مثل حادث الاستهداف الاسرائيلى الجوى لسيارة سودانية فى منطقة "كلانيب" بالقرب من مدينة بورتسودان فى 5 ابريل 2011، عملية اختراق ذات دلالات عسكريه وأمنيه و سياسية، كما مثلت تجاوزا خطيرا لسيادة السودان، حيث لم يكن ذلك القصف، الاول من نوعه. فقد سبق أن تعرضت المنطقة ذاتها لقصف إسرائيلي لقافلة كانت تحمل اسلحة مفككة محمولة على الجمال، وصفتها الحكومة السودانية بانها لمجموعات من المهربين، فى الوقت الذى أشارت فيه إسرائيل إلى أنها كانت قوافل محملة بالسلاح مهربة إلى حركة حماس فى غزة. وقد دلل هذا الهجوم، على تبنى إسرائيل لاستراتيجية جديدة فى تعاطيها مع ما تعتبره تهديدا لمصالحها أو أمنها. أذ ان الهجومين على شرق السودان يقعان خارج نطاق ما إعتادت عليه إسرائيل من عمليات، كانت تستهدف فى العادة دول جوارها الحدودية المباشرة ، وان كانت قد استهدفت من قبل المفاعل النووى العراقى، إلا أن ذلك كان يعد عملا استثائيا بالنظر الى ضخامة الهدف وبالتالى ضخامة التهديد الذى كان من الممكن ان تتعرض له اسرائيل فى حالة السماح باكتماله . وفى الاحوال العادية كانت إسرائيل تقوم بتتبع أهدافها فى الخارج من خلال الأجهزة الاستخبارية، وعبر عمليات التصفية الجسدية، بواسطة عملاء سريين ومدربين، كما حدث فى عملية اغتيال المبحوح فى دبى. أما منطق القصف الجوى لاهداف متحركة كما حدث فى شرق السودان، فهو يشبه منطق وطرائق إستهداف قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية فى الضفة وغزة وكذلك فى لبنان. على الناحية الاخرى أوضح الاختراق المتكرر للأجواء السودانية، وتنفيذ مثل هذه العمليات، ضعف البنية الدفاعية السودانية، كما أشار إلى وجود إختراقات أمنية واستخبارية واسعة، وشبكات منسقة ومزودة بتقنيات حديثة، تعمل لصالح اسرائيل فى هذه المنطقة وفى مناطق إخرى من السودان .الأمر الذى مكن إسرائيل من جمع لمعلومات والتحقق من هوية الاهداف واماكن وتوقيت تواجدها، مع السرعة الهائلة فى إيصال المعلومات وإتخاذ القرار بالتحرك والتنفيذ، إذ أن الهجوم الأخير إستهدف سيارة متحركة على أحد الطرق الرئيسية خارج بورتسودان، بإعتبار أن أحد الشخصين بالسيارة هو المسئول من قبل حماس بالاشراف على عمليات نقل الاسلحة التى تأتى من إيران خلفا لمحمود المبحوح . الموقف السوداني بنى السودان موقفه من توجية اتهام رسمى لاسرائيل بالقيام بهذا العدوان، على إمتلاك أدلة تثبت اتهام إسرائيل بالتورط في هذا العدوان، كما استند إلى ما نشرته الصحف الإسرائيلية باعتباره اعترافا غير مباشر بارتكاب هذا العدوان، فضلا عن البيانات الظرفية وقرائن الأحوال السابقة. إذ سبق وأن مهدت إسرائيل لهذا العدوان بحملة واسعة زعمت فيها أن هناك عمليات تهريب لأسلحة كيمائية من ليبيا عبر السودان إلى دول أخرى. كما أشار مسئولون سودانيون إلى العثور على مقذوفات وصواريخ في الموقع، تستخدمها طائرات الأباتشي أمريكية الصنع. ولايمتلكها إلا سلاح الجو الإسرائيلي أو القوات الأمريكية التى تنتشر قواعدها فى المنطقة. وبناءا على ما سبق فقد جدد السودان اتهامه لإسرائيل بارتكابها هذا العمل العدواني ضد سيادته ومواطنيه وهو ما عده خرقا ومخالفة لمبادئ القانون الدولي وانتهاكا لسيادته وأمنه. وأكدت الحكومة السودانية أنها ستتخذ كافة التدابير اللازمة لحفظ حقوق السودان وصون سيادته وحماية مواطنيه. وشددت التصريحات الرسمية السودانية على أن الهدف الرئيسى لم يكن التخلص من احد مسئولى حماس، بل السعى إلى تشويه صورة السودان وربطه بالإرهاب والأنشطة غير المشروعة. وذلك لإعاقة التفاهمات التي جرى الوصول اليها مع الولاياتالمتحدة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. كما اعتبرت السودان أن هذا العدوان الإسرائيلي يعرض الأمن الإقليمي للفوضى والخطر. وقد تحرك السودان إقليميا من اجل دعم موقفه من خلال الجامعة العربية أو الاتحاد الافريقى أو منظمة المؤتمر الاسلامى لبناء موقف داعم للسودان فى مواجهة العدوان الاسرائيلى، وتصعيد هذا الموقف دوليا. وفي هذا الصدد اعتبرت الجامعة العربية هذا العدوان يشكل سابقة خطيرة وانتهاكا لسيادة السودان وأمنه وسلامة مواطنيه، وطالب مجلس الجامعة الأمانة العامة للجامعة بالتنسيق مع الحكومة السودانية والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، لبلورة موقف مشترك من اجل تقديم شكوى ضد إسرائيل أمام مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. ويسعى السودان عبر تدقيق المعلومات حول تورط إسرائيل فى الحادث، لتقديم الإثباتات إلى