ما إن يحل شهر رمضان الكريم حتى يبدأ المسئولون في ديون الزكاة في التدافع على الكاميرات لتظهر من خلفهم أكوام عبوات المواد التموينية التي ستوزع في رمضان على المحتاجين التي يطلقون عليها قوافل رمضان وأسماء أخرى،ثم تتبضع الكاميرات ، مدفوعة الأجر، بعد ذلك وطوال الشهر الفضيل بين موائد الإفطار ووجوه المحتاجين. شاهدت السيدة وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي والسيد أمين عام ديوان الزكاة وهما يتباهيان بما سيقدم من مواد غذائية للفقراء الصائمين بطريقة لا تخلو من المن الذي يؤذي المحتاج. عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَال :َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) .. إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى كَرِهَ لِي سِتَّ خِصَالٍ ، وَكَرِهْتُهَا للأوصياء مِنْ وُلْدِي وَ أَتْبَاعِهِمْ مِنْ بَعْدِي .. مِنْهَا الْمَنُّ بَعْدَ الصَّدَقَةِ (الكافي ج4). ومن أهم شروط الصدقة تجنب المنة على الفقير أو تذكيره بجميله عليه أو تكليفه بأي عمل مقابل صدقته ولو كانت الدعاء له. قال الله تعالى: "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" البقرة 262.وقال، جل من قال،" قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم "البقرة 263. وقال "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى البقرة"264. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وعدّ منهم.. "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" رواه البخاري ومسلم. هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة موجهة إلى من يتباهي ويمتن بما ينفقه من حر ماله على المحتاجين، لكن الوزيرة وأمين ديوان الزكاة والمسئولين في ديوان الزكاة يتباهون أمام الكاميرات بالصرف من مال غيرهم الذي لم يكتسبوه ولم يرثوه عن أب أم جد ، والتباهي والمن يكون في هذه الحالة أكثر قبحا فهم من فئة العاملين عليها، ولا يخفى على كل متابع ومراقب أن العاملين عليها في السودان يرفلون في رغد من العيش ومستوى معيشي أفضل من المزكين والمحسنين حتى غدوا فئة غارقة في الترف والنعيم، خصوصا كبارهم، ويعرف الشيخ الدكتور جاسم مهلهل الياسين عن عبدالقادر بن عمر الشيباني الفقيه الحنبلي ان العاملين عليها هم السعاة الذين يبعثهم الإمام لاخذ الزكاة من اربابها، ويقول ابن حزم الظاهري "العاملون عليها: العمال الخارجون من عند الإمام الواجب طاعته وهم السعاة".ويجمع العلماء على أنّ الإمام إذا رأى إعطاء العامل أجرته من بيت المال، ويوفّر الزّكاة على باقي الأصناف جاز له ذلك ، وإن رأى أن يجعل له رزقاً ثابتاً في بيت المال نظير عمالته ، ولا يعطيه من أموال الزّكاة شيئاً جاز كذلك. في المملكة العربية السعودية تدفع الدولة رواتب العاملين عليها الذين هم في الأصل موظفون في مصلحة الزكاة وضريبة الدخل التابعة لوزارة المالية، وبذلك تذهب الزكاة كاملة لمصارفها دون تحميلها تكلفة العاملين عليها .وليس هناك ما يمنع من تحول العاملين عليها عندنا إلى موظفين في وزارة المالية يدفع لهم ما يدفع لغيرهم من الموظفين من خزينة الدولة ثم تخصم هذه الرواتب لاحقا من الزكاة المجموعة فذلك سيرشد الصرف ويقضي على هذا الانتفاخ الوظيفي الملازم للعاملين عليها ويحول دون البذخ والاجتهادات الضارة في تخير أوجه الصرف ، وتختفي الكاميرات ويعود ديوان المراجع العام ليمارس صلاحياته من جديد . وفي جميع الأحوال فإن الأصل أن يقدم العاملون في الأعمال الخيرية على أعمالهم بقصد وجه الله تعالى وحده والاخلاص لله في هذا العمل الذي يعد من اجل الاعمال واكثرها اجرا، ولا يضيرهم أن يتلقوا أجرا عن عملهم ولكن لا ينبغي أن يكون الأجر جل همهم . يقول البغوي "العاملون على الصدقة لهم منها اجر مثل عملهم فقيراً كان أو غنياً، على ألا يزيد الصرف عن ثمن المال المجموع" وهو يعادل 12 %. ومصارف الزكاة ، كما هو معلوم، لا يدخل فيها تمويل القنوات الفضائية والاستثمار والتمويل والأعمال التجارية والمصارف غير المعلنة خصوصا في غياب رقابة ديوان المراجع العام ، فذلك يفتح أبواب الشيطان. أتمنى أن يكف كبار المسئولين وصغارهم عن التفاخر البائس والتباهي بالتصدق بما لا يملكون على ذلك النحو الذي يطالعنا بصفة دائمة في أجهزة الاعلام و تتضاعف جرعاته المستفزة في شهر رمضان الكريم، فالقداسة لشعيرة الزكاة وليس للعاملين عليها الذين لا يرقون لمقام فاعلي الخير من المزكين و المحسنين. (عبدالله علقم) [email protected]