب علمي بالوثائق , انتظره الانصار بالرغم من انه انصاري ابن انصار و اعتدوا عليه بالضرب المبرح . الى ان حسبوه ميتاً . و أتى والده الذي كان تاجراً في الكاملين غاضباً . و ذهب الى السيد عبد الرحمن في السرايا . و احتج على خيابة الاولاد الذين لم يقضوا على ابنه . و رجع غاضباً الى الكاملين بدون أن يزور ابنه في المستشفى . الاخت الاستاذة تراجي مصطفى في سودانيات تطرقت لدار حزب الامة الحالية , في شارع الموردة امدرمان . و ذكرت أن حزب الامة قد اشترى الدار بدعم من القذافي و ايران . كما كانت هنالك مداخلة و اشارة الى تحقيق قام به الدكتور فرانسيس دينق مع أبن الناظر بابو نمر و ذكر فيها أن هذا المنزل كان منزل جده على الجلة . وأن سلاطين كان يسكن بالقرب منهم في جزء صغير من المنزل . و هذا الكلام غير صحيح . فهنالك لوحة من الرخام في الركن الشمالي الشرقي على الشارع العام , وضعت بواسطة مصلحة الآثار , و تشير الى ان هذا المنزل هو منزل سلاطين باشا . و في الركن المواجه منزل القاضي الشرعي ابراهيم مالك , ابن عم بابكر بدري و زوج ابنته . كنا نجوب هذه المنطقة دائماً . و هي منطقة طفولتنا و صبانا . و لكن بعد أن اشتراها حزب الأمة كان من يقترب من الدار يواجه بنظرات نارية . و كنا نحس بأننا لا ننتمي الى امدرمان . بابكر ابراهيم مالك أول حفيد لبابكر بدري و من أوائل الاطباء السودانيين , و كان متزوجاً من بريطانية في الاربعينات . لم يتحرك و هو شيخ كبير بسرعة , عندما مر موكب السيد و صرع بلكمة و اغمي عليه . و لم يتوقف أي انسان لأسعافه . فهذه الدار حبلى بالمشاكل . لقد اشترى حزب الامه هذا المنزل بسبعة مليون جنيه سوداني , هذا كلام الدلالين في السودان . و هذا في الثمانينات , و لكن ما يهمني هو ما حدث قديماً . عندما سقطت امدرمان سمحت السلطة للناس بالاحتفاظ بمنازلها . و لكن منشآت الحكومة مثل بيت المال و سوق الرقيق و الموردة والمشانق و السجن و مجلس القضاة و السوق و الزرايب و بيت الخليفة و حاشيته و أهله صارت ملك للدولة . و يجب ان نلاحظ انه كان للخليفة اكثر من مئة زوجة . و كان لأبنه شيخ الدين مجموعة من النساء . و الخدم و الحشم . و لهذا امتدت مساكنهم من جنوب قبة المهدي الى بوابة عبد القيوم جنوباً . و كان لكل عشرة نساء قهرمانة . و هي مسئولة عن اكلهم و شربهم و راحتهم و تجهيزهم للخليفة . و لكل قهرمانة احد الخصيان على اقل تقدير . و كان رئيس الخصيان هو عبد القيوم الذي يعرف بالاستاذ . و كان مسئولاً من الداخل و الخارج و يحرس البوابة . و لهذا يضحك اهل امدرمان عندما يوصف الشخص بالاستاذ . و عملية الخصي عرفت منذ ايام الفراعنة . و لقد تخصص فيها رجال الدين الاقباط و كان واحد من كل أربعة من الصبيان يموت في العملية . بعد أن يعالج الجرح بالنطرون و يدفن الصبي لعدة ايام حتى يمنع من الحركة . كان لكل قواد وامراء المهديه مجموعه من النساء. وكان للنور عنقره ( انقاراه ) ، وعرف بانقاراه لاحمرار عينينه تشبيهاً للكركدى 120 امرأه ويسكن فى ابروف . الخليفه ضم اثنين من اسلاب المتمه الى نسائه وهما زينب ونخيل الجنه . كما