أنباء صحفية نشرت مؤخرا قالت أن حزب المؤتمر الوطنى الحاكم لوحده ، رغم أنف ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية ، قد اعرب لحزب الأمة القومى ( تمييزا له عن كوم احزاب الأمة الكثيرة التى صنعتها وفرختها الانقاذ على مدى العقدين المنصرمين ) قد اعرب لحزب الأمة عن رغبته فى اعادة المرحوم ( التراضى الوطنى) الذى سبق أن ذبحه حزب المؤتمر (الحاكم) جد جد ، اعادته الى الحياة من جديد عن طريق عقد اجتماعات مشتركة تكرر فيها مناقشة نفس البنود الانشائية ،و على ذات النسق القديم ، الذى تناقشا فيه فى الماضى على مدى ستة اشهر ، ليخرجا بعدها ببيان انشائى ، لايضر احدا ، ولا ينفع احدا ، غير ضرر اضاعة الوقت الطويل فى نقاش بيزنطى لم يصلا فيه فى نهاية الامر هل البيضة من الدجاجة ام الدجاجة من البيض . صحيح انهما مارسا رياضة تمضية الوقت الرتيب ، وتزجية فراغ السياسة فى تلك الاجتماعات. ذلك الفراغ الذى يحسه المحكومون شموليا عادة ، حين لا يجدون ، من صباح الرحمان وحتى مسائه، ما يفعلون اكثر من اجترار الذكريات القديمة . وصحيح كذلك أن الحاكم الشمولى ، الذى تسير الامور امامه سلسة بدرجة تبعث على الملل ، يجد نفس الراحة النفسية فى الجدليات البيزنطية ، فيتحمس لاختلاق المزيد منها. وهكذا ظل الناس فى بلاد السودان يسمعون من حين لآخر مسميات جديدة وجدليات جديدة ، مثل (نداء الوطن) الذى انبعث من جيبوتى كما تنبعث ادخنة المصانع الهرمة ، فتنشر التلوث ، ولا تنشر فائدة فوق اديم الثرى ، ومثل (اتفاق القاهرة) الموقع على بياض ، ومثل (التراضى الوطنى) الذى كان صيحة فى عالم بلاغة تخير العناوين الفضفاضة الى درجة جعلت( سيدى) الاتفاق يعلنانه من بيت (الامام) لاعطائه ملمسا من قداسة ، وجعلت الرئيس ( شخصيا ) يتحدث عن العلاقة التاريخية الازلية بين كيان الانصار وكيان الحركة الاسلامية _ ياشيخ! . وجعلت( الامام) ، فكى البلاغة ، وحامل لوائها ، يهدد الحركة السياسية السودانية قاطبة بأنهما ، الرئيس والامام ، سيهجمان عليها (بالتراضى الوطنى ) ويحملانها قسرا وهى تصيح وتكاكى حتى يركمانها فى سفينة نوح المسماة بالتراضى الوطنى ، ومن ثم ستمخر ذات الالواح والدسر بالجميع فى موج كالجبال ، لترسو بهم على شاطئ الأمان فى جبل الجودى السودانى وليس فى جبل الجودى فى هضاب الاناضول. الفرحة لم تتم ،نعم ، لأن ملاح السفينة قد تاه فى عرض المحيطات ،بعد ان ضاع منه المجداف كما ضاع مجداف ملاح جورج جرداق فى" ليلته وحلم حياته" وكفى الله المؤمنين فى الحركة السياسية السودانية أن تحشر فى سفينة نوح المزدوجة الملكية دون رغبة منها قبل ان تصبح " تيتانك" الالفية الثالثة . و تساءل الناس تساؤلا مشروعا : أين التراضى الوطنى ، وماذا دهاه ، واين السفينة الحاشدة التى وعدوا بها ، واين العلاقة الازلية بين احباب الماضى والحاضر ؟ أهل الانقاذ لزموا الصمت . فهم قوم يقضون حاجاتهم بالكتمان . الم تروا كيف تلبس كجورهم الكبير شخصية السجين المعتقل. ولكن الامام لم يصمت : فهو رجل بليغ ، وحدّاث ، ولا يخشى فى الحديث لومة لائم ، ولا يغلبه البيان ، أو يتمرد عليه . رد الامام على التساؤل الجارج بجأش ورباط . وقال ان نافذين فى الحزب الحاكم لوحده ، قد ذبحوا التراضى الوطنى من الوريد الى الوريد. وانه لا يريد ان يعود للحديث عن الماضى . قيل أن بقاريا انصاريا صميما غلبه أن يبلع الاهانة صاح بحنق شديد ": ده ما مسورك يالامام . حرّم تلومت تب كى يامام ! سويت الكلام النى!