البرهان يتفقد مقر متحف السودان القومي    بيان من سلطة الطيران المدني بالسودان حول تعليق الرحلات الجوية بين السودان والإمارات    بدء برنامج العودة الطوعية للسودانيين من جدة في الخامس عشر من اغسطس القادم    المصباح في زجاجة.. تفاصيل جديدة حول اعتقال مسؤول "البراء" الإرهابية بالقاهرة    إعراض!!    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    "واتساب" تحظر 7 ملايين حساب مُصممة للاحتيال    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    بيان من الجالية السودانية بأيرلندا    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وا جنوباه .. بقلم: الأمين جميل
نشر في سودانيل يوم 23 - 07 - 2011

ليعلم كل من يحاول أن يعبث بوطننا بأننا أحفاد الأُلي خاضوا معارك الحرية على مرّ التأريخ لن نقف مكتوفي الأيدي.
لك الحمد مهما استطال البلاء .. و مهما استبد الالم
لك الحمد ، إ ن الرزايا عطاء .. و إن المصيبات بعض الكرم
كنت أردد هذا المقطع من مأساة الحلاج كلما ألمت بي المشاكل و كلما هاجمتني المصائب ، و هن كثر و الحمد لله ، فاجد في الكلمات بعض السلوى فتهدأ اعصابي المتعبة و تسكن نفسي الحزينة ، لكن في التاسع من يوليو كانت مصيبتي من نوع آخر، نوع لم آلفه من قبل و حزني كان عميقا و فريدا ووجدت نفسي اردد بلا وعي مني أبياتا من قصيدة "دموع على ضريح القلب "لصلاح عبدالصبور
جنوب يا جنوب .... يا مرتع الظباء .... يا موئل الحبيب .... يا زهرة فواحة تحبها القلوب
جنوب ارضك كالجنان .... ملأى بانواع الحنان
وثراك مسك أدفر .... ورباك من حب الجنان
و الناس في "غاباتك" كالورود في الروض المصان
جنوب "أهلي" في رباك .... "و الشهيد" هناك ....على بساط ثراك
و انا تسيل مدامعي ....و يثور في صدري هواك
لم تسل مدامعي كما سالت مدامع عبد الصبور فقد وهبني الله قدرة كبيرة على امتصاص الكوارث، قدرة قوّتها التجربة و صقلتها الغربة ، لذلك لم أبكي و حتى لم أجد في داخلي تعاطفا مع ظبية ود الرضي ، التي استغلت الوابور من المجرور وهي لا تعلم أن الرنك لن يحتفل ببهائها و إنها لن تشاهد جلهاك و لا كاكا ولا ملوط ولن تسعد الباعه في كدوك بقدومها و لن تر ملكال و لا تونجه و لا منقلا و لا حتى جوبا و سيغيب البدر الخفا الأنجاف قبل وصوله الرجاف . لن تمر على هذه المدن و ستنتهي رحلتها في القيقر أمام ضابط الجوازات ، اللهم إلا إذا و هبها الله حظ "مستر فلس فوق" عند مروره بقناة السويس أثناء رحلته حول العالم في ثمانين يوما. لا لن أواسي اللذين لم يبارحوا الخرطوم إلى جوبا بدون تأشيرة ولا اللذين لم يرو جبل لادو و لن اسمح لذهني باسترجاع ذكريات أربعة سنوات جميلة ، في مطلع الستينات ، قضيتها في معية أسرتي في الرنك ، التي كان والدي مديرا لمدرستها الأولية ، و كنت في عطلات الدراسة أذهب للميناء للبحث عن القرنتي، و لا أيامي في ملكال حيث كنت أذهب مع رفاقي للشاطئ نتباري في صنع الدوائر بالحصى في مياه النيل الابيض الهادئة هدوء المكان .. لا ، لن أفتقد العم ماجوك الذي كان يجلس تحت الشجرة الوريفة الظليلة أمام المستشفي مرتديا اللاوا ينفث التبغ الرخيص من غليونه البلدي الطويل في هدوء يحدق في الفراغ و المجهول ، ولا أخي طوني ولا أختي بول فهما مجرد صبي و صبية من الدينكا لا يهمني أمرهما ، لن توحشني الصبايا الفارعات بلون الابنوس اللامع يضارعن مرية الأستاذ صلاح أحمد إبراهيم فتنة و بهاءا .
