خلافات الرؤى السياسية بين السودان والغرب علي ضوء زيارة وزير خارجية ألمانيا للسودان زين العابدين صالح عبد الرحمن علي ضوء زيارة وزير الخارجية الألماني غيدو فستر فيلي للسودان و مباحثاته مع القيادات السياسية في الحكومة السودانية سوف أتناول قضيتين أساسيتين تشكلان حجر الزاوية في خلافات الرؤى السياسية بين الغرب و المؤتمر الوطني الحزب الحاكم في السودان و هي مشكلة المحكمة الجنائية ثم جاءت مشكلتي " أبيي" و " الحرب في جنوب كردفان" و كل من الغرب إضافة إلي الولاياتالمتحدة يحاولون التعامل مع قضايا السودان من خلال ما هو مطروح علي الرأي العام في بلدانهما و هي قضية تشكل ركن أساسي في الإستراتيجية التي تقوم عليها سياستهم في العلاقات الدولية خلافا للمؤتمر الوطني الذي ينطلق من إستراتيجية التمكين و الفردانية و التي ليس للرأي العام أن كان في الداخل أو الخارج علاقة بها و هي تشكل معضلة المؤتمر الوطني في السياسية الخارجية باعتبار أنه يريد أن تتعامل معه الدول و خاصة الغرب و الولاياتالمتحدة من خلال فهم قيادات المؤتمر الوطني للعمل السياسي المطبق في السودان و هي في حد ذاتها تشكل معضلة لم يستطيع المؤتمر الوطني فهمها و الخروج من دائرتها. يقول السيد وزير خارجية ألمانيا في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الخرطوم مع نظيره السيد علي كرتي وزير الخارجية السوداني " يجب علي المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية لتحرير السودان إيجاد حل سلمي للأوضاع في أبيي و جنوب كردفان لتجنب التأثير علي انفصال الجنوب في التاسع من يوليو و حذر من عودة الحرب بين الشمال و الجنوب و طالب سلطات الشمال و الجنوب بالتواصل لحل عاجل و دائم للمشاكل في المنطقة الحدودية و ضمان و صول فرق الإغاثة إلي مناطق الأزمات" و حول علاقة بلده بالسودان قال فيلي " أن علاقة بلاده و دعمها للسودان مرهون بإيجاد الحل السلمي للقضايا العالقة في ترتيبات ما بعد الاستفتاء" و حول المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحق رئيس الجمهورية قال فيلي " أن هناك خلافا في وجهات النظر بين السودان و دولته " لقد أخطأت قيادات المؤتمر الوطني في ربطها بين قضيتي مشكلة أبيي و دخول القوات المسلحة فيها باعتبار أنها منطقة لها وضعها الخاص و ترتيباتها في اتفاقية السلام الشامل بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية و كان المؤتمر الوطني قد عزى دخول القوات المسلحة لمنطقة أبيي للخروقات العديدة التي قامت بها الحركة الشعبية إخلالا بنصوص الاتفاقية و ربط هذه بمحاولة تحميل الحركة الشعبية في جنوب السودان ما حدث في منطقة جنوب كردفان و ربط القضيتان مع بعضهما البعض بهدف محاصرة الحركة الشعبية في الشمال" قطاع الشمال" و كان من المفترض أن يتعامل المؤتمر الوطني مع جنوب كردفان كقضية منفصلة و قضية شمالية تخص الشمال و لا يربط بينهما لكي يستطيع إدارة الأزمة خاصة مع الخارج علي محورين منفصلين و لكن المؤتمر الوطني أراد العمل من أجل خيارين الأول الضغط علي قطاع الشمال بهدف تدجين قيادته و ربطها بسياسة المؤتمر الوطني بحلف إستراتيجي يحدد المؤتمر الوطني موجهاته و أهدافه و الثاني إذا رفضت قيادة الحركة عملية التدجين يصبح هناك خيارا واحدا هو حل الحركة الشعبية باعتبار أنها تنظيم تابع لجنوب السودان و إذا أرادت قياداتها في الشمال الاستمرار في العمل السياسي عليهم بتشكيل حزب جديد و فك الارتباط بالجنوب تماما هذه الإستراتيجية التي اعتمدها المؤتمر الوطني أفقدته كرت الضغط في مشكلة أبيي الذي كان من المفترض استخدامه بهدف إيجاد تسوية سياسية مع الحركة الشعبية في القضايا العالقة و من ثم إيجاد حل لرفع القيود و العقوبات التي تفرضها الولاياتالمتحدة و الغرب علي السودان إذا كان المؤتمر الوطني أحسن إدارة الأزمة بعيدا عن دمج القضيتين و لكن في ثورة الانفعال ربطت قيادات المؤتمر الوطني بين القضيتين و بذلك تعامل المجتمع الدولي مع القضيتين بأنها قضية واحدة. حاول السيد وزير خارجية ألمانيا ربط القضيتين و التعامل معهما علي أساس الإشكاليات العالقة التي لم تنفذ في اتفاقية السلام و رهن تعامل بلاده و دعمها للسودان من خلال إيجاد حل للمشكلة باعتبار أنها قضية واحدة لحكومة الجنوب و يجب أن تناقشها باعتبار أنها جزءا من ما تبقي من اتفاقية السلام و هو الكرت الذي كان في يد المؤتمر الوطني و سلمه إلي حكومة جنوب السودان و كان من المفترض أن تكون قيادات المؤتمر الوطني مدركة و مستوعبة أن الجاليات السودانية في الغرب و الولاياتالمتحدة أصبح لهم تأثيرا كبيرا في تلك المجتمعات بسبب أنهم أصبحوا