حتى لا يقع التشويه البيولوجي القادم.. السودان يقبل القسمة على ثلاث ورباع وحق 'الردة' مكفول نكتب الآن في زمن وزمان مفصليان، هما سياسيان وتاريخيان لسودانين جديدين، الأمر ليس حديثا بقدر ما هو فصل من فصول الإنهيار السوداني العام بعدما تم فصل - مع التشديد لفائدة التمركز الغردوني - الجنوب السوداني والذي أعلن إستقلاله رسميا من سلطة الخرطوم في التاسع من تموز/يوليو الماضي، وبات معه السودان، دولتان، شمالا وجنوبا، لا ندري من هي الجارة، ومن هي الشقيقة، ومن هي العدائية، إلا أن المحصلة السياسية جاءت يقينية وثابتة، وهي جمهورية جنوب السودان، دولة كاملة السيادة، مستقلة عن سلطان الفاعل السوداني، لتتبوأ دور الفاعل السوداني الجنوبي وليس دور المفعول به دوما كما يسجل التاريخ السوداني الحديث عندما كانت دولة واحدة، حيث يمكن أن نصفه اليوم ب 'السودان الأقل حداثة' ضدا على حراك التاريخ والشعوب والذي جاء نتيجة لعقم الفقه السياسي السوداني وخشبيته ونرجسيته وخواء حقيقته. عموما وقعت القطيعة وفق تصنيف العلاقات الدولية والقانون الدولي، وتغيرت معها وفيها الجغرافيا السياسية والطبوغرافية، البعض فسره تحريرا حققته الشعوب الجنوبية من سلطة غردون الوصية في الشمال، فيما عرفه البعض الآخر بأنه فعل مبرمج لسلطة الإنقاذ الإنتباهية الإمبريالية الحاكمة والعاملة على تنفيذ شروط الإمبريالية في السودان تحت أيديولوجية الدين المتخيل لأجل التفكيك السوداني، فيما ترى الفئة الثالثة بأن ما جرى هو تصحيح أولي للتاريخ في السودان في جنوبه والذي يجب ان يستشري ويستمر ليعم باقي الشعوب والثقافات والجهويات السودانية الأخرى في عملية فرز تاريخي ودك لكل أيديولوجيات اللاحقيقة التي بنيت عليها الدولة من دين وثقافة وعرق ومؤسسات وشخوص .... إلخ، كانت بمثابة ميثولوجيا رثة في الفعل السوداني. إمبريالية الإنقاذ الإنتباهية والفكر التفكيكي بهذا المعنى حرق شعب الجنوب فصلا مهما من فصول تعريف الصراع والحرب في السودان والتي تقولب بها الحقائق والأفعال السياسوية عبر التاريخ، لننتقل إلى فصل آخر من فصول الصراع في السودان الشمالي، بل عنونته وتحديده بشكل دقيق، لأن ما تبقى من السودان ما هو إلا مساحة للصراعات والتصنيفات الخشنة والتصفيات أكثر من كونها مشروع لدولة سودانية شمالية مرتقبة كما يوحي لأوصيائها وبالتالي تختلف عن دولة جنوب السودان الناشئة والتي لها من عناصر ومقومات الإنسجام مع تضافر عوامل التصالح والمنجز التاريخي، كلها عوامل تؤهلها لإحداث النقلة وصياغة واقعها بشكل قد يحدث مفاجآت في سلم تطور الدول الوليدة والناشئة، وهو يدفع بالمقابل للقول، بعدم صلاحية تكهنات محللي اليانصيب السياسي في جمهورية شمال السودان والواقعين تحت تأثير الكبرياء السياسية- على ما يبدو - حيث ذهبوا إلى القول ' الجنوب مشروع لدولة فاشلة' في حين أن ثقافة الفشل موروث أساسي في كيان الدولة الغردونية السودانية، حيث من جراء فشل الأخير كان توقف حركة التاريخ السوداني جنوبا، في هذا الإطار نستغرب من الدعوات الخجولة التي يطلقها مهندسو سلطة الإنفصال الإنقاذية، بأن دولة الشمال سوف تعمل على مساعدة جارتها دولة الجنوب في بناء دولتها القائمة حديثا، هو قول مردود ويجافي الحقيقة، حيث بالإشتغال على قواعد التصرف والسلوك لا يمكن للمرء أن يقبل بنقل التجارب السودانية في دولة الشمال إلى جنوب السودان لإعتبار بسيط، ليست هناك تجارب تذكر، وإن وجدت فهي تجارب فاشلة لا إنسانية لأن وعي التجربة والثقافة التاريخية قائمة على إلغاء الآخر وإستتباعه قسرا تحت أيديولوجيا واسعة وهي أيديولوجيا الإسترقاق والإغتصاب الثقافي والسلطوي والديني والإجتماعي والإقتصادي.... إلخ، إذا علينا أن نترك شعب دولة الجنوب لتصحيح ماضيه وإستشراف مستقبله، ونعود ونسأل ونجدد التساؤل حول أهمية فتح ملف الشمال السوداني بشفافية ومسؤولية وأمانة ووعي، وغير ذلك سوف نشهد مسلسلا جديدا وسهلا للسقوط في الشمال السوداني نفسه، سقوطا يلي الآخر كما تبين وتؤشر تضاريسه ومناخاته التي يصعب الإنتاج فيها دون إستفهام االفتح والمساءلة لأن الشمال عمليا اليوم أمام فكر إمبريالي إنتباهي إسلاموي تفكيكي هدام وخطير والذي ما إنفك يستند إلى فلسفة تزوير السودان المليوني.