بقلم: الرشيد حميدة الظهران/المملكة العربية السعودية رمضان كريم، رمضان شهر التوبة والغفران، رمضان هذا الشهر الفضيل، رمضان شهر الصوم ومراقبة النفس. ضيف كريم عزيز يدخل بيوتنا ومعه تزف الفرحة الى داخل قلوبنا ونفوسنا التي تحتاج الى ترويض وتدريب تستطيع أن تتكيف معه للظروف الطارئة والملمات التي قد تصادفنا أثناء مشوار الحياة الطويل. وبالفعل هذه احدى فوائد رمضان، حين يكسر روتين الشهوات والعادات السيئة أو الخلل الذي يصيب سلوكياتنا الحياتية. فالعادات التي تسيطر علينا مثل التدخين قد نجد الفرصة في رمضان لردعها ومحاولة التخفيف منها بل تركها والاقلاع عن التدخين كليا ونهائيا، ولعل العديد من المدخنين (المدمنين) لهذه العادة منذ عشرات السنين قد وجدوا في رمضان بلسما ومعينا على مفارقة تلك العادة الضارة وانضموا الى ركب غير المدخين مباشرة بعد انقضاء الشهر المبارك، حامدين وشاكرين المولى عز وجل على ذلك التوفيق في الشهر الفضيل، ولابد أن تتوافر الارادة القوية والعزيمة الجادة لوضع (الأماني) حيز التنفيذ. لأن الموضوع في اساسه يرتكز الى النواحي النفسية المساعدة للنواحي البدنية، فعادة التدخين من العادات المتأصلة في اعماق النفس وتحتاج بالتالي الى مجاهدة وجهاد والى مجهودات جبارة. ولكن الشهر الفضيل يساعد بسبب أجواء الشهر الروحانية والنهار الطويل الذي يمتنع فيه المرء عن التدخين توطئة للوصول الى محطة الانطلاق الى الاقلاع النهاني عن التدخين. وهذه فرصة طيبة تتوفر في هذا الشهر. وكلنا يعرف الأثر السئ للتدخين على صحة الفرد والمجتمع سواء بسواء، فقد بات من المؤكد أن ضرر التدخين لا يتوقف عند المدخن فقط بل يتعداه وبشكل خطير الى ما يعرف بالمدخن السلبي الذي يكون على مقربة من المدخن أو من يجالسه في نفس المكان من أصدقائه وزوجته وأطفاله الصغار في البيت أو زملائه في العمل أو في المرافق العامة كالمواصلات والأسواق وغيرها، وهكذا تتأكد خطورة التدخين على أفراد المجتمع كافة وتتعاظم مخاطرة على الأمة جمعاء. فمن باب أولى أن يفكر متعاطيه بشكل جاد في مسألة الاقلاع عنه. وحري بنا ايضا أن نجعل من رمضان موسم اقلاع عن جميع العادات الشخصية الضارة بصحة المرء العامة أيضا وكذلك الاجتماعية ومد جسور المحبة والتواصل الى جميع ذوي القربى والصلات الأخوية والصداقة، فعلى كل فرد مراجعة العادات الصحية التي أضحت تتهدد صحته وسعادته، فمثلا هذا يحب الحلوى ويكثر بل يفرط في تناولها بشكل قد يجعله عرضة للعديد من المخاطر الصحية التي انتشرت في زماننا هذا من ارتفاع لنسب الكوليسترول والدهون في الدم وغيرها من العوامل المؤثرة على أداء ووظائف أعضاء الجسم الحساسة كالكبد والقلب والكلى والبنكرياس، بل قد يتعدى أثرها على زيادة وزن الجسم فتسبب السمنة المرضية التي لها العديد من المخاطر الصحية ايضا والتي قد تجلب للمرء امراضا هو في غنى عنها، سيما وأن الوزن الزائد يضغط على الركبتين مما يسبب العطب لهما أو اعاقة وظائفهما ويؤدي (والعياذ بالله) الى اقعاد المرء. ومن العادات الضارة الافراط في تناول كميات كبيرة من القهوة أو غيرها من المنبهات شديدة المفعول مما يسبب (التعود) وبالتالي يؤدي الى حدوث الصداع المزمن والتأثير على كيمياء الدم التي قد تنجم عنها العديد من الأمراض التي يمكن للمرء تفاديها والوقاية منها بالاقلاع عن تناول القهوة نهائيا أو تقليل الكميات التي يتناولها. وليكن شهر رمضان أيضا موسما نراجع فيه كل ما يتعلق بصحتنا الغالية التي وهبنا اياها المولى عز وجل لنستغلها كسائر نعمه الأخرى في طاعته ومرضاته ومرضات رسوله وفي ما هو جالب للخير في دنيانا وآخرتنا، لا في معصيته واثارة غضبه وسخطه علينا. أما مد جسور وأواصر المحبة والصداقة فيتمثل في مراجعة علاقاتنا بارحامنا في المقام الأمل