لا لن أبكي زعيمي و قائدي الشريف حسين الهندي ، رحمه الله رحمة واسعة بقدر ما قدم لهذا الوطن ، ساهر الليالي و دخل الغابات و الأدغال ليجتمع مع قوردن مورتات الزعيم الجنوبي الذي كان يطالب بحق تقرير المصير و تكلل جهده بتخلي مورتات عن ذلك، في اجتماع أخير عقد بلندن في منزل المرحوم الأستاذ احمد زين ..
لن أخجل من ثقة الشريف حسين فينا و هو يعلمنا بأننا نحن الأمناء و الحراس على مسيرة الشعب و الحفظة على مكتسباته الوطنية ،
لا لن ألعن حظنا العاثر الذي حال دون تطبيق إتفاقية الميرغني قرنق و لن أتهم احدا بالغباء لعدم مقدرته على استيعاب مذكرة استاذي على محمود حسنين حول اتفاقية السلام الشامل ، و قد أرسل لي نسخة منها في لندن في نوفمبر 2006 و جاء فيها بخصوص برتكول مشاكوس ما يلي :
" بروتوكول مشاكوس :-
لعل مفتاح إتفاقية السلام الشامل هو بروتوكول مشاكوس فهو إتفاق إطارى ينص على ما يلى :-
أولاً : تقسيم السودان على أساس دينى .
فالشريعة تطبق فى الشمال الجغرافى على المسلم و غير المسلم و تطبق العادات و التقاليد فى الجنوب على الجميع و من ثم فإن أحكام الشريعة لا تطبق على أساس شخصى بل على أساس جغرافى و هذا يمهد الطريق للإنفصال عند إجراء الإستفتاء لا سيما إذا تصاعدت المواجهات و عدم الثقة بين طرفي الإتفاق و إذا لم تتخل السلطة عن تفكيرها الإقصائى و الذى كان سبباً للمطالبة بتقرير المصير حيث لم يكن ذلك وارداً فى عهود خلت و عندما أبرمت إتفاقية السلام بين الحركة الشعبية و الحزب الإتحادى الديمقراطى فى 16/11/1988 م و أجازتها الجمعية التأسيسية ".
مرة أخرى لن اتعاطف و لن أثمّن موقف استاذي على و هو يبذل الجهد مع روؤساء الاحزاب و التنظيمات و القادة السياسيين ، قبل و بعد و أثناء مؤتمر جوبا ، ليتخذوا موقفا موحدا تكون الحركة الشعبية جزءا منه قبل استفتاء يناير فكان بينهم كصالح في ثمود .
لا ، لن اتحسر على البترول و لا الغابات و لا خيرات الأرض و لا تنوع المناخ ولا مياه بحر العرب وبحر الجبل و بحر الغزال و بحرالزراف و السوباط و لا حتى قناة جنقلي ، فهي مياه راكدة رائحتها و طعمها طحالب واسماك و لونها متغير من كثرة فضلات الحيوانات التي لم نصطادها بعد .
لن أقلق على تركي قبر المجاهد الشهيد دون حراسة فروحه في الجنة باذن الله و مقبرته تحلق فوقها مروحيات من تل أبيب و يقوم مهندسون من شيكاغو الامريكية و كنت البريطانية بتزينها بالورد الانجليزي الأحمر .
لا لن يزعجني أمن الحدود الجديدة فحدودنا مفتوحة أرضا و جوا و بحرا فهذه بلاد الله و بلاده واسعة لا تحدها حدود .