الأممالمتحدة ورئيس الجمعية العامة، والقيام باجراءات مماثلة عبر مندوبية السودان الدائمة في مجلس حقوق الإنسان بجنيف. كماشرعت وزارة الخارجية السودانية في عقد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وسفراء المجموعات الجغرافية المختلفة لشرح طبيعة العدوان وأدلة تورط إسرائيل. وفى نهج مخالف لحادثة القصف الاولى التى وقعت فى عام 2009 ، والتى إتسمت بالتكتم الشديد حولها، وعدم الإشارة اليها فى حينها، يحاول السودان توظيف هذا الهجوم الأخير، فى شن حملة إعلامية ضد إسرائيل باعتبار أن ما حدث جريمة تضاف إلى جرائم إسرائيل فى الاراضى العربية المحتلة، أو تلك التى وقعت خارج حدودها، مثل اغتيال المبحوح فى دبى فى 2010. أما المعارضة السودانية فقد سعت من جانبها إلى الاستفادة من الحدث بتوجيه الإتهامات إلى الحكومة سواء باعتبار أن هناك عملية اختراق إسرائيلي واسع فى مواقع حساسة . وبناءا على ذلك فقد طالبت المعارضة السودانية باستقالة وزير الدفاع واستجوابه فى البرلمان، لفشله في حماية السيادة السودانية. ورغم نفى السودان لوجود أية علاقة لها بعمليات تهريب الأسلحة الى غزة عبر أراضيها فان السلطات المصرية كانت قد أعلنت فى إبريل 2011 ضبط شحنة من الأسلحة على الحدود المصرية السودانية، وقد قامت السلطات المصرية بتدمير السيارات الحاملة لها. ورغم ان ذلك لا يعد دليلاَ مؤكدا على تورط الحكومة السودانية فى هذه العمليات، إلا ان تكرار عمليات التهريب إلى داخل الاراضى المصرية، وتكرار الضربات الإسرائيلية للاراضى السودانية، يشير بشكل او بآخر الى وجود شبكات منظمة لتهريب الاسلحة، كما يعنى فى الوقت نفسه وجود نوع من غض الطرف من قبل الحكومة السودانية، أو وجود ضعف فى سيطرتها على حدودها وضعف أداء الأجهزة المعنية بإيقاف هذه العمليات، الأمر الذى يضع الحكومة السودانية تحت طائلة الضغوط الاقليمية والدولية، فى الوقت الذى تسعى فيه الى إنهاء عزلتها. الموقف الإسرائيلي ترى إسرائيل أن منطقة البحر الأحمر تمثل بؤرة استراتيجية لتهريب السلاح إلى قطاع غزة، لذا تكثف من تواجدها خاصة فى اريتريا وجيبوتى وجنوب السودان، وقد أعرب مسئولون إسرائيليون فى وقت سابق عن قلقهم بشأن قوافل أسلحة زعموا أنها ترسل إلى غزة من السودان، ويرى البعض أن العمليات الإسرائيلية فى السودان تأتي في إطار الاستراتيجية الإسرائيلية للقضاء على عناصر حركتي حماس والجهاد الإسلامي داخل أو خارج فلسطين، وحجب كل مصادر التمويل والتسليح عنهما، باعتبار أن الحركتين هما هدفا استراتيجيا ووجودهما أو تسليحهما يمثلان تهديداً وجودياً لإسرائيل. ورغم أن إسرائيل رسميا نفت أية علاقة لها بالعدوان على السودان فإن صحيفة معاريف قد ذكرت نقلا عن مصادر أمنية لم تحددها أن الشخص الذى كان مستهدفا هو عبد اللطيف الأشقر المسئول في قيادة فرع التسليح بحركة المقاومة الإسلامية حماس. ومن الأسباب التى تدفع الى ترجيح تورط إسرائيل فى العملية ان الطريقة التي نفذت بها تتميز بالقدرة العالية من الناحية التقنية التى تمت بناء على معلومات استخباراتية محكمة، بواسطة سلاح متطور هدفه قتل من كان بالسيارة من دون إيقاع أضرار جانبية. موقف حركة حماس أما حركة حماس الفلسطينية فقد أكدت بأن عبد اللطيف الأشقر نجا من الغارة الإسرائيلية التي استهدفته بشرق السودان وأنها ليست المرة الأولى التى يتعرض لها للاستهداف، وهو ما يعنى ان الأشقر كان موجود بالفعل فى السودان. وبصرف النظر عن الهدف من زيارته، فان نفى السودان لوجود أى عنصر من حماس على أراضيها أمر يبرر رغبتها فى عدم إستغلال الموقف من الجانب الاسرائيلى والامريكى والإبقاء على اسم السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما يؤثر على موقع السودان إقليميا ودوليا، ولذلك وجهت الحكومة السودانية اتهامات بالتجسس وتنفيذ عمليات إرهابية لصالح إسرائيل، لثلاثة متهمين أشارت التحريات إلى تورطهم فى حادث قصف سيارة بمدينة بور سودان ومن بينهم فتح الرحمن البدوى المالك السابق للسيارة. غير انه تجدر الاشارة إلى تحرك السودان نحو الشكوى الى مجلس الأمن أو بالتحرك الاقليمى ومحاولة الحصول على المساندة التى تشجب وتدين، سوف لن ينتج عنه فى الغالب اى تاثير على اسرائيل، التى لم تعد تلتفت الى مثل هذه التحركات فى ظل الحماية الأمريكية التى تحظى بها فى المجال الدولى، ومن ثم فان على الحكومة السودانية اتن تبذل جهودا اكبر فى ايقاف عهذ الانشطة او السيطرة عليها . نقلاً عن : ملف الأهرام الإستراتيجى العدد 197 شهر مايو 2011 E-mail: [email protected]