وهل هي في الطريق والمسار الصحيح ، فإن وجدنا ذلك فعلينا العمل على تأكيدها وتوطيدها وتمتينها عبر الوسائل المتاحة لنا من تبادل للزيارات التفقدية للارحام والاحسان اليهم ولكن ليس عن طريق رد الزيارات فقط، ولكن عن طريق المبادرة والمسارعة الى الزيارة والاستعانه والاقتداء بهدي المصطفي في هذا المنحى والمنهج (ليس الواصل بالمكافئ) أي لا زيارة بزيارة، وعلينا مراجعة تلك العلاقة وصيانتها والنأي بها عن أي سبب يؤدي الى قطيعة أو تعثر في انسياب حركتها، وتوطيد أواصر المحبة وترقيتها الى أعلى مراتب التواصل والتحابب المطلوبة. وتأسيس علاقات الأبناء والبنات مع نظرائهم من الأقارب ورعاية تلك العلاقة في مهدها ودعمها ومراقبتها عن كثب لضمان استمراريتها واستدامتها على الوجه الأكمل الذي يؤكد جني ثمارها وسلامتها وخلوها مما يهدد تواصلها وتوطيدها وتمتينها. وكذلك مراجعة حقوق الجيران ومحاولة احياء وتغذية جذور العلاقة والسؤال عن الجيران وتفقدهم وابداء الاهتمام بهم وافشاء السلام بينهم وعيادة مريضهم والمبادرة الى الاسراع في مشاركتهم كل مناسباتهم من التهنئة بالنجاح والتفوق الدراسي لأولادهم وغيرها، ومراجعة أوجه القصور التي تؤدي الى الفتور في علاقات الجيرة التي اصيبت في زماننا هذا بعطب شديد ينكره ديننا الحنيف وتقاليدنا وأعرافنا العريقة الضاربة في جذور الحضارة الانسانية. وكذا مؤاساتهم في كل أحزانهم والمصائب التي تحل بهم تخفيفا عليهم من عبئها وتأثيرها السالب عليهم. والأهم من ذلك هو أمر جديد على مجتمعنا ألا وهو التفكك الأسري داخل الأسرة الواحدة التي أضحت كل مكوناتها مفككة تعاني من انفصام شديد لوحداتها (الأساسية) حتى صارت هناك هو سحيقة بين الأب وباقي اعضاء الاسرة من جانب وبين أفراد الأسرة وبعضهم، حتى أصبح الأخ يعرف اخبار أخيه اما من زملاء دراسته أو أصحابه في الحي، والأم أضحت لا تعرف كبير شئ عن بناتها المفترض ان تكون لصيقة بهم سيما في سن المراهقة، التي قد تخضع فيها الفتاة أو الفتي لتغير كبير في اخلاقه/اخلاقها أو السلوك العام. فنجد الأب (المغيب) تماما عن ساحته الأسرية لا يعرف عنها شيئا. وقد يخرج بعض الآباء من دورهم ويتركون أفراد اسرتهم نيام ويدخلون البيت (آخر الليل) وهم نيام أيضا ولا يلتقون أبدا كالخطين المتوازيين، وبالتالي يفتقد الأبناء حنان وعطف الأب ورعايته وتوجيهه ويعمل كل منهم حسب هواه وحسب ما بدا له، يفتقدون أدنى وسائل الرعاية الأبوية والنصح والارشاد والمشاركة الوجدانية لمشاكلهم ان وجدت وربما انحرفوا عن الجادة وتطبعوا بعادات من يخاللوهم من أصدقاء السوء حيث بدأنا نسمع عن قصص لا تصدق تجري في مجتمعاتنا من انحطاط بعيد في الأخلاق والسلوك والتربية، وقد انشغل الولدان كلاهما يحياته الخاصة عن واجباتهما وأصول التربية والرعاية، نجد أن الانحراف السلوكي قد تفشي بين الجنسين وعظمت نسبته الى معدلات مخيفة تقشعر لها الابدان في زمان اختلت فيه القيم والموازين جراء ظهور عادات وتقاليد غريبة على مجتمعاتنا نتيجة لاختراق نظم الاعلام والعولمة للضوابط والثوابت والقيم الاخلاقية المعروفة منذ الأزل، فتلك الوسائل أصبح معظمها معاول هدامة تبث سمومها عبر (الأثير) وشبكات الأقمار الاصطناعية التي أحاطت بفضاء كرتنا الارضية احاطة السوار بالمعصم ولم تترك بابا للفساد والافساد الا وطرقته مستهدفة تلك الطبقة (المأمولة) من شباب المستقبل الذي نعول عليه في عمليات الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي وبناء مجد الأمة بأسرها. ارجو ان يكون ذلك بمثابة انذار الخطر لتلك السلوكيات التي اصابها الانحراف وأن يكون رمضان فرصة طيبة للمراجعة واعادة النظر في العديد من عاداتنا الشخصية والاجتماعية وغيرها وبالله التوفيق. alrasheed ali [[email protected]]