مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيناريوهات ما بعد السقوط : تحديات القيادة ... بقلم: عثمان نواي
نشر في سودانيل يوم 16 - 09 - 2011

ان السقوط الحتمى للدولة السودانية المركزية العنصرية الحاكمة , يمثل لحظة الخلاص الوطنى للملايين من السودانيين . تلك اللحظة التى تنتهى فيها حالة الخوف من الحرب التى دوما على الابواب لاكثر من 60 عاما عاشها السودان مكبلا بالحروب الاهلية او متحسبا لوقوعها . الحروب التى ازهقت مئات الالاف من الارواح وشردت الملايين واعاقت الالاف جسديا ونفسيا واقتصاديا , تضع اوزارها نهائيا على انقاض النظام العنصرى المركزى الذى قادها و كان المستفيد الاوحد منها .
الانتصار على العنصرية واشكال الظلم المختلفة الناتجة والمصاحبة لها , وتدمير مؤسساتها السياسية والعسكرية الداعمة لها , هو المصدر الوحيد الذى على ارضه يمكن ان تبدأ عملية بناء السودان الحر . ذلك ان العنصرية وكما نشهد على نتائجها المدمرة فى السودان على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية , ادت الى استعباد السودان الوطن وتسخير موارده وامكانياته البشرية والاقتصادية لصالح اوهام سيطرة مريضة ومتوهمة وغير قابلة للتحقيق , حيث يحلم العنصريون بأرض بلا بشر او بشر بلا حقوق ليتم استغلالهم لاقصى الحدود . وكانت النتيجة هى سودان محطم الموارد ومهدر الفرص والامكانيات . حيث لم تتمكن المركزية العنصرية فى السودان من تحقيق النجاح فى مقاصدها ليس فقط للمقاومة القوية التى واجهتها من اصحاب الارض والحقوق , بل ايضا للعجز الواضح فى الرؤية للمستقبل والتجاهل لتركيبة السودان الجغرافية والديموغرافية التى لم يكن من الامكان التخطيط للتنمية الاقتصادية التى يجب ان تصب فى اتجاه المجموعات والمناطق العرقية المسيطرة دون الاخذ فى الاعتبار الدور المفصلى لاصحاب الارض الذين دون تعاونهم تنتفى امكانات التصرف الامن فى تلك الموارد , كما ان عملية الافقار والابعاد عن التعليم وتقليل فرص التراكم الرأسمالى لاصحاب الارض من السودانيين الافارقة , ادت الى خسائر فادحة على مستوى الانتاج وجودته وبالتالى تحول السودان الى دولة فقيرة ومتخلفة اقتصاديا وتنمويا . هذا الفشل فى تحقيق حتى المصالح المباشرة لممارسة العنصرية المؤسسية على مستوى القيادة فى الدولة السودانية كان نتيجة للافق القاصر للقيادة الحاكمة منذ الاستقلال والتى كان شعارها الاول ( تحرير لا تعمير) . الامر الذى يوضح القصور فى الرؤية وبالتالى قيادة السودان بعيون تنظر الى الخلف , حتى فى القيادات الحزبية التى تراجعت الى طائفية عمياء او تقدمت الى يسارية مستلبة منفصمة عن الواقع السودانى . لذا فان سودان ما بعد السقوط يواجه تحديا كبيرا فى افق القيادة الى المستقبل .
السناريو (1) القيادة العمياء :
احدى اهم الازمات التى يمكن ان تؤدى بالسودان الى النهاية الكاملة بعد السقوط , هى القيادة التى ليس لديها اى قدر من الرؤية الواضحة لنتيجة تحطم نظام مدمر , واثاره التى طالت كل جوانب المجتمع والدولة . ذلك النوع من القيادة الذى كان هدفه فقط هو اسقاط النظام الذى كان قائما , دون التفكير فى الية تكوين النظام الجديد . وعلى نبل الهدف وضرورته الحتمية , اى اسقاط النظام المركزى العنصرى , الا انه وكأى نظام اخر كان يشغل حيز السلطة , فان سقوطه سيحدث فراغا . هذا الفراغ الاليه الصحيحة لملأه يجب التحضير لها مبكرا . خاصة فى حالة السودان الشديد التعدد والتنوع الثقافى والسياسى وايضا العسكرى .
