من بين جميع مزامنيه في الغرب يتموضع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أفضل ما يكون مع رياح الربيع العربي. الغارات الأطلسية من بنات مبادراته الشخصية. المقاتلات الفرنسية أول الطائرات المحلقة في أجواء طرابلس. باريس استبقت جميع العواصم للاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي. الإليزيه أول مقر رئاسة استقبل الثوار الليبيين. ساركوزي تقاسم مع ديفيد كاميرون تحريض أوباما لدعمهم عسكرياً. ساركوزي ووزير خارجيته أكثر الأصوات الغربية مناداة لوقف حمام الدم السوري. انتقادات جوبيه للنظام الحاكم في دمشق أكثر من غيره قسوة وأبعد منهم جرأة وأعلى انحيازاً إلى المتظاهرين والمشيعين في مدن الشام. الموقف الفرنسي تجاه الثورة اليمنية السلمية لا يقل حماسة عنه إزاء السورية. ربما لا يصدر ساركوزي في كل تلك المواقف عن منطلقات مبدئية. بل ربما هو أقرب إلى البراغماتية. أليست هذه من خصائص اللعبة السياسية؟ ساركوزي كان موصوما على الصعيد الفرنسي بأنه صديق الفاسدين العرب إذ ارتبط حميماً مع زين العابدين بن علي، حسني مبارك ومعمر القذافي. لعل الرئيس الفرنسي عثر في الربيع العربي على موجة ملائمة لإعادة تجميل صورته. من بين جميع سابقيه في الجمهورية الخامسة يحظى ساركوزي بالحد الأدنى من الشعبية. قبل ستة شهور من الانتخابات الرئاسية يبدو حظه في البقاء داخل الإليزيه ليس أفضل من جيسكار ديستان الذي غادر القصر الرئاسي بعد ولاية واحدة. ساركوزي يستوي في ذلك مع مزامنيه من الرؤساء في الغرب. انغيلا ميركل تعاني خسارات متلاحقة في الانتخابات الاقليمية في ألمانيا. باراك أوباما يواجه تحديات يصعب تجاوزها لتمديد بقائه داخل البيت الأبيض. الاضرابات الاحتجاجية في إيطاليا تهز موقف سيلفيو برلسكوني. ديمتري ميدفيديف غير مطمئن للبقاء في الكرملين فترة رئاسية ثانية فطموح عرابه فلاديمير بوتين أول مصادر قلقه. ببراغماتية مفتوحة يستثمر ساركوزي في الربيع العربي بغية حصد أصوات تؤمن له الفوز بولاية رئاسية ثانية. الانتخابات الاقليمية الأخيرة أبانت تدهور جماهيريته. ساركوزي أخفق في الوفاء بوعوده الانتخابية في حملة 2007. زمن التغيير الذي لوح به شعاراً لم يأت طوال السنوات الأربع الأخيرة. الفرنسيون لم يروا الاصلاحات الليبرالية. كما لم يشهدوا سمات العولمة في المشهد الفرنسي. القضية الاقتصادية استفحلت في عهد ساركوزي. الغلاء يتفاقم والبطالة تنداح. السلم الاجتماعي يتشقق. ضواحي باريس تغلي حد الاشتعال. التطرف في حالة جنوح من اليمين الفرنسي إلى اليمين الإسلامي. 5 ملايين مسلم ومسلمة انتفضوا ضد ساركوزي عندما تم إقرار قانون النقاب. رغم ذلك يبدو الوضع المعيش في فرنسا أفضل من كل الأقطار الأوروبية المساحلة للبحر الأبيض. ساركوزي لم يعد يواجه منافساً شرساً من معسكر الاشتراكيين. وحده شتراوس كان كان يمثل تهديداً شرساً لبقاء ساركوزي في الإليزيه. بعد فضيحة نيويورك فقد الرجل مستقبله السياسي إذ لم يعد أمامه للبقاء في دائرة الضوء أكثر من استثمار رصيده خبيراً اقتصادياً. من غير المرجح ان تشكل مارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة تهديداً على ساركوزي غير أنها احتمال قائم. هناك من أنصار حزب ساركوزي من يجنح إلى الاصطفاف وراء لوبن رغم جنوحها إلى مواقف مسرفة في عنصريتها. في كل الأجواء أمام ساركوزي لايزال ستة شهور للاستثمار من أجل الفوز بولاية ثانية. الرجل راهن على الاستثمار في الربيع العربي لكسب انتخابات الربيع الفرنسية المقبلة.