في زيارة هي الأولى منذ أكثر من عشرين عاماً، وصل إلى القاهرة مساء أمس (الأربعاء) الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي والمفكر الإسلامي المعروف. وتأتي هذه الزيارة بمبادرة شخصية من الدكتور حسن الترابي، وليس تلبية لدعوة من أي جهة مصرية، لذلك هو أحرص على أن تتصف هذه الزيارة بأنّها لكل قطاعات الشعب المصري، وليست لفئة دون الأخرى، لأنّه أحرص ما يكون على معرفة ماذا جرى في مصر؟ وماذا سيجري فيها مُستقبلاً؟ والعمل على الإلمام بتطورات الأحداث في مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير الشعبية المصرية. لم يكن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك يسمح للدكتور حسن الترابي بزيارة مصر، بل إنّ مبارك نُقل عنه أنه هدد باعتقال الترابي إذا دخل مصر، حيث قال: "لو أن حسن الترابي حط رجليه في أرض مصر، سوف نعتقله ونودعه سجن طرة". فالنظام المصري السابق كان على عداءٍ محكمٍ مع الدكتور حسن الترابي، ظناً منه، وبعض الظن إثم، كما علّمنا القرآن الكريم في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"، أنّ الدكتور حسن الترابي متورط في محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا في يونيو 1995، وعلى الرغم من أنّ الدكتور حسن الترابي نفى مجرد العلم بمحاولة الاغتيال، ناهيك عن التورط في تخطيطه أو تنفيذه، لكن النظام المصري السابق حصر محاولة اغتيال حسني مبارك في شخص الدكتور حسن الترابي، باعتباره كان منظر النظام السابق آنذاك. وكان الرئيس المخلوع حسني مبارك يُظهر عداءه للدكتور حسن الترابي في أكثر من مناسبة، إذ أنّه كان كلما التقى بمسؤولين سودانيين، تحدث عن الترابي بسوءٍ، إلى الدرجة التي انتشرت طُرفة بين السودانيين تقول إنّ الرئيس السوداني عمر البشبر، عندما اتصل به هاتفياً الرئيس المخلوع حسني مبارك معزياً في وفاة الفريق أول الزبير محمد صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية في حادث طائرة، أوضح له أنّ سبب الحادث المؤسف عاصفة ترابية، ففوجئ بحسني مبارك يقول له "ألم أقل لك أنّ مصائب السودان كلها تأتي من الترابي"! مما لا ريب فيه أنّ توجس الرئيس المخلوع حسني مبارك من الدكتور حسن الترابي لم يكن قاصراً على مرارات محاولة اغتياله، واتهامه ظلماً للترابي بذلك، بل خشيته من أي تقارب بين الدكتور حسن الترابي وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، حيث كان يعتبرهم المهدد الأول لنظام حكمه، ولذلك لم يعر حسني مبارك اهتماماً لأحاديث الدكتور حسن الترابي النافية لتورطه في محاولة اغتياله. وبعد المفاصلة الشهيرة بين الإسلاميين في السودان بدأت تتكشف خيوط مؤامرة اغتيال حسني مبارك من خلال بعض الإشارات والتلميحات، وأحياناً التصريحات حول الجهات المتورطة في محاولة اغتيال حسني مبارك، لكن سيطرت على الرئيس المخلوع حسني مبارك ما يُعرف ب"فوبيا الترابي" جعلته أسيراً لهذا العداء السافر طوال السنوات التي أعقبت حادث محاولة اغتياله في يونيو 1995. ولعلّ "الفوبيا الترابية" دفعته إلى دعم الرئيس عمر البشير في المفاصلة، حيث ذهب بعض الإسلاميين إلى اتهام جهات خارجية في حدوث تلكم المفاصلة، في إشارة إلى تدخل حسني مبارك في الأمر. أحسب أنّ زيارة الدكتور حسن الترابي الحالية إلى مصر، تجيء وقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر، أهمها رحيل نظام حسني مبارك بعد ثورة 25 يناير الشعبية المصرية، وبداية عهد جديد في مصر انفتحت فيه الحريات، وبدأ محبو مصر يزورونها زرافاتٍ ووحداناً. وفي ذلك قال لي الأخ الدكتور علي الحاج محمد مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي في اتصال هاتفي من اسطنبول، حيث يرافق الدكتور حسن الترابي في زيارتيه إلى كل من تركيا ومصر: "إننا