كان متزوجاً من ام سلمه ابنه المهدى . وعندما كبرت اختها وصارت جميله ، طلق ام سلمه فى الصباح وتزوج شقيقتها فى نفس اليوم . وهذا لا يصح شرعاً لان ام سلمه لم تكمل عدتها . كما كان الشيخ الهميم فى السلطنه الزرقاء متزوجاً من شقيقتين ، وهذا مذكور فى طبقات ود ضيف الله ، وهو جد ود مدنى السنى الذى سميت عليه مدينه ود مدنى . وعندما طالبه الشيخ الخشيم بأن يفسخ زواج احداهن رفض قائلاً له يفسخ جلدك . واصيب الخشيم بمرض جلدى عرف بالخشيم . سلاطين باشا كان ظابطاً نمساوياً من الهوسار . و هؤلاء كانوا احسن جنود في العالم . و لقد استعان بهم الانجليز في حربهم ضد جورج واشنطن . و لكن بعد هزيمة سلاطين في ام ورقة بواسطة مادبو , صار جنوده ينسبون الهزيمة لعدم اسلامه , فأعلن اسلامه . و لكن بعد سقوط الابيض سلم للمهدية على يد نائبه خالد زغل بن عم المهدي . و صار جزءاً من جيش المهدي , و لكن المهدي سلمه للخليفة عبد الله التعايشي لأنه من دارفور . وقد كان رئيس الاركان في جيش الخليفة فيما بعد وفاة المهدي . و كان يشرف على العرضة و تدريبات الجيش . كما كان ملازماً للخليفة . و لقد اعطاه الخليفة خدماً و حشماً و حريماً . احداهن فاطمة البيضاء زوجة الزاكي طمل بعد تعذيبه و قتله في سجن الساير . و الساير كان في الركن الشمالي الشرقي من بيت الخليفة . و هو سجن امدرمان الحالي . و الساير هو اسم المدير . الرحاله الاوربيون مثل إسبيك ، إستانلى او ليفينق إستون او ديشولو ، لم يتطرقوا ابداً للنساء الافريقيات ومن المؤكد ان سنينهم فى افريقيا قد جمعتهم بنساء افريقيات وكأن الزواج او التعامل مع الانثى الافريقيه شئ مخجل . من القلائل اللذين صرحوا باعجابهم للمرأه الافريقيه كان الرحال البريطانى بيرتون الذى كان معجباً بجمال الاثيوبيات والصوماليات . في جنوب مجمع الخليفة كانت دار الامانة , و هي دار الرياضة بأمدرمان الحالية , التى يحتفظ فيها بكل الاسلحة و المعدات الحربية , لتكون في متناول يد الخليفة و الجهادية . و كانت فيها غرفة عالية على ارتفاع سبعة أو ثمانية أمتار في الجزء الشمالي . و هذه لحفظ المعدات الطويلة . منها الرايات التى كان يتحدث بها . و كان يستعملها الظابط فرج الله , في طابية فرج الله التى كانت بالقرب من جامع النيلين الحالي . و عندما كاد جنوده ان يموتوا بالجوع بعد حصار المهدي , طلب فرج الله من غردون أن يسلم عن طريق الرايات . فسمح له غردون . المنزل الحالي لحزب الامة كان بكامله مسكناً لعبد القادر أو سلاطين باشا أو شواطين , كما كان الخليفة يناديه عندما يكون غاضباً منه . و عندما يكون راضياُ عنه يناديه بولدي عبد القادر . و كان له خيل و حمير و اغنام و خدم و عبيد . و كان يسكن في منزل آخر قام بأصلاحه و تجميله , و كانت له حديقة في منزله الاول كعادة الاوربيين . إلا ان الوشايات , و التحذيرات جعلت الخليفة عبد الله يطلب منه الانتقال من منزله , حتى يكون تحت مراقبة الخليفة . فلقد سكن المقدم يوسف ميخائيل و شقيقيه جرجس و مليكه بعيدا في المسالمة . لأن الخليفة كان يثق به و يحبه . و لقد كتب يوسف ميخائيل مذكراته