تجنب حدوث الفوضى العارمة كما العراق وافغانستان بعد الغزو هو هدف اساسي لقيادة مابعد السقوط . غير ان التعامل مع هذا الهدف بحلول امنية بحتة كما يحتمل الحدوث من القيادة العمياء , سيوقع البلاد فى خطر العودة الى حالة الاحتراب والتى حينها قد تودى بنا الى دولة حروب عصابات ومليشيات مسلحة كما فى الكونغو , والتى قد تتحول ايضا مع انتشار السلاح الى عصابات مافيا ذات مناطق سيطرة واسعة اشبه باقطاعيات مسلحة مغلقة كما فى كولومبيا . هذه الصراعات التى ستكون مبنية فى الاساس على طريقة توزيع الموارد الاقتصادية بين المجموعات المسلحة خاصة التى اسهمت فى السقوط . ومع محاولة الاذرع السياسية لاحتواء واعادة تقسيم الموارد والنظرة اللحظية للواقع المتشكل دون اصطحاب التعقيدات التاريخية فى ممارسة الحكم فى السودان والتخريب والدمار للدولة ومواردها , و تجاهل او عدم رؤية الدولة الجديدة كما هى عليه بعد السقوط الدامى والمدمر , كأرض تعرضت وساكنيها لزلزال مدمر هدم كل شىء , وبالتالى يجب الجلوس ارضا والتخطيط بروية لكل شىء من المقررات المدرسية وحتى مؤسسة الرئاسة . اى ان نرى السودان وطن بلا موارد تقتسم بل موارد تكتشف اولا , ثم يخطط لاستخراجها واعادة توزيعها , لانك لن تستطيع ان توزع ما لا تملكه بعد .
التجاهل ايضا لمسببات الصراع ذات البعد الثقافى والاجتماعى , اى الوصول الى العنصرية فى مهدها ,وعدم والعمل الجدى لفتح بوابات تواصل مفتوحةومؤسسية تشرف عليها الدولة مع منحها استقلاليتها . سيجعل الدولة القائمة فى خطر نشوء ممارسات عنصرية مضادة من قبل العرقيات التى كانت متضررة من العنصرية . هذا لان التجاهل لهذا العمل الضرورى يعنى ان الدولة او المؤسسة او النظام السياسى والعسكرى العنصرى انتهى , ولكن مرجعياته الثقافية والنفسية لا زالت قائمة وبالتالى القابلية لاعادة انتاج نظام احادى اخر بلاعبين جدد . وهذا ما يجب احداث قطيعة تاريخية معه ولكن تجاهله سيضع البلاد فى بؤرة ازمة وعى كبرى والاهم ستعطل من اى مجهودات لبناء علاقات اجتماعية متوازنه وسليمة على انقاض العلاقات المشوهة والمتمايزة الماضية .