كنا قد حُرمنا من زيارة مصر إلى عدة عقود، وأنّ مصر بالنسبة للإسلاميين مهمة للغاية من حيث التواصل مع شعبها ومفكريها وإسلامييها، لكن نتيجة للطغيان في العهد السابق لم يزر الدكتور حسن الترابي وبعض إسلاميي السودان مصر لسنين عدداً. لذلك تأتي هذه الزيارة بمبادرة منا، وليست تلبية لدعوة من جهة بعينها، وهي زيارة لكل قطاعات الشعب المصري، ولنرى رأي العين ما يحدث في مصر من تطورات بعد ثورة 25 يناير الشعبية". وأضاف الدكتور علي الحاج: "تجيء هذه الزيارة للتأكيد على أهمية مصر بالنسبة للشيخ (الترابي) ولنا جميعاً، ولولا طغيان العهد السابق لم نغب عن مصر طوال هذه السنين، ولكان التواصل بيننا أكثر استمراراً. وأنه من الضروري أن يكون هناك تواصل بين الشعوب، خاصة بين الشعبين السوداني والمصري". وحرص الدكتور حسن الترابي أن تتخذ زيارته الأولى إلى مصر بعد حوالي 23 عاماً بُعداً شعبياً وفكرياً، باعتبارها زيارة غير رسمية، لأنّه يريد أن يتعرف على الشعب المصري في تجلياته الجديدة بعد ثورة 25 يناير الشعبية التي تُجدد له ذكريات ثورة 24 أكتوبر الشعبية السودانية التي كانت بمثابة أول ثورة شعبية يشهدها العالمان العربي والإسلامي. من هنا أبدى الدكتور حسن الترابي رغبة أكيدة في لقاء معظم فئات المجتمع المصري من أحزاب وهيئات ومنظمات ونقابات وصحف وأساتذة ومفكرين ومثقفين، في محاولة منه لمعرفة مكونات المجتمع المصري وطرائق تفكيرها لمعالجة قضايا الوضع الراهن والمستقبلي لمصر والعالم العربي والأمة الإسلامية. وقال لي الدكتور حسن الترابي في اتصال هاتفي قبيل مغادرته اسطنبول متوجهاً إلى القاهرة أمس (الأربعاء) عن أهمية زيارته إلى مصر، إذ أنها تأتي تأكيداً لأواصر العلاقة والوشائج التي تربط الشعبين السوداني والمصري منذ قديم الأزل، فمصر والسودان موصولتين بالجغرافيا والتاريخ وموارد المياه، ثم عمرت هذه العلاقات بعد ذلك بالإسلام. وأنّ تواصل حركة الإسلام الحديثة بين البلدين تداعت وتواصلت في آدابها وتفاعلاتها من طرف لآخر. وأنّ الروابط الفكرية والاقتصادية تجمع بين البلدين، مهما باعدت بينهما شدائد السياسة وتقلباتها. ورغم أنّ الظواهر التي حدثت في بلاد الإسلام فقطعت أواصراها، بدلاً من أن تكون أمة واحدة، تحقيقاً لقول الله تعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ". وشرح لي الدكتور حسن الترابي أسباب عدم زيارته إلى مصر طوال العقدين الماضيين قائلاً: ""إنه من المعلوم أن لنا تشوقات لزيارة مصر، ولكن بسبب الطغيان حُرمنا من أن نهبط أرض مصر، وبزواله زالت أسباب المنع، فجئنا إلى مصر لنرى تجليات حركتها الثورية، ونكون من بين الشاهدين لعهدٍ جديدٍ في مصر. ونتلمس من خلال لقاءاتنا بأعيان مصر وقياداتها رؤاهم في كيف يصنعون مصر. كما نريد أن نتعرف على الشعب المصري في تجلياته الجديدة بعد الثورة. وأصبحنا اليوم في عالم متغير بعد التطورات التي تجتاح المنطقة العربية كلها شرقاً وغرباً، في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا وغيرها. ونريد أيضاً أن نقف على تجليات القوى السياسية في مصر، وهي تفتح أبواب الحرية، وتسعى إلى بسط الشورى والعدالة بين مواطنيها". أما عن نقل الدروس والعبر من تجربة الإسلاميين في الحكم بالسودان، فيقول الدكتور حسن الترابي إنه لا يريد أن يبدو وكأنه جاء إلى مصر معلماً ومنظراً، لكنه قال سنحدثهم عن الخطايا التي ارتكبت خلال حكمنا الإسلامي في السودان حتى يتعظوا بها، وليتقوا الشرور التي وقعنا فيها واعترفنا بها واعتذرنا عنها. أخلص إلى أن الدكتور حسن الترابي يهدف من زيارته لمصر إلى إزالة التصدعات التي أحدثها النظام السابق في علاقته مع بعض النخب المصرية، وتصويره كأحد الكارهين للتقارب المصري السوداني، ولكنه يرفض تعالي بعض المصريين على السودانيين. ويريد