في الثلاثينات , عندما قبض على زوجته فكتوريا بتهمة صناعة الخمر , و أخذ هو العقوبة في سجن الأبيض , و هنالك كتب المذكرات . من الممكن جداً ان علي الجلة قد اخذ المنزل بعد هروب سلاطين . و لكن المنزل قد بناه سلاطين تحت اشرافه و بدعم من ود عدلان الذي كان امين بيت المال . و كانت تربطه صداقة مع سلاطين . كما ربطت سلاطين علاقة صداقة متينة مع علي الجلة و عبد الرحيم ابو ضقل زعيم المسيرية . و كانت تربطه صداقة و احترام مع مادبو . و لقد ارجع لمادبو نحاسه الذي غنمه منه في بعض معاركهم الاولى . و أهداه مادبو خير خيله ( صقر الدجى ) حكومة الحكم الثنائي احتفظت بالاماكن التي كانت مركز الدولة المهدية و وزعتها كمدارس مثل مدرسة بين الامانة الاولية , و مدرسة النهضة الوسطى جنوب دار حزب الامة مباشرة و الاذاعة السودانية الأولى , و كلية المعلمات , و مدرسة الدايات , و مستشفى امدرمان , و اشلاق البوليس , و اسطبلات الخيل , و مدرسة الارسالية الامريكية , و ميز الاطباء , و مدرسة المساعدين الطبيين , و أول كنيسة في امدرمان و هي على مرمى حجر من قبة المهدي , و مساكن الكنيسة , و ملجأ القرش , و الزائرات الصحيات , و مدرسة امدرمان الثانوية للبنات التي كانت مؤسسة ضخمة شمال بوابة عبد القيوم تشمل سكن المدرسات و الاساتذة و الداخلية , و منزل المفتش الذي كان يجاور كلية المعلمات , الخ .. و كان هنالك مكتب التنظيم المحصور بين الكنيسة و ملجأ القرش , حيث يحتفظ بي المجارف و ابو راسين و المعاول و الحصى و الحجر و مواسير الصرف و كل ما تحتاجه المدينة من ادوات . و صار منزل سلاطين مدرسة الرشاد . و بعد (شكلة) بابكر بدري و المفتش برمبل و بسبب طول لسان بابكر بدري و اغتيابه للمفتش كما اعترف في مذكراته ,رفض أن يعطى برمبل الاحفاد قطعة الارض المواجهة لدار حزب الامة اليوم . و هي مدرسة الاحفاد الاولى . بابكر بدري اشتكى المفتش برمبل لمكتب التعليم , و تراجع برمبل و أعطى هذه الارض للأحفاد . و هي ارض الحملة . و الحملة كان يؤخذ اليها الحمير الضالة و الغنم و البهائم . حتى لا تأكل الشجر الذي كان يزرعه برمبل . و يدفع الانسان قرشين للغنماية و خمسة قروش للحمار في اليوم . للأكل زائداً غرامة . و من هنا يأتي الكلام ( تاني تجي الحملة ) . سمعنا و نحن صغار ان آل ابو العلا قد اشتروا المنزل بثلاثة الف جنية و هذا مبلغ كبير وقتها . و نحن في المدرسة الأولية كنا نشاهد العمال و هم يقومون بالتشطيبات الاخيرة . و كنا نعجب بالعمال الذي كان يتعلقون بالسقف عالياً و يركبون السقف الذي كان غريباً , و بعض العمال كان من المصريين . المنزل كلف ستين ألف جنياً وقتها . و هذا مبلغ خرافي في ذلك الزمن . و لقد أكتمل المنزل في سنة 1953 . و هذا نفس الزمن الذي اكتمل فيه منزل الصادق المهدي و أحمد المهدي و آل البرير و كثير من الاسر التى اصابت حظاً . و سبب تلك الانتعاشة ان اسعار القطن تضاعفت عدة مرات عالمياً . و صار حي الملازمين ارقى حي في امدرمان . و قديماً كان يمكن ان يشاهد الانسان منزل الصادق المهدي من سوق حي الملازمين , لأن منزل العم خليفة محجوب