القيادة العمياء هى الاحتمال الذى يخشاه غالبية الشعب السودانى على كافة مستوياته السياسية والاجتماعية , حتى النظام القائم يستخدم هذا السيناريو باعتباره السيناريو الوحيد . المعارضة ايضا والكثير من المثقفين والمحللين كتبوا واسهبو ا فى امكان حدوث هذا النموذج وما يترتب على ذلك من اعادة النظر فى القوى الساعية للتغيير ولاساليبها وحتى فى وجهتها اى اسقاط النظام نفسه قد لا يكون حلا لازمات السودان اذا كان هذا هو النموذج المنتظر . لكن ما يفوت على كل هؤلاء ان البلاد دخلت بالفعل حالة التحول واسقاط المركزية العنصرية , وبكل الوسائل وذلك لان المصلحة الواضحة تماما الان لكل السودانيين هى فى انهائه ليس فقط للحروب الدائرة بل هى مسألة وجود وبقاء . المؤسف ان الاجيال الشابة والتى قد تكون اصغر فى تجربتها لادارة هكذا صراع هى الاكثر وعيا بضرورة الوطن المتنوع والغنى والكبير فى المساحة ايضا . وهى ايضا بعيدة بشكل اكبر عن العنصرية الفجة التى سيطرت على الاجيال الاكبر . اذ ان العالم المفتوح اليوم جعل الشباب مجبرين على رؤية الاخرين باحترام وعقول مفتوحة نتيجة التو اصل الذى انهى كثير من الصور المتوهمة الموروثة . ان هذا الوعى بشروط بناء دولة السودان الحر لدى الشباب الذين يمثلون اكثر من 40% من السودانيين, يحجم فرص هذا النموذج وان قام فانه سيحظى بمقاومة وهزيمة قوية .
السيناريو (2) القيادة المتوهمة :
ان اعادة تبنى شعار ( تحرير لا تعمير ) , سيؤدى هذه المرة الى ( تدمير بلا تحرير ) . اذ انه يعد الاستقلال تم التحرر الظاهرى من وجود المستعمر فى مؤسسات الدولة . لكن بعد السقوط اذا تم تبنى الدولة لسياسة تحرير المجتمع من ما قد يسمى حينها بقايا النظام وتطهير البلاد منه , وخاصة اذا تم الامر بصورة مستعجلة وقد تكون عنيفة ايضا ودون محاكمات علنية عادلة ودولية ايضا . فان البلاد قد تنجر الى صراع عرقى خاصة اذا حاول البعض تحقيق العدالة بانفسهم . ان الخروج من الصراع العرقى والانتصار على العنصرية اذا تم النظر اليها كحالة هزيمة لعدو يجب ان يدفع ثمن جرائمه فقط , دون النظر للجانب الاهم وهو تحقق الحرية والامكانات المستقبلية اللامحدودة لبناء وطن حر , ستؤدى الى الغرق فى الماضى والسير الى الخلف . وبالتالى تفويت فرص التعمير والبناء والتقدم , خاصة ان البلاد قد عانت كثيرا من الفقر والتهميش .
قيادة البلاد نحو تحقيق العدالة والانتقام من المجرمين كوسيلة لشفاء الجراح المؤلمة الناتجة عن النظام العنصرى المدمر ,و تأجيل العمل على تحقيق الرفاه والتنمية , سيكون خطأ كبير فى ادارة البلاد بعد السقوط . وقد ينتهى بالبلاد الى دولة فقيرة وشعب يائس قد يكون اخذ حقه المادى والمعنوى اليوم ولكنه خسر فى المقابل فرصة الانتاج والتنمية للمستقبل وايضا خسر فرصة اخرى وهى فرصة تحقيق العدالة وترميم الجراح عبر العفو والمصالحة والتى لا يمكن ان يقوم بها الا الشعب الذى يراهن على مستقبل زاهر يجعل الماضى لا يشكل اكثر من تاريخ سيفخر فيه بصموده وانتصاره على الظلم اضافة على الانتصار الاكبر وهو الانتصار القيمى والاخلاقى . وبالتالى تحظى اجيالنا القادمة بما تفاخر به بين الامم , وهو ما لم تحظى به اجيال الحروب .
القيادة المتوهمة لقدرتها على تحرير السودان من النظام المركزى العنصرى , فقط بالقصاص الذى قد يكون عادلا او لا يكون , و تطهير البلاد من الاشخاص وليس الافكار فانها تقود البلاد نحو حالة توهم الحرية وهى اشبه بنشوة المخدرات التى تزول بزوال المخدر . ما لا تدركه هكذا قيادة ان الرهان على القصاص وحده دون ايجاداليات فعالة تحمى العملية وتضمن عدالتها ونهائية قراراتها , اى انها قرارات لا تحتمل الشك والمراجعة اخذة كل الاعتبارات فيها المتعلقة بالظرف التاريخى وتعقيدات الواقع , لان اى شك فى مثل هكذا قصاص سيؤدى لعمليات انتقام وشك فى الدولة وعدالتها الهشة .