مواطنين يدلون بأصواتهم في انتخابات تلك البلاد و بالتالي تفتح لهم الأبواب التي تغلق في وجه الدبلوماسية السودانية إضافة إلي أن تلك الجاليات لها علاقات كبيرة مع منظمات المجتمع المدني في الولاياتالمتحدة و الغرب بصورة عامة و بعد قليل سوف تأخذ قضية جنوب كردفان بعدها الدولي مثل قضية دارفور و هي تسير في ذات الطريق. القضية الثانية قضية المحكمة الجنائية و هي تؤرق مضاجع قيادات المؤتمر الوطني و قد أصبحت نقطة ثابتة في أجندة الدبلوماسية السودانية في حوارها مع الولاياتالمتحدة و الغرب و تعتقد قيادات المؤتمر الوطني أن حكومات الغرب تستطيع اتخاذ قرارات فورية لتجميد قضية المحكمة الجنائية و هنا يتبن النقاط الجوهرية في الخلاف للذهنيتين حيث أن حكومات الغرب لا تستطيع أن تتخذ قرارات في أية قضية مهما كانت هذه القضية إذا تشكل حولها رأي عام خاصة في بلادهم و إذا لم تستطيع إقناع الرأي العام بالقرارات التي تريد الإقدام عليها باعتبار أنها حكومات تمثل أحزابا تعرض نفسها في كل فترة محددة للجماهير لكي يتم انتخابها و هي حكومات ليست أبدية أنما تستمر و تبتعد عن الحكم بأصوات الجماهير و هي لذلك لا تستطيع أن تتخذ قرارات خاصة في قضية رأي عام ما لم توضح للجماهير أسبابا مقنعة لهذه القرارات و لا تستطيع حكومات الغرب البت في تلك القضية بعيدا عن مؤثرات الرأي العام و لكن قيادات المؤتمر الوطني تريد الغرب و الولاياتالمتحدة أن يتعاملوا مع القضية مثل ما هي تتعامل مع القضايا دون أية اعتبار للرأي العام. لا تفرط الولاياتالمتحدة و الغرب في الكروت التي في يدها و قضية المحكمة الجنائية أصبحت كرت ضغط في يد الغرب ضد الإنقاذ لا تستطيع التفريط فيه مهما قدمت الإنقاذ من تنازلات و هي القضية التي أشار إليها وزير خارجية ألمانيا عندما قال " يجب علي الشمال و الجنوب التوصل لحل عاجل و دائم للمشكلة في المنطقة الحدودية" و دوام الحل بالكيفية التي يحددها الغرب و حول المحكمة قال السيد فيلي أن هناك خلافا بين حكومته و المؤتمر الوطني في قضية المحكمة الجنائية و في برنامج لقاء اليوم علي قناة الجزيرة سألت المذيعة ليلي الشائب المبعوث الأمريكي للسودان برنستون ليمان حول الحوافز التي وعدت بها الولاياتالمتحدةالخرطوم في حالة تم تنفيذ اتفاقية السلام و تعاونت الخرطوم مع واشنطن ثم تعرضت للمحكمة الجنائية باعتبار أنها جزءا من الحوافز, و في إجابة ليمان قال عن المحكمة " يجب تحقيق العدالة و تحمل المسؤولين لمسؤولياتهم و نحن لسنا أعضاء و لا نشارك في عملياتها بشكل مباشر, و حول الحوافز قال ليمان " أن الحوافز التي نراها للسودان عندما يحدث الانفصال في 9 يوليو ستخسر شمال السودان الكثير من دخلها و الكثير من قواعد التبادل و التجارة الخارجية و سيحتاجون إلي إعادة دمج للمجتمع الدولي الآن هم يعيشون في عزلة لكن إذا مضوا في عملية السلام سيتم هنالك إعفاء من الديون و سيكون لهم فرصة للحصول علي استثمار و علي الموارد الخارجية هذه هي الحوافز التي تؤثر علي الشعب و علي حكومة السودان و هذه هي الحوافز التي نراها بإمكان السودان أن تتحقق و بإمكان أن تدعم عملية تحقيق السلام" إذن هناك خلاف أيضا في مفهوم الحوافز التي تقصده الولاياتالمتحدة رغم أن الولاياتالمتحدة كانت قد تحدثت عن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب و رفع العقوبات و لكن أتضح أن الولاياتالمتحدة لا تريد رفع العقوبات التي كانت قد أشارت إليها و استبدلتها بما تسميه حوافز تتبدل و تتغير وفقا لتطورات الأحداث الجارية في السودان و تجعل العقوبات و المحكمة ككروت ضغط تمارسها ضد الإنقاذ كل ما احتاجت لذلك. أن المؤتمر الوطني لا يستطيع من خلال دبلوماسيته معالجة قضية المحكمة الجنائية خاصة أن السودان يشهد العديد من الأزمات السياسية و أن القوي السياسية بعيدة عن المشاركة و الولاياتالمتحدة و الغرب لا تستطيع حكوماتهم البت في قضية المحكمة الجنائية بعيدا عن إقناع الرأي العام في تلك البلدان و التأثير علي تلك البلاد و تحويل الرأي العام تستطيع أن تقوم به الجاليات السودانية في تلك الدول باعتبار أنها تعرف المداخل الأساسية لتحويل الرأي العام و هذه الجاليات لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور إلا إذا كانت هناك مصالحة وطنية و توافق وطني تتحول فيه الدولة السودانية من حكم الحزب الواحد إلي دولة التعددية السياسية برضي الناس و ليس الإصرار علي تنفيذ سياسة برنامج حزب واحد و في حالة حدث الوفاق الوطني لا اعتقد أن الجاليات السودانية سوف تتردد في معالجة القضية من داخل المجتمعات الغربية و الله الموفق zainsalih abdelrahman [[email protected]]