و آل المغربي و آل ابوالقاسم , و منزل حكيم باشا مستشفى امدرمان الذي صار مكتب الجوازات لم يكونوا قد بنيوا بعد . في ايام الحكومة الانتقالية و مع وفود الاستقلال الوفود العالمية التي كانت تأتي الى السودان , أتى وفد امريكي . و قبل تلك الايام حضر نائب الريئس نكسون عندما كان الريئس ايزنهاور رئيسا لأمريكا , و لم يكن هنالك ما يكفي من الهوتيلات للجميع و امدرمان في الخمسينيات لم تعرف الصرف الصحي . فتنازل آل ابو العلا و نزل في ذلك المنزل الوفد الأمريكي . وربما أحس آل ابو العلا بانهم واصلين وانهم قد اسدوا خدمه للحكومه . وتساهلوا فى معاملتهم للمزارعين . في ذلك المنزل شاهدت سيدة افرنجية و عرفت فيما بعد أنها ذروة سركسيان . و هي طبيبة تخرجت في نفس السنة مع الدكتورة الاخت خالدة زاهر الساداتي أول طبيبة سودانية . و لقد تخرجا من جامعة الخرطوم . ذروة لم تمارس الطب بعد أن تزوجت سعد ابو العلا و ذروة شقيقة تكوة سركسيان أول صحفية و صاحبة مجلة . آل ابو العلا عملوا في شرق السودان و خاصة في سنجة و لكن الفلوس الكثيرة اتت من زراعة القطن , خاصة مشروع جودة . كما بنى آل ابو العلا اكبر عمارة في الخرطوم . و هي عمارة ابو العلا في شارع القصر . و لسؤ الحظ بنى هذا المنزل بعرق ودماء المزارعين في جودة . جودة كانت اكبر مشروع خاص في النيل الابيض , 48 بوصة و يعني 18000 فدان . و هذا يعني الاف المزارعين . و كان عبارة عن اقطاعية كاملة , تحوي بلدة كبيرة بسوق عامر و كثير من القرى و الحلال , و شاحنات و جرارات و رافعات و مضخات عملاقة . و كل هذا كان بتمويل من البنوك المتعطشة الى الاستثمار , لتوفر رأس المال بعد الحرب . لم يقدم آل ابو العلا الحسابات لعدة سنوات . بل كانوا يعطون المزارعين سلفيات . و كانت الغرامة لعدم تقديم الحسابات عبارة عن مئة جنية حسب قانون لائحة سحب مياه النيل . القانون كان مع آل ابو العلا . و عندما منع المزارعون الشاحنات من التحرك بدون دفع حساباتهم , استعان آل ابو العلا بالبوليس . و كان ظابط البوليس السماني من أهل المنطقة . و كان مصحوباً بخمسة من العساكر . احدهم عسكري صغير لم يُقدر أن ابو شاتين مساعد رئيس المزارعين المكادي كان يعرف الظابط الوسيلة , و لم يكن يريد به شراً , بالرغم من غضب ابو شاتين الواضح . فأطلق النار و أردى ابو شاتين , و قتل الظابط و العساكر . فأنتقم الجنود بمذبحة ضخمة . و طورد المزارعون و انتشرت جثثهم بين الاحراش و الشجيرات . و شحن ما يقارب من الثلثمائة شخص و ادخلوا في عنبر . مات أكثر من مائتين منهم بالاختناق بالعنبر . و عندما كانوا يطلبون المساعدة , كان العساكر يشتمونهم .