العدالة ومفاهيم رد الحقوق فى الدولة السودانية الحديثة ذات تاريخ مختل فى العموم , ولا تحظى بالاحترام الكافى عند ممارستها من قبل مؤسسات الدولة الرسمية , ممثلة فى القضاء واذرعه العدلية الاخرى . لكن فى المقابل يحترم السودانيون العدالة الاهلية المبنية على الاعراف والتقاليد على مختلف تنوع مصادرها الثقافية والعرقية . وقد ادت تلك العدالة التقليدية الى التعايش بين السودانيين والحد من الصراعات الدامية , كما فصلت فى شؤوون حدود الاراضى والمرعى بين القبائل ذات الحدود المتداخلة . لذا قد يكون الاحتكام لمبادىء هذه العدالة هى مدخل لاعادة التواصل والاحترام الذى تعرض لتخريب شديد فى العهد الحديث , ما بين مكونات المجتمع السودانى الاهلية المتنوعة , كما انها قد تفضى لما يشبه لجان الحقيقة والمصالحة فى شكل محلى يتباين فى مسماه وشكله فى مناطق السودان المختلفة والاكثر تأثرا بالحرب . وهذا السيناريو رغم خطورته لكن التوجه نحوه قد يكون ذو احتمالات مرتفعة لذا يتوجب على القوى المسقطة للنظام الوعى بهذه المخاطر والاخذ فى الاعتبار الخيارات المختلفة التى ستؤدى لتحقيق العدالة بطريقة هادئة ومستبصرة وهو ممكن كما اشرنا من خلال العداله الاهلية الواعية والمطورة لتستجيب لتحديات الواقع الراهن .
السيناريو (3) القيادة المتبصرة :
السودان الحر الذى سيبنى على انقاض الدولة المركزية العنصرية , يحتاج الى القيادة التى ترى فى الحاضر كم هائل من المواد الخام القابلة لاعادة استخدامها وتدويرها لصناعة المستقبل الافضل للبلاد . وهى القيادة التى يمكن التعبير عنها بلغة الشباب بالقيادة ( التفتيحة ) . التى تستطيع ان ترى الفرص فى اكوام الركام .
الرهان على الشباب فى مستقبل السودان هوالرهان الاكثر قربا من الواقع . فغالبية القادة الذين يقودون الحراك المقاوم للنظام فى خمسينياتهم فى اقصى حد , اما قيادات الصف الثانى والتى يقع على عاتقها العمل الحقيقى فهى فى اوائل الاريعين فى اقصى حد و هذا يكاد يكون شرط قيادة الدول فى هذا العصر اذ ان العقد الماضى حمل قدرا من القفزات التقنية جعلت الفارق شاسعا مابين الستينيين والاربعينيين وبالتالى نجد ان اغلب قادة العالم الان فى هذا الحيز العمرى من امريكا والى روسيا . ولهذا فان السودان الحر الذى سيشكل اولويه هذه القيادة , هو سودان حر من العنصرية , الفقر , العنف , الجهل , التمييز , المركزية , الاحادية , واخيرا سودان حر من كافة اشكال الظلم وامتهان كرامة الانسان .