، حيث الأهم والبالغ الأهمية في إعتقادي وفي أتون الإنبطاح التاريخي السوداني هو سقوط ماكينزمات شرعنات السلطات الحاكمة عبر فنون إدارة الصراعات وإنتاج الأزمات، كما ماتت معها كل عناوين الخردة الماضية من شاكلة حرب شمال / جنوب، كفرة / مسلمين، أطهار/ نجسة، مسحيين، يهود، إسرائيل، عبيد، زنوج، أعداء، امريكان.... لتبقي الطهارة والنقاء لشعوب شمال السودان. إنها سقوط لشرعنات حرب الجنوب علي مدار تاريخ السودان الحديث، ليطرح معه سؤالا مفاهيميا وبالضرورة في مخيلة كل سوداني شمالي- لزوم التعريف- لماذا يحارب ومن أجل ماذا ومن المستفيد ولماذا أموت في دارفور أو النيل الأزرق أو الشمالية أو الشرق أو حتى الخرطوم نفسها، أو كردفان؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن حرب جنوب كردفان أسقطت شرعية الحرب في كونها جنوبية /شمالية، فهي حرب شمالية / شمالية وبالتالي عنوانها السياسي هو جمهورية شمال السودان كما هو الشأن دارفور، وفي هكذا حال لا يمكن أن تخضع للتحريف والتزوير وفق مجموعة مسوغات يعمل 'السلطان' على إنتاجها، حيث الأفضل ما دمنا قد أشرنا إلى ذلك، القول إن إتفاق أديس أبابا الذي وقع بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الحاكم والذي تراجع عنه الأخير، هو عنوان لتفاصيل الصراع الحقيقي في السودان الشمالي ومحدد أيضا لإدارة أزمة الدولة الشمالية، حيث الأمر لا ينحصر في إنشاء شراكة سياسية بين الحركة الشعبية / قطاع الشمال والمؤتمر الوطني الحاكم، نعتقد من الضرورة بمكان أن يتم تطوير الإتفاق في توليفة سياسية توسع الصراع بين المركز والهامش، ليشمل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ليتم وضع بند حق تقرير المصير ليشمل تلك المناطق في أي ترتيبات مرتقبة مع تمركز الخرطوم، لأن السودان ما زال قابلا للإنقسام ويقبل القسمة على ثلاث ورباع مادامت إستحقاقات الإنفصال والتقسيم باتت مرتكزات مهمة من أجل حسم الصراع حول السودان وتغيير التاريخ، يأتي هذا في ظل سقوط شرعية أيدولوجيا الحرب في السودان، سواء كان بإسم الدين أو الوحدة أو بإسم الأمة.، مع بقاء أيدولوجيا العرق. تغيير بيولوجي لشعوب الشمال بعد إسدال الجدل حول هذا الستار والذي بات بحكم الإعراب السياسي ماضويا، تبقى هناك شرعية لازمة لإعادة سؤال الفتح، فتح ملف الشمال السوداني وإستنطاقه، حيث لا جدوى من شرعنة جديدة للإستمرار بنفس قوالب البضائع السياسية القديمة / البائرة، منتهية الإستعمال والصلاحية، كما هي غير مستوفية لشروط الإنتاج والمقاييس والمواصفات كما وردت وترد في مفردات ومضامين الخطاب السياسي لدولة ما بعد الإنفصال من شاكلة مشروع دولة النيل الإسلاموية وبطلان شرعية التعدد والإختلاف في السودان .... إلخ من ترهات 'السلطان' السوداني الشمالي، وهو الأمر الذي نعتبره وكأنه بمثابة دعوة إلى تغيير بيولوجي لشعوب الشمال السودانية وثقافاتها وحضاراتها ومجموع قيمها ومكوناتها الخلقية، وهو الشيء الذي يدفع الشعوب إلى ممارسة حق 'الردة 'من أجل الخلاص والحفاظ على جنسهم الأنثربولوجي الخلقي. نخلص في الختام الى التأكيد بأن شرعية فتح ملف الشمال السوداني شرط ضرورة سياسي لأي حديث يستبق بناء الدولة الجديدة كإستحقاق سياسي لا يقل أهمية عن الإستفتاء الذي جرى في الجنوب والغاية من ذلك بناء عقد إجتماعي/ دستوري في السودان الشمالي بعد فشل العقد الإجتماعي السابق والذي بني علي فكرة 'تزوير الحقيقة السودانية'، وهذا يتطلب من الرئيس السوداني في عناوين عامة وفي معالجة تاريخية، كتاريخ إنفصال الجنوب الأتي: أولا/ الإعلان عن فك الإرتباط بين جمهورية السودان الشمالي وحزب المؤتمر الوطني. ثانيا/ حل حزب المؤتمر الوطني. ثالثا/ الدعوة لمؤتمر بين المركز والهامش السوداني لصياغة عقد إجتماعي سياسي جديد. رابعا/ مؤتمر للمائدة المستديرة يشمل جميع الأطراف لوضع دستور دائم وفترة إنتقالية وإنتخابات. نقلا عن القدس اللندنية Mahgoub Hussain [[email protected]]