و أحد الذين مد يده طالباً المساعدة طعن بالسنكي . و خلد صلاح احمد ابراهيم هذه الحادثة بقصيدتة الرائعة عشرون دستة من البشر . لا يزال المنزل يذكرنا بتلك المأساة . القانون لم يكن في صالح المزارع . فعندما قبض على صاحب متجر البون مارشيه بتهمة الجاسوسية , اطلق سراحه , لأنه لم يكن قد صدر قانون في عقوبات السودان يتطرق للجاسوسية . البون مارشيه كان متجراً , و أسعار الأحذية و الملابس فيه في غير متناول السودانيين . بل كان السودانيون يصفون أي شئ باهظ الثمن ب ( اصله من البون مارشيه ) . سلاطين هرب من ذلك المنزل بأن اخذ سيفه و قال لنسائه بأنه سيدخل ليتعبد , و أن من تتجرأ على ازعاجه سيقطع رأسها . و كان قد اخبر الاخرين بأنه ( كادي العود ) , و هذا يعني انه سيشرب شربة لكي يتخلص من الامساك أو الألم في بطنه . و لهذا لن يذهب الى الجامع . لأنه كان كما يقال قديماً ( لازم الفروة ) , و هذا يعني ان عليه ان يؤدي كل الأوقات في الجامع تحت نظر الخليفة . و هرب . و رجع لكي يحكم السودان لمدة ستة عشر سنة , و هذا الى سنة 1914 . عندما نشبت الحرب بين موطنه النمسا و انجلترا . و مما تذكر ابنته في النمسا ان والدها كان يحب السودان بشكل جنوني و لقد عاد الى السودان بعد الحرب . سلاطين كان في اتصال بعلي الجلة و عبد الرحيم ابو ضقل عندما حضر لفتح السودان . و الحقيقة أن اغلب أهل السودان كانوا قد كرهوا المهدية . و لقد أندفع حسن النجومي الذي كان قائد سلاح النار في جيش عبد الرحمن النجومي , و هو يرفع علماً ابيضاً . و سلم للجيش الغازي في شمال السودان و قال لقد كرهنا المهدية . عبد الرحيم ابو ضقل زعيم المسيرية هو الذي طارد الخليفة شريف ابن عم المهدي و اعتقله و اعتقل ابناء المهدي و سملهم الى الجيش الغازي . و عبد الرحيم ابو ضقل كان موظفاً في حكومة التركية . و كان مشهوراً بالشجاعة و الحكمة , و هو الذي انقذ الفارين من مذبحة ابو حراز . بعد أن اوقع الانصار مجزرة فظيعة في البلدة . و تعقبوا الفارين نحو الابيض الى أن ساعدهم عبد الرحيم ابو ضقل المعروف بكسار الخيل , لأنه كان يعرف أن الناس تحب خيلها . و كان يطلق النار على الخيل فيتوقف البقية .و هو الذي اوقف المذابح في قوندر عاصمة اثيوبيا القديمة, و أنقذ الرهبان و القسسة من القتل , عندما فتحها الانصار و احرقوا المدينة و اغتصبوا النساء . الانجليز لم يقتلوا ابناء المهدي الفاضل و بشري و الخليفة شريف و البقية في الشكابة . و هذا بعد أكثر من سنة من سقوط امدرمان . بل لقد أعطاهم الانجليز مساكن و مزارع . و لكن السبب في المذبحة هو صالح جبريل والد الشاعر توفيق صالح جبريل . و لقد كان ملازماً للجيش البريطاني و كان من اهم رجال مخابراته و هو الذي زار الشكابة و حذر الجنود السودانيين من اصل غير شمالي , بأنه ما دام الخليفة شريف و أولاد المهدي عايشين , فستعود المهدية و سيعود الاسترقاق و اصطياد العبيد , و حدثت المذبحة بدون تدخل من الانجليز . و المذبحة حدثت بعد ان غادر صالح جبريل الشكابة بفترة بساعات . توفيق صالح جبريل هو المؤسس الأول لجمعية الاتحاد و التي من عبائتها خرج اللواء الابيض . و في حوادث 1924 التي استشهد فيها عبد الفضيل الماظ و شنق سابت و فضل المولى و الآخرون , و حكم على علي البنا بالسجن . هرب سيد فرح المحسي الى مصر . و المجموعة تحركت عندما أكد لهم المصريون بأنهم هم الذين يديرون المدفعية الثقيلة . و أنهم عندما تحرك السودانيين سيدكون المعسكر البريطاني . و عندما لم يتحرك المصريون ذهب لهم سيد فرح سباحةً , و وصلهم و في جسمة رصاصتين . و