بقلم الدكتور طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي،المملكة المتحدة بسم الله الرحمن الرحيم فاجأنى من الخرطوم نداء إسماعيل وعلي حزيناً فصعقت حتى كدت انكره من خبر الله الله رحل الآن شمس الدين كلمح البصر رحل بحر وجفت سماء من سحاب وقطر رحل غض الشباب الكريم سمح السجايا لحق بأهلينا في برزخ هموا فيه كثر رحل شمس حياتنا...كان ضياءً ومسرة يهديها ابتسامات صادقات لكل البشر كان نبتاً أخضرأً يانعاً..كان نجماً فهوى ودع الدنيا ناسكاً عجلاً وقد حق القدر بكته امدرمان وبربر التى قد ترملت آه من حزنى عليه يا قلبى الذى انفطر رحل واصل الرحم والخل والجار البعيد فهيهات جمع الشمل والعقد قد انشطر إلهى تقبله فى الخلد وانت عنه راضياَ أسكنه جنة نعيم والهمنا نحن الصبر إجعل من وخزة الموت حياة لأبناء له وعظة لنا جميعاً علنا ننجو من سقر فما الدنيا العبوس إلا عرض زائل وما أقصرها مهما عظمت او طال عمر كثيراً ما اعيش خواطر وأحاسيس أناس من البشر جد مكلومين منهم من أعرف ومنهم من لا اعرف .... كثيرون فى بلاد الله الواسعة وعلى الخصوص من هم فى موطنى الذى باعدتنا عنه صروف سبل كسب العيش القاهرة. الحروب تحصد والجوع يحصد أرواحاً زكية عزيزة على ذويها ومن العجب بمكان ان تذكى فى داخل المرء تلك المصائب لواعج حزن دفين وأشواق دفاقة لأحباء لنا رحلوا الى الأبد فلا عادوا ولا ولن يعود منهم خبر. قيل إن إعرابياً بلغ به الحزن على قريب له مبلغاً عظيماً حتى صار يبكى عند أى قبر يصادفه فسأله أصحابه: أتبكى لكل قبر ثوى بين اللوى فالدكادك فقال لهم : دعونى إن الأسى يبعث الأسى فهذا كله قبر مالك أسأل نفسى أحياناً ان كان لمصلحة الأحصاء المركزى حصراً لأعداد البشر الذين يغادرون بيوتهم أو خيامهم عند كل صباح أو فجر جديد أصحاء أشداْ يهرعون إلى أماكن العبادة أو عملهم اليومى لكنهم لايعودون إلى أبد الأبدين. تظل تفتقدهم ديار وأماكن إرتبطت بهم بل شجيرات كانوا يستريحون تحت ظلها الرقراق كلها كانت تحمل أسماءهم وتفتقدهم نوق وخراف وشياه كانوا يسقونها ويطعمونها تفتقدهم اسر وأطفال كم كانوا قد إعتادوا نهاية كل يوم عودة الأم الحنون أو الأب العطوف بالخيرات هم محملين .. لكن هيهات فكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول . على سبيل المثال يأتيك نعى فلان الشاب السوى القوى الذى يتريض كل يوم بعد أداء صلاة الفجر جماعة بمسجد الحارة وإنه السعيد بتعبده وبسطة جسمه، تتسع آماله العريضة فالأفق البعيد يتقاصر دونها تواضعاً وإجلالاً ولكن يظل هادم اللذٍّات سارقاً دق شخصه يسرق مثل هذا الشاب وذاك عن أهله ويصول بلا كف ولا يد. فالموت حق وستذوقه كل نفس لكننا ننساه وتلهينا عنه مشاغل الحياة بل طموحاتها العريضة وكما قيل "نهمان لا يشبعان طالب علم أو طالب مال" وعلنى أصيب إن أضفت إليها" طالب أضواء وبريق شهرة لا فرق إن كانت القضية مهنية أو فنية أو سياسية" أسوق المقدمة أعلاه مدخلاً لتجربة حزينة قد عشتها بل عاشها كل أفراد أسرتنا الممتدة والذين تبعثروا فى بلاد الله الواسعة. كان اليوم السبت الموافق السادس عشر من شهر يوليو المنصرم 2011 مع تباشير صبح جديد واعداً بالخير نورت بها سماء الخرطوم ساعتها إستيقظ أخى وصديقى وإبن خالى الحبيب "شمس الدين الحسين الطاهر الربيع" ممتلئاً حيوية ونشاطاً فأ دى صلاة فجر هادئ واستقبل صبحاً جديداً مبتسماً محيياً زوجه الشابة الصحفية " تيسير" وطبعها قبلات حنان على جباه زغبه الصغار الثلاث ثم ودعهم على أمل اللقاء المعتاد حيث يعود يحمل البسمات الطيبات و أرغفة وفواكة وكل ما هو مفيد وأشوافاً لا تنضب لأسرته الصغيرة لكن شمس الدين لم يعد ومع غياب شمس ذلك اليوم غاب الأب الحنون إلى الأبد...