سألنى الحلاق الذى إعتدت أن أقصر عنده شعرى- وهو من أثيوبيا الشقيقة: متى يكون العيد؟ فقلت له: ربما بعد يومين أو ثلاثة, فعقب متسائلا بما معناه: أولا يمكن تحديده ابتداء بصورة قطعية؟ أصدقكم القول فلقد حاولت أن أجد إجابة تبدو منطقية بالنسبة له, تحدثت عن ميلاد الهلال وعلم الفلك والأجهزة الحديثة للرصد وتوقفت عن السرد حينما شعرت من إيماءات وجهه أنه ليس على إستعداد للإقتناع, ولم لا فالفطرة دائماً أقوى من امور الحداثة والأقاويل الملتوية التى لاشأن لها إلا تفسير الماء بالماء, ووجدت له ألف عزر وكيف لا أجد له طالما أننى لم أقتنع أساساً بما قاله البروفيسور معاوية شداد والذى تراءى لى فى مقولته أنه دخل ذلك الحيز الضيق فى محاولة للتوفيق بين ما إعتادت عليه الآذان وما تنشده العقول النيرة, فالرجل وضح أن هلال عيد هذا العام سيولد فى يوم الإثنين الموافق التاسع والعشرين من رمضان 1432 هجرية ولكن رؤيته تبدو مستحيلة لوجود ظواهر كونية تمنع رؤيته بأجهزة الرصد الحديثة مما يتوافق مع قوله تعالى (فإن غُم عليكم) أى فإن لم تستطيعوا رؤيته فأكملوا صيام اليوم الثلاثين, مصدر حيرتى ان العالم الجليل يبدو على يقين من ان الهلال سيولد فى تلك الليلة, ولكنه إصطدم بنص قرآنى يوجب او بمعنى أدق يتحدث عن الرؤية وفسرها المختصون بشؤن القرآن أنها الرؤية بالعين المجردة, فإذا حاول الرجل أن يوجه الناس إلى أن الرؤية بالعين المجردة ليست بالضرورة طالما أن (العلم) يؤكد نتيجة حتمية ميلاد هلال العيد فى تلك الليلة فحتماً سيواجه بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان من الحرس القديم وكبار الأصوليين وسيزعمون بأن الرجل بات محرفاً ومغيراً, ليس فى الأمر عجب طالما أن الفلاسفة على مر العصور كان مصيرهم التشرد والحرق والرجل العالم (شداد) لا يرغب فى أن يخوض تجارب شاقة مثل التى خاضها سلفه الأولون ولا أن يساق إلى المقصلة مثل (جاليليو) (الذى حاول إثبات كروية الأرض) وهو يهتف: (لكنها تدور)!!!!!! ورغم ذلك ولأن إرادة الله هى العليا فحتماً ذات يوم سيكون النصر للعلم الذى يشرح النصوص الدينية بصورة عقلانية متواكبة مع مستجدات الحياة يوم أن يدرك الغلاة أن الأديان لديها (وسع) يتغير بتغير الأزمان والأمكنة, اولم يقل النبى الأعظم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً). (2) الماعندو محبة.....ما عندو الحبة قناة الشروق الفضائية الزمان: الأول من شهر شوال 1432ه المكان: مدينة جوبا- جمهورية جنوب السودان. بثت قناة الشروق أداء صلاة عيد الفطر المبارك بإحدى السوح فى جمهورية جنوب السودان, وفى هذه الصلاة تراصت الأصفف وتلاقت الأكتف بين جنسيات مختلفة من ناحية وبين أبناء دولتى السودان من ناحية آخرى, هالنى طول وعرض تلك الصفوف وأراحتنى الطمأنينة التى بدت على محيا الجميع, جنوبي وشمالى السودانين, الأسيوين وبعض ممن ربط رزقه بالدولة الجديدة من أمم مختلفة لقد شهدت صلوات ومساجد يزكر فيها إسم الله كثيراً ولكن لم أشهد صلاة يحفها جمع كهذا, عندها لعنت فى سرى أصحاب القلوب التى غشتها الظلمة وأبت منها إنعتاقاً. إن رأى القائمون على امر البلاد والعباد فى الدولة الشمالية هذه الرؤوس المشرئبة, وإن أحسوا بالدفء الذى غمر تلك الأفئدة الخشعة, أو كانوا ليمارسوا كل هذا التفريط طالما أن شرع الله قد لاح بإمتداد تلك الأصفف؟ وعلى الرغم من صبر أبناء الحركة الشعبية على كل المكاره, أما كان بمقدورهم مواصلة النضال المدنى بصورة أشد سلاسة دون التلاعب بمشاعر كذوبة وتعلق بسراب حسب الظمأن ماء؟ إن حدثت هاتان المعجزتان, وبنفس قدر الألق الذى رأيناه على وجوه الناس وهم يؤدون صلاة العيد فى الدولة الجديدة .. أو كان بمقدورنا أن نرى ذات الألق على وجوه آخرى حين تدق أجراس الكنائس فى الدولة الشمالية فى نهاية العام الحالى مبشرة بذكرى ميلاد اليسوع (عبد الله) الذى أتاه ربه الكتاب وجعله مباركاً حياً ومرفوعا؟ يتوهم الإسلاميون إذ ظنوا أن السودانيين سيغفرون لهم إنفصال الجنوب, نعم للجنوبيين الحق فى تقرير مصيرهم إنفصالاً كان أم وحدة, ولكن هذا لايتأتى إلا عبر نظام حكم ديمقراطى إختاره الناس طواعية لا كرهاً وتزويرا, ومن ثم فإن أطروحات هذا النظام الذى تأتى به الديمقراطية ينبغى التسليم بها ولو جاءت بنسبة (51%) فقط, فهكذا هى الديمقراطية وهى أفضل ما توصلت إليه البشرية من أساليب الحكم. فقيدنا الطيب صالح أورد على لسان إحدى شخصياته الروائية: ( الماعندو محبة ما عندو الحبة) ثم دعائه : ( اللهم إن عبادك قد جاؤك بصلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم ...وإنى قد أتيت إليك وليس فى قلبى سوى المحبة). (3) الوجع الخرااااااااافى الزمان 16/8/2011 الموافق 16 رمضان 1432ه المكان: داخل طائرة تتبع للخطوط الجوية السودانية متجهة من الخرطوم إلى بورتسودان رجل فى الخمسينيات من عمره يرتدى طاقم كامل (full suit) ويجرى قبل الإقلاع أكثر من خمس مكالمات هاتفية متتالية بصوت حاد, الأولى مع الوالى.. أى والٍ يكن هو، لاتسلنى...والثانية مع (عماد) ويختصر إسمه ب (عمدة) والثالثة مع إمرأة تحمد لها السلامة والرابعة مع عمدة والخامسة مع إمرأة آخرى يخبرها بنتيجة مكالماته مع الوالى وعمدة. كان دائماً يعرف نفسه بانه د. أحمد..... فى أى مجال تكون تلك الدرجة أيضاً انا أرجوك ألا تسلنى... طفح بى الكيل ومع تأثير رمضان وجدتنى أقف وأقول له: (من فضلك يادكتور ليس من حقنا على الإطلاق أن نستمع إلى مكالماتك الخاصة) ثم كررت له كلمة من فضلك ثلاثاً, وللحق فقد صمت الرجل طيلة الفترة المتبقية للرحلة ولم يجرى المكالمة السادسة إلا لحظة هبوط الطائرة, وأيضاً دار ملخصها حول (الوالى وعمدة), المفاجأة الكبرى كانت عند نزولنا من الطائرة, فقد مر بى الرجل (الدكتور) وهمس فى أذنى: (طالما إنت عارف مكالماتى خاصة سامعا مالك؟) . ) شفتو قلة الأدب؟ التقول أنا دخلت أوضة نومو !!!!!!!.( Mahmoud Elsheikh [email protected]