لكن المصرين قالوا : ( ما جاتناش اوامر ) . و ساعد الظابط سر الختم صالح جبريل في هروب سيد فرح الى مصر , بل لقد تواصل و ذهب له في مصر . و بعد هزيمة سليمان ابن الزبير باشا . هرب رابح فضل الله خيرة قوات الزبير باشا , الى شاد . و هو الذي اعطى انجمينا اسم انجمينا , لم يقتل جسي باشا سليمان الزبير . و لكن ادريس باشا الدنقلاوي و هو جدي لامي و الذي كان يعمل عند الزبير باشا , ثم انفصل منه , هو الذي دبر قتل سليمان ابن الزبير . و هو السبب في الايقاع بين سليمان و جسي باشا . بسبب تنافسهم في تجارة الرقيق . رابح فضل الله فتح وداي و شاد , و هزم و قتل الجنرال لامي , و يطلق اسمه على المدينة فورتلامي . و التي هي انجمينا الحالية . و في سنة 1900 عندما تمكن الفرنسيون بجيش جرار من قتل رابح فضل الله , الذي كانوا يلقبونه بنابليون افريقيا , دفنوه دفناً اسلامياً , و بنوا على قبره مبنىً جميلاً , و وضعوا على رأسه اربعة مدافع في كل الاتجاهات . و لكن جريدة الأهرام قامت بسبه و وصفته بأحد مسببي المشاكل و زعزعة الاستقرار . و الأهرام كانت كل الوقت بوقاً للسلطة . و هذا الموضوع مذكور في كتاب دفع الافتراء للمؤرخ السوداني الاستاذ محمد عبد الرحيم . في نفس الوقت الذي دارت فيه معركة شيكان , كانت معركة التيب في شرق السودان و التي جرح فيها كتشنر جرحاً بليغاً في وجهه و أرسل الى بلده للعلاج . و كسر البجة المعسكر الأنجليزي , و خلد الشاعر اللورد كيبلين بقصيدة يصف فيها البجة بأعظم المحاربين في العالم . بعد معركة التيب وضع القائد الأنجليزي جائزة مالية ضخمة للقبض أو لقتل عثمان دقنة . الا أن لندن طلبت منه بالتلغراف أن يسحب المكآفئة و وصفوها بأنها عمل غير حضاري و غير شريف . الآن بالرغم من اختلافنا مع بن لادن , ندين عملية قتله , و ندين بشدة معاملة جثمانه بطريقة غير كريمة . و لهذا يبقى الامريكان مجموعة من رعاة البقر الحمقى . بغض النظر اذا كان هذا ريغان أو ابن خالتنا اوباما. سيظل الامريكان متخلفين . و سيبقى هنالك فرق بين الحضارة و المدنية . فالمدنية تقاس بالخدمات الاجتماعية الموجودة في المجتمع , و لكن ليس كل مجتمع متمدن مجتمع ذي حضارة . فالمدنية يمكن ان تحدث في عقود قليلة , و لكن الحضارة عملية طويلة جداً . لقد اكرم سلاطين صاحب المنزل الذي هو الآن مركز حزب الامة , اصدقائه الذين وقفوا معه في المهدية . منهم علي الجلة و عبد الرحيم ابو ضقل و آخرون . وصاروا نظاراً في قبائلهم . و لم يكرم صديقه ود عدلان الذي كان امين بيت المال لأن يعقوب جراب الرأي أوعز للخليفة بشنقه , لأنه لم يوافق على نهب غلال أهل الجزيرة . و ود عدلان هو الذي رفض ان يشرب الماء و طلع الى المشنقة و وضع الحبل حول عنقه . الشخص الوحيد الذي سمعنا ان سلاطين قد عاقبه , هو الشخص الذي كان يسخر من سلاطين و أصر على ان يختن سلاطين بعد أن انضم الى المهدي . و قام سلاطين بعد رجوعه الى السودان بسجنه و نكاية فيه حلق ذقنه , فقال هازئاً لسلاطين ( الحسنتو انت بقوم تاني , لكن الحسنتو انا ما بقوم تاني ) . المنزل لم يكن ملكاً لأنسان , و لا أدري كيف