زوجه كانت تعد الطعام وصغار له كانوا فى الإنتظار والذى طال وطال حتى جاءهم هاتف من شقيقى إسماعيل "شسمس بالمستشفى حضوركم" .. يا للهول... هو شمس الدين والده المرحوم الأستاذ الحسين الطاهر الربيع من أشراف بربر الذين توارثوا التفقه فى علوم الدين والقيام بتدريسها ووالدته الحاجة عواطف ابنة محمد أسماعيل المفتى القاضى المعروف بأبي روف. تخرج شمس الدين فى كلية الإقتصاد وبدأ العمل باكراً وهو طالب علم ومعرفة لأن والده قد توفاه الله فى ريعان الشباب . عمل شمس الدين محاسباَ مع أشقائى الحاج الشيخ مجذوب وإسماعيل فى مخازن العربى للوازم البناء بسوق السجانة فى الخرطوم.كان نعم الشاب الشهم الكريم الصادق الصدوق الوفى الأمين عرفه كل من يعمل بسوق السجانة وفاز بحب الجميع وإحترام الشيب والشباب. أدى صلاة عصر السبت وشقيقى إسماعيل مع جماعة السوق وبعدها يشكو لإسماعيل من فتور مفاجئ و"دوشة" فيسرع به إسماعيل إلى أقرب مستشفى خاص. ضاق تنفس شمس الدين وأزعج ذالك أسماعيل ألذى أسرع وطلب من الطبيب المسؤل الإسراع وترحيل المريض على كرسى لأنه يشك أن الأعراض أعراض ذبحة قلبية. فيدور حوار وسجا ل مع المرافق المغلوب على أمره "كيف دراك أنها ذبحة فلب؟ أأنت دكتور؟" رد عليه إسماعيل "لست بطبيب ولكن لدى ثقافة" ثم توالى الأخذ والرد بما يخص تأمين تكلفة العلاج قبل التفكير والإسراع فى إنقاذ المريض! وفى سرعة البرق تتدهور حالة شمس الدين فيسرع به إلى غرفة الإنعاش "أو الإسعاف" ولكن القلب الرهيف آثر السكوت وما عاد يضخ نبض الحياة رغم الأدرينالين وهكذا طويت صفحة بيضاء وانتهت حياة فى أقل من ساعة زمان. كنت قد هاتفته ثلاثة أيام قبل رحيله المفجع. لقد كان والله الأخ والصديق للكل، كان كريماً ونعم الكريم الذى لا ينتظر جزاءاَ ولاشكوراً، نعم الشاب المستقيم دمث الأخلاق. لقد كان والله واصلاً الرحم القريب والبعيد باراً بأهله وأصحابه والعاملين معه بكته أمة أحبته فقد كان ريحانة حديقة حياتنا وكان المرتجى لكل المهام الصعاب ومهما أكتب لا أستطيع أن أوفيك حقك فالكلمات تقف خائرة عاجزة وما فى رحيلك يا شمس إلا عظات وعبر وتذكرة لنا ولغيرنا فكثير مثلك قد رحلوا عن ذويهم ودعوا الديار والدويرات والخيام وطبعوا قبلات الوداع الأبدى والكل لا يدرى مصيره وما يخبأه القدر المحتوم. بكتك دنيانا الحزينة يا شمس فقد كنت لنا أنت الشمس والنور والبهاء وإنا والله عليك لمحزونون ولكن أهلك فى البرزخ سيفرحون بمقدمك السعيد وإن شاء الله أنت الآن تنعم برحمة الله فى دار خير من دارنا الفانية .. أسأل الله أن يتقبلك قبولاَ حسناَ وأن يتغمدك برحمته الواسعة ويغفر لك ويدخلك علياء الجنان. تكفينا وتهون علينا الأحزان البشارات حيث لقيت ربك صائماَ يوم رحيلك تطوعاَ وقد أديت أخر صلاتك عصراً فى جماعة ..... ماأحلاه من وداع للدنيا يُتِمنى! Abdelmoneim Alarabi [[email protected]]