مخاض عسير انتهى بتدخل جراحي فولد فيل مفاوضات دارفور هذه المرة فيلا وليس فأرا.. عملية قيصرية ناجحة سبقتها لحظات توتر بالغة التعقيد، لكن في خاتمة المطاف جاء إلى الدنيا مولود مكتمل النمو يعجب الزراع.. وثيقة الدوحة لسلام دارفور أشمل اتفاق يعالج أزمة دارفور منذ اندلاعها في العام 2003م.. كان الاحتفال بتوقيع الوثيقة الذي حظينا بحضوره تظاهرة دولية مشهودة أحرجت الذين رفضوا دون مبررات مقنعة التوقيع عليها وكتبوا على أنفسهم العزلة.. بقدر ما كان الدكتور التيجاني السيسي رئيس حركة التحرير والعدالة رجل دولة كان غيره أقزاما في محراب السياسة والفهم العميق لتضاريس الأزمة وما يحيط بها من حراك دولي.. لم استمع منذ اندلاع الأزمة لقائد من قادة الحركات المسلحة مثلما استمعت وأنصت للدكتور السيسي فقد كان بحق رجلا مسؤولا وسياسيا فطنا.. كلماته انسابت بنسق بديع لأنها لمست جذور المشكلة.. تدفق السلاح بلا رقيب من دولة تشاد إبان الحرب الأهلية التشادية.. تشظي الحركات المسلحة واستعار النعرة القبلية.. أخطاء الحكومات المتعاقبة في السودان منذ الاستقلال.. رغم أن الخطاب الذي ألقاه السيد السيسي قد صاحبته بعض النواقص والهنات إلا أنها لم تقدح في فطنة وذكاء الرجل وحنكته السياسية.. كانت الإشارة إلى (المعاناة) الشخصية و(كيد) الكائدين خروج عن النص لم يكن الرجل في حاجة إليه.. عدم الإشارة إلى صفة الرئيس عمر البشير باعتباره رئيسا لجمهورية السودان لم يكن من اللباقة ولا من أدب الحديث.. عندما أشار السيسي إلى الرئيس البشير وصفه بالشريك وكأن الرجل يرسل رسالة بأنه لا يعترف به رئيسا!!.. بعض الصحفيين تحدث عقب التوقيع وفي إشارة إلى ما حدث من تأخير بلغ بقلوب البعض حناجرهم قائلين أن حركة السيسي استخدمت الضربة القاضية عندما فاجأت الجميع بتمترسها في مطلبها بلقب وزراء السلطة الانتقالية بدلا عن ما جاء في الوثيقة بوصفهم بالأمناء.. إذن استغلت الحركة تلك اللحظات الحاسمة وحضور الضيوف من الرؤساء وممثلي الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي فمارس الجميع ضغطا كبيرا على الرئيس البشير الذي وافق إنقاذا للموقف العصيب.. قد ينظر البعض إلى ذلك باعتباره تكتيكا مشروعا وعمل سياسي ذكي، وقد ينظر إليه أيضا باعتباره ابتزازا وعملا (غير أخلاقي) ينم عن انتهازية.. عموما لا أعتقد أن هناك طرف من الأطراف خاسر بل الكل رابح بانجاز هذه الوثيقة.. موافقة الحكومة على طلب الحركة سيدخلها في حرج وتعقيدات دستورية، فمن المعروف أن هناك مستويين من الحكم؛ مستوى الحكم الاتحادي (المركزي) رئيس الدولة والحكومة المركزية في الخرطوم، ومستوى الحكم الولائي، ولاة الولايات وحكوماتهم.. لكن التعقيد يتمثل في ظهور مستوى ثالث بين المستويين الآنفين، وهو مستوى جديد يحتاج لتوصيف دستوري فرئيس السلطة الانتقالية لولايات دارفور ووزرائه سيمثلون ذلك المستوى.. هل ولاة دارفور تابعون لرئيس سلطة دارفور ولا يتبعون مباشرة لرئيس الجمهورية؟. كيف يتم معالجة تقاطعات الصلاحيات، فمثلا من أبرز اختصاصات سلطة دارفور: تحقيق المصالحة، إعادة الأعمار، التخطيط لمسارات الرحل وتنميتها والمحافظة عليها؟.. ستكون لدينا حكومة مماثلة لحكومة الجنوب السابقة. خطاب الرئيس عمر البشير جاء على غير العادة (تقليديا) لم يشعرنا باستثنائية الحدث.. كان الخطاب مكتوبا خاليا من التفاعل المطلوب مع المستجدات التي طرأت والخطاب الذي طبع في كتيب فخم لاشك أنه كتب قبل عدة أيام فكان باردا وفضفاضا.. الذين صاغوا الخطاب نسوا إيراد اسم الرجل الثالث في دولة قطر فلم يرحب به البشير رغم أنه جالس بجانبه وعلى بعد خطوات عندما اطلعت على الخطاب لم أجد اسمه وكانت بحق (خطأ) بروتوكوليا قاتلا.. الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء في قطر ووزير خارجيتها له دور مشهود في إنجاح الوساطة القطرية وهو رجل (بماكينة) رئيس دولة عظمى.. ما زلنا في دعوتنا التي تتأكد يوما بعد يوم موضوعيتها.. نعم أقيلوا مستشاري الرئيس وأريحونا. Yasir Mahgoub [[email protected]]