انتقلت ملكيته لآل ابو العلا . فمدارس الاحفاد مثلاً و جامعة الاحفاد مسجلة بأسم الشعب السوداني . بالرغم من أن تكلفة بنائها قد دفعها المتبرعون , و أكبر المتبرعين كان ابراهيم عامر ازرق , ابن عامر ازرق الذي يضرب به المثل ( قميص عامر , الفصلوه في الريف و طلع قدر سيده ) . و لعبد المنعم محمد القدح المعلى في بناء الاحفاد . لأنه هو الذي قدم الضمان للمفتش برمبل بأن المبنى سيكون خير من المستوي الذي يطلبه برمبل . و لقد قام بالرسومات و البناء المهندس ابراهيم احمد . و هو والد المناضلة متعها الله بالصحة سعاد ابراهيم احمد . و أن كان للسيد عبد الرحمن نصيب كبير في انشاء الاحفاد بدعمه المادي و الادبي . و كما شارك اخرون منهم رئيس الجالية اليونانية كونت ميخالوس الذي كان يحب السودان و يخلص له . و كما ذكر لي الاخ السفير علي حمد ابراهيم أنه قابل ابن كونت ميخالوس و كان يبكي لأن النميري قد ضايقهم و طردهم من السودان و كان يقول كيف انا ما سوداني , انا مولود في السروراب . و السروراب لا يعرفها كل السودانين , و هي قرية صغيرة خارج امدرمان بالقرب من الشيخ الطيب . المحسن عبد المنعم محمد كانت له افخم دار في امدرمان و هي الدار المواجهة لكلية امدرمان . و هو من اسرة ابو العلا , و هو مولود في امدرمان . و كانت تلك الدار الفاخرة تمتلئ يوم الجمعة بالمساكين و الشحاذين و المجزمين و المبرصين . و كان عبد المنعم محمد يتناول الاكل معهم , و يوزع عليهم المال و الكساء . و كان يريد أن يتبرع بكل ماله للأوقاف , ألى ان اوقفوه بالشرع . و أعطى ثلثي ماله للأوقاف و ترك الثلث للورثة . و الميدان في الخرطوم سمي بأسمه نسبة لفضله وأحسانه . الخالة زينب عبد القادر , المعروفة بحنينة الصحة , كان من الممكن ان تكون وارثة منزل سلاطين . ولكن الواضح ان سلاطين حتى بعد ان صار حاكماً لم يكن يمتلك ذلك المنزل . الخالة زينب كانت ثاني سودانية تركب الدراجة . لأنها كانت مفتشة صحة و لها شلوخ عريضة . و شلوفتها مدقوقة ( وشم ) . و كانت تطوف كل امدرمان , و لأنها امرأة يسهل عليها دخول المنازل . و أول مرأة سودانية تركب الدراجة هي ست بتول عيسى , من أول تلاميذ رفاعة , و زميلة زينب بنت الاسطى , و التي هي أول من استعمل اللون الزرعي ( تركواز) في عمل الطواقي لدعم مدرسة البنات في رفاعة , و لهذا صار يعرف هذا اللون بلون زينب . ست بتول هي والدة الصناعي ادريس الهادي صاحب المسلة في شارع الاربعين , و هي أول قابلة سودانية عملت 67 سنة متواصلة اغلبها تطوعاً كمدرسة في مدرسة الدايات , كرمتها الاممالمتحدة و لم يكرمها السودان . الخالة حنينة عاشت عمراً مجيداً و في نهاية التسعينات كنت اطالب شقيقاتي و آخرين ان يسجلوا منها , و أن يستمعوا اليها . و لكن من يهتم . ست بتول كانت تسكن في شمال منزل سلاطين , دار حزب الامة الحالية . و من احفادها احمد و محمد و وعلي و مجموعة من البنات . كل ما كتبته هنا كتبته من الذاكرة بدون الرجوع لكتاب . فأرجو المعذرة اذا كان هنالك بعض الغلطات . التحية و الرحمة للجميع ع. س. شوقي بدري Shawgi Badri [[email protected]]