الدكتور حسن الترابي من هذه الزيارة أن تبدد التشوهات التي ألحقها به النظام المصري السابق منها أنه يحرض الإسلاميين في السودان ضد مصر، بينما كثير من المحيطين بالدكتور حسن الترابي يعلمون أن هذا الاتهام غير صحيح، بل أنه محبٌ لمصر كغيره من الكثير من السودانيين، وهو من المنادين بالتقارب السوداني المصري، وضرورة أن يدعم هذه العلاقة التي تتسم بالخصوصية بين الشعبين، تبادل المصالح المشتركة من حيث الاستفادة من خبرات مصر في الزراعة والصناعة في تطوير الزراعة والصناعة في السودان، بل هو من دعاة تبادل المنافع بين البلدين في قضايا تشجيع الاستثمار بين المستثمرين في البلدين، واستقدام الفلاحين المصريين لاستصلاح أراضٍ زراعية في السودان. ويريد الدكتور حسن الترابي أن تكون العلاقات مع الشعوب هي الحاكمة، ويرى أنها التي ستبني المستقبل، ويدعو إلى الاستفادة في ذلك من تجارب الأوروبيين الذين توحدوا بعد كل الحروب الدموية التي جرت بينهم في الحربين العالميتين. وأن علاقات الشعوب، هي العلاقات السوية وهي العلاقات التي تتميز بالاستمرار والديمومة، لأنها لن تتأثر بالاضطرابات السياسية للأنظمة. ويريد الدكتور حسن الترابي أن يقف بنفسه من خلال هذه الزيارة ومن خلال لقاءاته بقياداتها ومفكريها ومثقفيها وبعض شعبها، على حقائق ثورة مصر، لأنّهم نواطير هذه الثورة، وأنه يدخلها إن شاء الله آمناً، وينفي عن أهلها ما زعمه أبو الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبيء عن أجداداهم حين قال: نامت نواطير مصر عن ثعالبها وقد بُشمن وما تفنى العناقيد ولكن الدكتور حسن الترابي في زيارته إلى مصر هذه ربما تغنى مع محبي مصر، على مذهب الإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الأندلسي القرطبي الذي أجاز الغناء والموسيقى، ببعض أبيات الشيخ عبد الرحيم البرعي في قصيدته "مصر المؤمنة": يا صاحِ هِمَّنا لزيارة اُمنا مصر المؤمّنا بأهل الله لا تجهل أمرهم في مصرَ مقرهم هم أهل البيت الواضح سِرَّهم زُورهُم بمحبة تَشرب من دَرََّهُم وأحسب أن الأخ الأستاذ المحبوب عبد السلام مسؤول الإعلام الخارجي في المؤتمر الشعبي قد بذل جهداً مقدراً في تنظيم هذه الزيارة، ووضع برنامجا حافلا للدكتور حسن الترابي في القاهرة، من خلال اللقاءات التي أجراها مع فعاليات وشخصيات فاعلة في المجتمع المصري، تمهيداً لهذه الزيارة التي سيلتقي خلالها الدكتور حسن الترابي برموز فكرية وحزبية ومرشحي الرئاسة المصرية، منهم عمرو موسى والدكتور محمد البرادعي والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمد سليم العوا. كما سيلتقي الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا شنودة والدكتور محمد بديع مرشد الإخوان المسلمين وعدد من رؤساء الأحزاب منهم الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد والدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد والدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع، بالإضافة إلى إئتلاف الثورة ومجموعة من رؤساء تحرير الصحف المصرية. كما سيلقي محاضرة في مركز الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، وسيلتقي ببعض المفكرين والصحافيين والشخصيات المصرية في مركز الأهرام الإستراتيجي. ويتضمن البرنامج المعد لهذه الزيارة حفل توقيع لثلاثة كتب للدكتور حسن الترابي، وهي "اتفسير التوحيدي" و"السياسة والحكم" و"الفقه السياسي". ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: "فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ". وقول الشاعر الغنائي أحمد رامي: مصر التي في خاطري وفي فمي أُحبها من كل روحي ودمي ياليت كل مؤمن يعزها يحبها حبي أنا بني الحمى والوطن من منكم يحبها مثلي أنا Imam Imam [[email protected]]