قصيدتان لشاعرين من السودان .. قصة مولد هاتين القصيدتين لا تخلو من طرافة ومرارة في الوقت نفسه .. القصيدة الأولى للشاعر السوداني الفحل محمد سعيد العباسي .. لقد أمضى العباسي فترة في مصر ويبدو أنها كانت فترة جميلة في حياته سجلها في قصيدة مدح فيها مصر واسماها "ذكريات" .. قال كلمته ومضى .. ويدور الزمان دورته ويأتي ابنه من بعده ليسلك نفس الطريق نحو مصر كعادة كل السودانيين.. ولكن مفارقات الزمان ومعابثاته التي لا تنتهي جعلت من زيارته لمصر مناقضة تماما لزيارة والده .. شاعرنا هذه المرة هو الطيب العباسي ابن العباسي الكبير .. كان "الطيب" الشاعر الرقيق يتجول في القاهرة وعلى وجه الدقة في "ميدان التحرير" عندما مرت به فتاة جميلة يبدو أنها من عائلة أرستقراطية فيها شيء من الغرور والكبرياء .. أرسل لها إشارة غزلية فكان ردها عنيفا وعيرته بلونه .. فكان مولد قصيدة "يا فتاتي" واشتهرت في السودان لأن الفنان السوداني الطيب عبد الله – وهو صديق عملنا معا في مكتب واحد في التلفزيون السوداني - قام بأدائها واختار ثلاثة أبيات من قصيدة الأب جعلها مقدمة للقصيدة التي كتبها الابن ..فجمع بين الحسنيين .. ومن عجائب مفارقات الزمان أيضا أن العباسي الابن أشار في أحد أبيات القصيدة إلى ثورة في ميدان التحرير- وذلك في بداية ستينيات القرن الماضي - حين قال: أي ذنب جنيتُ فاندلعت ثورة منك خانها الجلدُ كانت ثورة ولكن من نوع آخر .. ذكريات محمد سعيد العباسي أقصرتُ مذ عاد الزمانُ فأقْصَرا وغفرتُ لما جاءني مُستغفِرا ما كنتُ أرضى يا زمانُ لَوَ انني لم ألقَ منكَ الضاحكَ المستبشرا يا مرحباً قد حقّق اللهُ المنى فعلَيَّ إذ بُلّغْتُها أن أشكرا يا حبّذا وادٍ نزلتُ، وحبذا إبداعُ من ذرأ الوجودَ ومن برا مِصْرٌ، وما مصرٌ سوى الشمسِ التي بهرتْ بثاقب نورِها كلَّ الورى ولقد سعيتُ لها فكنتُ كأنما أسعى لطيبةَ(1) أو إلى أُمِّ القُرى (2) وبقيتُ مأخوذاً وقيّدَ ناظري هذا الجمالُ تَلفُّتاً وتَحيُّرا **** فارقتُها والشَّعرُ في لون الدجى واليومَ عدتُ به صباحاً مُسْفِرا سبعون قَصّرتِ الخُطا فتركنَني أمشي الهُوينى ظالعاً مُتَعثِّرا من بعد أنْ كنتُ الذي يطأ الثرى زهواً ويستهوي الحسانَ تَبختُرا فلقيتُ من أهلي جحاجحَ أكرموا نُزُلي وأولوني الجميلَ مُكرَّرا وصحابةً بَكَروا إليَّ وكلُّهم خَطَب العُلا بالمكرمات مُبَكِّرا يا من وجدتُ بحيّهم ما أشتهي هل من شبابٍ لي يُباع فيُشترى؟ ولَوَ انّهم ملكوا لما بخلوا بهِ ولأرجعوني والزمانَ القهقرى لأظلَّ أرفل في نعيمٍ فاتني زمنَ الشبابِ وفِتُّه مُتحسِّرا ووقفتُ فيها يومَ ذاك بمعهدٍ كم من يدٍ عندي له لن تُكْفَرا دارٌ درجتُ على ثراها يافعاً ولبستُ من بُرْد الشبابِ الأنضرا **** يا دارُ أين بنوكِ إخواني الأُلى رفعوا لواءكِ دارعين وحُسَّرا ؟ زانوا الكتائبَ فاتحين وبعضُهم بالسيف ما قنعوا فزانوا المنبرا سبحان من لو شاء أعطاني كما أعطاهمو وأحلّني هذي الذرى لأُريهم وأُري الزمانَ اليومَ ما شأني فكلُّ الصَّيْدِ في جوف الفَرا إني لأذكرهم فيُضنيني الأسى ومن الحبيب إليَّ أنْ أتذكّرا لم أنسَ أيامي بهم وقَدِ انقضتْ وكأنّها واللهِ أحلامُ الكرى **** كذب الذي ظنّ الظنونَ فزفّها للناس عن مصرٍ حديثاً يُفترى والناسُ فيكِ اثنان شخصٌ قد رأى حُسْناً فهام به، وآخرُ لا يرى والسرُّ عند اللهِ جلّ جلالهُ سَوّى به الأعمى وسَوّى المُبصِرا يا من رعيتُ ودادَه وعددتُهُ درعاً - إذا جار الزمانُ - ومِغْفَرا اسمعْ نصيحةَ صادقٍ ما غيّرتْ منه الخطوبُ هوىً ولن يتغيّرا لم آتِ أجهلُ فضلَ رأيكَ والحِجى لكنْ أتيتُكَ مُشفِقاً ومُذَكِّرا والنصحُ من شيمِ الصديقِ فإن ونى عَدُّوه في شرع الودادِ مُقصِّرا عمري كتابٌ والزمانُ كقارئٍ أبلى الصحائفَ منه إلا أَسْطُرا فعلمتُ منه فوق ما أنا عالمٌ ورأيتُ من أحداثه ما لا يُرى **** قل لي: فديتُكَ ما الذي ترجوه من تاجٍ وقد أُلْبِسْتَ تاجاً أزهرا وورثتَ في ما قد ورثتَ شمائلاً كانت أرقَّ من النسيم إذا سرى أما السماحُ فلا يساجلكَ امرؤٌ فيه ملكتَ جماعةً مُستأثِرا فاربأْ بنفسكَ أن تكون مطيّةً للخادعين وللسياسة مَعْبرا وحذارِ من رُسل القطيعةِ إنهم رهطٌ قد انتظموا ببابكَ عسكرا ما ساقهم حبٌّ إليكَ وإنما حُشِروا وجِيء بهم لأمر دُبِّرا ولأنْ تبيتَ على الطوى وتظلّهُ وتضمّ شملَ المسلمين وتُنْصَرا خيرٌ، ففي التاريخ إن قلّبتَهُ عظةٌ لذي نظرٍ وَعى وتَدبّرا **** انظرْ إلى الملك «الحُسين»(1) وإنه من عترةٍ هي خيرُ من وطىء الثرى منحوه تاجاً ثم لم يرضَوْا به ذهباً فصاغوه لديه جوهرا عجموه فاستعصى فلمّا استيأسوا نزعوه عن فَوْديه نَزْعاً مُنكَرا ويحٌ لهذا الشرقِ نام بنوه عن طلبِ العلا وتأخّروا فتأَخّرا ظنّوا السعادةَ وَهْيَ أسمى غايةٍ قَصْراً يُشاد وبزّةً أو مَظهرا قادتهمُ الأطماعُ حتى أشْبهوا كبشَ الفِدا والجزلَ من نار القِرى والجمرُ إن أخفى الرمادُ أُوارَهُ شقيتْ به كفُّ الصبيِّ وما درى واللهُ أحمدُ حين أبرزَ للورى من غيبه ما كان سِرّاً مُضمَرا 2 -- يا فتاتي كلمات الطيب العباسي / غناء الطيب عبد الله فارقتُها والشَّعرُ في لون الدجى واليومَ فا فارقتُها والشَّعرُ في لون الدجى واليومَ عدتُ به صباحاً مُسْفِرا سبعون قَصّرتِ الخُطا فتركنَن سبعون قصرتِ الخُطا فتركنني أمشي الهوينى ظالعا مُتَعثِّرا من بعد أنْ كنتُ الذي يطأ الث من بعد أن كنت الذي يطأ الثرى زهواً ويستهوي الحسانَ تَبختُرا يا فتاتى ما للهوى بلدُ كل قلبٍ فى الحب يبتردُ أنا ماخلقتُ فى وطنٍ فى حماهُ الحبُّ مضطهدُ ألأنَّ السوادَ يغمرنى؟ ليس لى فيه يا فتاةُ يدُ أغريبٌ إنْ تعلمى لى ديارٌ ولى بلدُ لى بدنياىَ مثلما لكُمُ لى ماضٍ وحاضرٌ وغدُ فلماذا أراكِ ثائرةً وعلامَ السبابُ يضطردُ أىَّ ذنبٍ جنيتُ فاندلعتْ ثورةً منكِ خانها الجَلَدُ الوداعَ الوداعَ قاتلتى ها أنا عن حماكِ أبتعدُ سوف تنأى خطاىَ عن بلدٍ حجرٌ قلبُ حوَّائِهِ صلدْ وسأكتمُ الجراحَ فى كبدى غائراتٍ ما لها عدد الفاتح إبراهيم كاليفورنيا – الولاياتالمتحدة elfatih ahmed [[email protected]]