النقد بين الذاتية الفاضحة والموضوعية الواضحة السؤال هل الفضائيات السودانية فاشلة؟؟؟؟ أتاحت الانترنت مساحة لا بأس بها للكتابة للعديد من الناس ليعبروا ويعربوا عن آرائهم ومشاعرهم وانطباعاتهم عما يدور في الساحة بمختلف ضروب ما تعج به من نشاط سياسي، ثقاقي، اجتماعي، فني، أكاديمي وغيرها من الانشطة المتنوعة. وقد نتج عن هذا النشاط التعبيري تنوع كبير في الأساليب والمنهج، ولكن من البدهي أن تكون هناك نسبة كبيرة ممن يعبرون عن آرائهم غير ملتزمة أو غير ملمة بأصول الكتابة والحرية المتاحة دون المساس بمشاعر الآخرين. وقد يفهم خطأ أن تلك كتابات نقدية، لكن في واقع الأمر هي بعيدة كل البعد عن النقد الموضوعي الهادف وهي لا تعدو أن تكون مجرد انطباعات وردود أفعال فورية متسرعة لأفعال بعينها لا تخضع لأي أهداف أو منهج محدد كما أنها لا تخضع لأي عرف أو قيمة اجتماعية مرعية. لقد لاحظت أن كثيرا ممن يكتبون أو ينتقدون مؤسسات أو جهات بعينها لا يلتزمون بالأصول المرعية في أدب الكتابة والنقد الموضوعي الهادف، ويطلقون أحكامهم وأوصافهم جزافا دون مراعاة لأي شئ، مستخدمين الألفاظ الجارحة (الهابطة) التي لا تليق بنا حضاريا أو بعقيدتنا السمحة التي تدعو الى التسامح والتوقير والتقدير والتعامل بالتي هي أحسن حتي لا يخرج الموضوع من نطاق النقد والتوجيه البناء الى السب والقذف والتجريح واشانة السمعة، وكذلك الذين يكتبون في شئون السياسة بعضهم، بل كثير منهم، درج على استخدام اسلوب دخيل على مجتمعنا وثقافتنا السمحة المتسامحة، اسلوب ينافي منهجنا وديننا الحنيف الذي يحض على استخدام الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. اسلوب للتحدي والاستهزاء والاستهتار أقرب ولغرس الفتنة والأحقاد والتنفير أدعى، بينما نحن أناس عرفنا بالتشبع بقيم فاضلة وأخلاق حميدة ومعاملة سامية لكل من يخالفنا في الرأي وبقدر كبير من التسامح وضبط النفس واحترام الرأي الآخر، حتى لا حظ العالم اجمع تلك الصفات والآداب محل التزام الجميع خلال فترات التفاوض بين الفئات المتحاربة التي حملت السلاح ولجأت الى طاولات المفاوضات، فكانوا يتفاوضون (كأعداء) واذا انفضت المفاوضات تصافحوا أصدقاء وتعايشوا زملاء وبصفاء لا يكدر صفو علاقتهم كأبناء بلد واحد. فمن أراد أن ينتقد أو أن يعبر عن رأيه فعليه الالتزام بقواعد النقد الموضوعي بعيدا عن التهريج والتجريح والأسلوب (السوقي)، هذا طبعا بالنسبة لغير المهنيين من الاعلاميين والصحفيين المحترفين الذين يعرفون دون شك ذلك الأمر جيدا، أما خطابي هنا فموجه الى غيرهم من الفئات الأخرى التي يجنح بعض ممن ينتسبون اليها الى ذلك الأسلوب غير الحضاري أو الى قلة من الاعلاميين (المتطرفين) الذين لا يقدرون الأمور بشكل صحيح. فالناقد لا بد له من توثيق ما يدلي به من حقائق وأدلة على صحة كلامه دون تعدي حدود الأدب واللياقة والخطوط الحمراء المتعارف عليها بين أقراد الأمة والعامة، ولا يركن الى الاسلوب الشخصي ولا يقحم في الموضوع الذي يتناوله أي مؤثرات شخصية تتعلق به ذاتيا، كحقد شخصي أو تصفية حسابات قديمة أو غيرها مما قد يتعلق بالقضية محل الاختلاف، بل عليه مراعاة المصلحة العامة ولا يجعل من الأسلوب الجارح مطية كما يفعل بعضهم. وغير بعيد من اليوم قرأت لأحدهم كلمة مسح فيها وقيم أنشطة وبرامج جميع القنوات التلفزيونية الفضائية السودانية العاملة بما فيها الفضائية السودانية القومية وأصدر حكمه عليها في بضع وعشرين سطرا صب في نهاية تقويمه جام غضبه على قناة تلفزيونية فضائية سودانية ذكر اسمها علنا (واستميح القارئ الكريم واستسمحه في ايراد هذا المثال) بعنوان: الى الجحيم ايتها الساقطة ............ والقارئ في عجالة لهذا العنوان الجارح لايمكن ان يفهمه سوى انه وصف لامرأة ساقطة (مومس) والعياذ بالله ولن يكون بأي حال من الأحوال وصفا لحال قناة فضائية وطنية مهما كان (سقوطها)، والغريب في الأمر أن الكاتب قد أورد حديثا للمصطفي صلى الله عليه وسلم، يستشهد فيه بنوعية الصحبة (حامل المسك ونافخ الكير) ولا يدري هو دون أن يقصد قد نفخ في هذا (الكير) فأثار الكثير من الروائح الكريهة النتنة التي تزكم أنوف القراء. فالقناة التي استشهد بها الكاتب وأوردها كمثال للهبوط والسقوط،، (وليس دفاعا عنها ولكن للحقيقة والتاريخ) هي من رائدات الفضائيات السودانية الخاصة التي وقفت في مهب الريح تنافح وتكافح من أجل البقاء والصمود في وجه التيار العاتي الذي جرف قنوات عدة تهاوت ليس بسبب برامجها (الساقطة) وانما بسبب هشاشة (الموازنات) ،حيث تحتاج هذه القنوات الى (ظهر) مادي متين يكون لها ظهيرا على تحمل الأعباء المادية الجسيمة، فهل بهذا الأسلوب نقوم قنواتنا ونصحح كبواتنا ونعيد الثقة في أنفسنا، ما هكذا تورد الابل. ان كنا فعلا جادين مجدين فعلينا ان نتدارس الأمر بموضوعية و(مفهومية) بعيدا عن التجريح والاستهتار والسب والصياح والهياج وبكل هدوء وتسامح وامتثال لهدي ديننا وعقيدتنا السمحة ونعطي القوس (باريها) لكي يحدد نقاط الضعف ونضع اليد على الداء ومن ثم تشخيصة ثم اجتثاثة بالفعل الواضح لا بالقول الجارح. وبالله التوفيق.