الواقع السودانى الذى اتسم خلال عقود بالجمود والتيه فى الحلقة المفرغة بين الديمقراطية المركزية العرقية والديكتاتورية المركزية العرقية ايضا , سيخرج من هذه الدائرة اخيرا نحو فضاء مفتوح على كل الاحتمالات . وهذه الاحتمالات المفتوحة هى ما يقلق الكثيرين من المجتمع الدولى الذى كما بدا من تصريحات مندوب الادارة الامريكية تعمل بسياسة جناً تعرفو , الى مجاميع الشعب السودانى وخاصة الذين يعيشون خارج مناطق النزاع المسلح سواء من ينتمون للعرقيات الحاكمة او التى تقاوم الحكومة . حيث ترتبط الحياة اليومية بهذا النظام الذى خبروه وصنعوا وسائلهم للتحايل على قوانينه يأسا من ذهابه نتيجة لطول بقاؤه . لكن هذا اليأس الذى ايضا يغذيه فشل المقاومة المسلحة والمعارضة فى المركز فى اسقاط النظام فى السنوات الماضية , لا يستطيع الوقوف امام الامل والعمل الجاد والملموس الذى يبدأ باسقاط النظام ولا ينتهى به كما يظن البعض . بل ان السودانيين الذين صمدوا من جميع اعراقهم وخاصة السودانيين الافارقة الذين تضاعف عليهم الظلم عبر السنوات حيث تعدى الفقر الذى يشاركهم فيه كافة السودانيين الى ظلم التمييز العنصرى والحروب التى لم تتوقف ل50 عاما , هؤلاء السودانيين اثبتوا قدرة هائلة على الصمود والتحايل على الفقر والحرب والجهل , و العيش فى اسوأ الظروف فى المعسكرات واطراف المدن وطول النزوح والمهجر , هؤلاء السودانيين الذين واجهوا كل هذا واستطاعوا برغمه الوقوف ضد النظام لاسقاطه يستحقون الرهان عليهم . خاصة ان كل تلك الماسى والغربة والموت والتهجير زادهم وعيا ورغبه فى الحياة .
القيادة المتبصرة لا تعزل بل تشمل وتتسع وتنفتح على كل الممكنات باستشراف وحلم للمستقبل , هذا ليس فى اطار الرومانسية , بل فى اطار الرؤية البعيدة والواسعة , والتى من دونها قد يبدو للبعض انهم قادرون على العيش دون الاخرين تجنبا للجلوس والاتفاق وربما تقديم بعض التنازالات , بوهم بعض المعادن فى باطن الارض والاراضى الزراعية الغير مستصلحة وكأن هذا الشعب يستحق فقط سد الرمق ولا يستحق دولة هدفها الرفاه وليس الكفاف . وهذا الرفاه ممكن فقط فى اطار السودان الكبير الذى تعاملنا معه كعبء لا كفرصة وهدية ثمينة للغاية . هذا التنوع البشرى الثقافى الاحيائى الجغرافى لم يعطى لدولة الا واصبحت عظمى فقط بادراك القيمة ( امريكا , الصين, كندا , روسيا) وهاهى اوروبا تتحد لتحافظ على الرفاه . حتى الدول الخليجية التى اعتبرت منعزلة تنفتح وتحاول ضم المغرب لمجلس التعاون الخليجى .
اذا كان لهذا السودان الحر ان يكون وهى حقا مسألة ان ( نكون او لا نكون ) , فان ننفتح "ونفتح" ونبقى دولة " تفتيحة" هو خيارنا الاول . ان ننفتح اولا على بعضنا البعض , نحن السودانيين باعراقنا وثقافاتنا المتنوعة , وننفتح ايضا على خياراتنا المختلفة وامكانياتنا اللامحدودة على مستوى البشر والارض . فلا نسمح لا للعرق او الدين او الجغرافيا او الثقافة ان تكون حدودا فاصلة بيننا وبين ما يمكن ان نحققه من ازدهار يستحقه اهلنا الذين عانوا وصبروا واَن لهم الاوان ان تتغير حالهم للافضل . هذه هى البصيرة التى تكونت من المعانا وايضا الهجرة التى ساهمت كثيرا فى مساعدة السودانيين الشباب فى اعادة تفكيك مفهوم الدولة لديهم من دوله الخدمات الى دولة الحرية والعمل والرفاه , ليس تبنيا لايدولوجيا بل احتراما لقيمة الانسان . وهذا ا الاحترام لقيمة الانسان هو المطلب الاساس والهدف الاساس وايضا العامل الاساس فى بناء واستقرار السودان الحر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.