هناك فرق أصيل بين القانون الموضوعي والقانون الاجرائي، فمثلاً القانون الجنائي هو قانون موضوعي يتخصص في مواضيع الجرائم ضد المال كالسرقة والجرائم ضد الإنسان كالقتل والجرائم ضد الدولة كالفتنة ويحدد أركان الجرائم وعقوباتها والدفوع المسقطة للمسؤولية الجنائية كحق الدفاع الشرعي، والدفوع المخففة للمسؤولية الجنائية كالاستفزاز الشديد المفاجيء ، والقانون المدني هو قانون موضوعي آخر يتخصص في مواضيع المعاملات المدنية ، كالمبايعات والوكالات وهلم جرا ، أما القانون الإجرائي، كقانون الإجراءات الجنائية وقانون الاجراءات المدنية ، فهو قانون يتخصص في تحديد أنواع المحاكم واختصاصتها الموضوعية والنوعية والقيمية ويرسم إجراءات التقاضي ابتداءاً من تقديم إعلانات الحضور، تقديم لوائح الإدعاء ، الاستجواب الرئيسي، المناقشة وإعادة الاستجواب ، تبادل مذكرات الإدعاء ومذكرات الدفاع الختامية، مروراً بإصدار الأحكام وإنتهاءاً باستئناف الأحكام ثم تنفيذها بالتراضي أو بالقوة الجبرية، وإذا تخيلنا القانون الموضوعي في شكل قطار فإن القانون الإجرائي يشكل القضبان التي يسير عليها هذا القطار ابتداءاً من محطة الانطلاق ، مروراً بمحطات الاستراحة وإنتهاءاً بمحطة الوصول ، ولهذا فإن وجود قوانين موضوعية وقوانين إجرائية جيدة يشكل أكبر ضمان لتحقيق العدالة في وقت معقول بحيث يتم رفع الظلم عن المجنى عليه أو المضرور ومعاقبة الجاني أو مسبب الضرر بعقوبات أو جزاءات مالية تتناسب طردياً مع حجم الجناية أو الضرر محل الدعوى. من الملاحظ أن معظم الأنظمة القضائية في العالم تعاني من بطء القوانين الاجرائية حيث تتطاول مواعيد الاعلانات والجلسات والاستئنافات بصورة لا تُطاق مما يؤدي إلى تأخير تحقيق العدالة بصورة غير معقولة حيث تستغرق إجراءات الفصل النهائي في الدعاوى سنين عددا علماً بأن التأخير في تحقيق العدالة هو ظلم جديد يقع على المجنى عليه أو المضرور حيث تصبح قيمة المطالبة التي يحصل عليها في نهاية المطاف غير متناسبة مع قيمة الضرر الذي لحق به نظراً لانخفاض القوة الشرائية لعملة المطالبة بسبب مرور الزمن، ولعل أسوأ الأمثلة على ذلك هو ما شاهدته في ساحات إحدى المحاكم حين اصطدمت بقضية إمرأة معوقة تجاوزت العشرين وكانت حينها تطارد التعويض عن بتر ساقها بسبب حادث مروري تعرضت له وهي طفلة في السابعة! وتحكي إحدى الطرائف القانونية قصة محام استغل إجراءات التقاضي وتمكن من تمطيط اجراءات قضية معينة بصورة خيالية حيث خطب وتزوج وأنجب أولاداً من اتعاب تلك القضية وأصبح أحد أولاده محامياً وما زالت تلك القضية تبيض ذهباً للمحامي إياه، لكن المحامي الإبن سارع دون علم المحامي الأب إلى إجراء تسوية بشأن القضية إياها في جلسة واحدة وعندها استشاط المحامي العجوز غضباً وصاح قائلاً: يا ابني أنا ربيتك بهذه القضية فكيف تنهيها أنت في جلسة واحدة؟! من المؤكد أن البطء الإجرائي الشديد هو الذي يدفع الشركات الحديثة إلى اللجوء للتحكيم باعتبار أن التحكيم يمثل إجراءاً قانونياً سريعاً يؤدي إلى حسم المنازعات في وقت وجيز يُحدد مسبقاً بين الأطراف لكن هذه الميزة القانونية لا تتاح للأفراد، ولهذا يُمكن القول إنه في ظل التطور الراهن في وسائل الاتصال الحديثة كالجوال والانترنت ينبغي على الجهات التشريعية في كل أنحاء العالم تعديل القوانين الاجرائية بتقصير آجال اعلانات الحضور ومواعيد الجلسات ومدد الاستئنافات وفرض غرامات تصاعدية على التأجيلات غير المبررة بغرض تحقيق العدالة الناجزة التي تعتبر الهدف النهائي لأي دعوى قضائية كما ينبغي سد الثغرات الإجرائية التي تتيح لبعض المتقاضين استغلال إجراءات التقاضي واللجوء إلى المماطلات التاريخية المهدرة لحقوق الآخرين دون أي مبرر على الاطلاق!