نحن شعب طيب و متسامح ، وُقعت اتفاقية السلام الشامل و ذهب ثلث وطننا دون استفتاءنا ، و في صباح ضياع ارضنا احتشدنا على جانبي الطرق الرئيسه نتفرج على أرتال العربات المدرعة و على ظهرها الرشاشات و المدافع من كل نوع و حاملات جنود مكافحة الشغب و هم مسلحون بالاسلحة الرشاشة الخفيفة و بعضهم بالعصي و السياط و سيارات النجدة من أمامهم و من خلفهم .. قصدوا باستعراضهم هذا إخافتنا لكنّا لم نخف فقد كنا مبلدي الاحاسيس و المشاعر ، لم ينفعل فرد منا و لم يصيح أحدنا يا للعار ذهب الجنوب ، ولم تولول إمرأة و لم يهتف أحد "منقو قل لا عاش.. من فصلنا " ! أرأيتم كم نحن طيبون و متسامحون ؟
لست هنا في وارد تقريع الذات و معاقبتها فما ذهب يمكن أن يعود .. نعم يمكن أن يعود الجنوب طائعا مختارا للسودان الكبير فإذا ما استحضرنا الماضي و قرأنا تاريخ الشعوب نجد بين أيدينا الوصفة السحرية لذالك في تجربة الشعب الالماني - رغم اختلاف اسباب الانفصال - فقد قسمت ألمانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وفقا لاتفاقية يالطه الى أربعة مناطق كانت السيادة فيها للولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي و بريطانيا و فرنسا ، و في عام 1949 اصبحت دولتان ، ألمانيا الغربية و تتبع للمعسكر الرأسمالي و ألمانيا الشرقية و تتبع للمعسكر الشيوعي ، كان بين الدولتين عداءا سافرا فشيدوا في أغسطس 1961جدار مدينة برلين الشهير ليقسم المدينة الي برلين الشرقية و برلين الغربية و يكون حدا فاصلا لا يمكن تجاوزه ..قامت ألمانيا الشرقية كدولة أمنية بوليسية نظامها السياسي هو نظام الحزب الواحد فكممت أفواه الشعب و ساد الفساد و انهار تبعا لذلك الاقتصاد بينما قامت ألمانيا الغربية على أساس ديمقراطي ليبرالي كانت السيادة فيه للقانون و اتجهت نحو الصناعة فانتعش إقتصادها و بنت ما دمرته الحرب و بينما كان الالمان الغربيون يتمتعون بالرفاهية و الحياة الكريمة كان الشرقيون منهم يعانون الفقر و الإذلال و يموتون رميا بالرصاص و هم يحاولون تسلق الجدار الفاصل . لقد لعب الألمان الغربيون دورا أساسيا في تقدم دولتهم فاشتهروا بقوة الإرادة و الإخلاص في العمل و التفاني في حب وطنهم ..هذا فعندما انهار النظام الشيوعي انهار جدار برلين بالإرادة الشعبية في التاسع من نوفمبر 1989 و عادت ألمانيا الشرقية طائعة دون شرط للوطن الأم لتشكل الدولتان ألمانيا الحديثة .
إذن ، إذا أردنا أن يعود الوطن موحدا مرة أخرى يجب أن نبني دولة القانون الدولة المتحضرة الديمقراطية الليبرالية التي تُحترم فيها الحريات المدنية و السياسية للمواطنين و تتحقق فيها المساواة ببعديها السياسي و الاجتماعي . باختصار يجب أن أن نهجر ثقافة التهريج و سياسة التخويف و أن نستشف التجربة الألمانية . علينا أن نعمل و أن نحب بصدق تراب وطننا و أن ندافع عنه في كل المحافل و ألا نسمح بتقسيم أرضنا و تشريد أهلنا و ليعلم كل من يحاول أن يعبث بوطننا بأننا أحفاد الأُلي خاضوا معارك الحرية على مرّ التأريخ لن نقف مكتوفي الأيدي و أستهدي بقول معلمي الزعيم الشهيد الشريف حسين " نحن بنو الموت خفاقة علينا ألويته ،سنبعث موت الفجاءة لكل من طغى و تجبر ، معنا الحق و الدين و الشرع – سنبعث موت الفجاءة لكل – من أصر و استكبر و أصم أذنيه من كل نصيحة ،و أوغل في كل كبيرة و حرق ديارنا و أرضنا و شرد أهلنا و شعبنا - إن مثل هذا – لم يترك لنا عذر و على رأسه يقع وزر كل ما سيحل بوطننا من خراب و دمار و فناء ، و هو البادئ و الظالم و الأظلم ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.