بسم الله الرحمن الرحيم لا تستغرب عندما يضع الوزراء ،أياديهم علي كتاب الله ويؤدون قسما مغلظا أمام الوالي !. بل ولا تستغرب أيضا أن يفعل رئيس الجمهورية ونوابه ومسئوليه نفس الشئ ، فالنتيجة في النهاية واحدة لأن كل هؤلاء سيدخلون بعد القسم في عصمة " الحصانة" وما أدراك ما الحصانة في السودان ،ببنودها الواردة في آخر دستور سوداني ( دستور2005 الانتقالي) وما تبعها من قوانين بالخصوص . إنها الحصن الحصين ضد مواجهة أي إجراءات قانونية للشخص المحصن ، وإذا جاز الاتهام فان التهمة نفسها ستكون محاصرة ومقيدة بأفعال يصعب إثباتها أمام المحكمة الدستورية ( الخيانة العظمي ،الانتهاك الجسيم لأحكام الدستور أو السلوك المشين بالنسبة لاقالة رئيس الجمهورية) بل ولن تصل أي من هذه التهم إلي المحكمة الدستورية إطلاقا من دون إصدار قرار من ثلاثة أرباع جميع أعضاء الهيئة التشريعية القومية وبالطبع ، لن يحدث هذا أبدا ، لأن هؤلاء( الثلاثة أرباع) من حزب واحد يرأسهم الرئيس نفسه. إنها لعبة " الثلاث ورقات" العجيبة فصلها ويحمل وزرها ابتداء المشرعون الدستوريون لأنهم يعلمون سلفا أن العدالة ما ينبغي لها أن تستثني أحدا أبدا ، حتى ولو كانت فاطمة بنت محمد ( صلي الله عليه وسلم). لندع كل هذا جانبا بعدما أيقنا أن الحكومة قد" حصنت" نفسها جيدا أمام القانون ولا مجال لمحاسبتها بأي شكل من الأشكال ، حتى في كيفية فهم وتطبيق مواد الدستور نفسه ولننظر إلي هذه المادة الواردة في نفس الدستور والمعني بها الناس،إن لم يخني الفهم،كل الناس والتي تحمل في طياتها كل معاني التناقض: "المساواة أمام القانون 31 الناس سواسية أمام القانون, ولهم الحق في التمتع بحماية القانون دون تمييز بينهم بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الُلغة أو العقيدة الدينية أو الرأي السياسي أو الأصل العرقي". وعلي هذا الأساس ، مهما أتهم الناس هذه الحكومة بالفساد فإن القانون لن يتحرك ولن يقتص من أحد وستبقي البينة دائما علي من إدعي مع أن البينة ، حاضرة وجاهزة في مستندات صرف مالية الحكومة نفسها وفي شهادات المقاولين والمتعهدين الذين سيقولون أن الوزير " فلان" والمسئول " علان" أبيا أن يوقعا إلا بعد تدفع " عمولتهما". وبالمثل ، ستشهد دفاتر الحكومة 0 ( إن كانت لها نية بفتحها والتدقيق فيها وتحريكها قضائيا) أوجه الصرف الملفقة والخرافية والتي تذهب إلي جيوب منسوبيها وكبار موظفيها من نفس الحزب ، هكذا ، مقابل غض الطرف عن الحق وثمنا للمناصرة . أما المراجع العام ، بصلاحياته الهزيلة والغير رادعة ، فإنه يعرف تماما حجم الفساد الذي يتم في أموال وممتلكات الدولة ولكنه ، ربما يغض الطرف بفعل الضغوط السياسية التي تمارس عليه ، أو ربما يكون هناك من الأسباب ما يمنعه من الإغراق في التقصي وفي كلتا الحالتين فإن النزاهة والأمانة والشرف ستبقي ، إذا استمر الحال علي ما هو عليه في هذا البلد ، قيما " وردية" غير قابلة للتطبيق. نحن نعلم تماما أن الحكومة لا تريد " الفضائح" وأن الإتيان بفضيحة مثبتة واحدة سيقوض هرم " الدومينو" هذا ولكن الدواعي السياسية الحزبية توضع دائما في مقدمة العربة ، فوق "سرج" الحصان تحديدا ولا مجال لعرقلة الحصان الآن خاصة وأن الطريق قد أصبح أكثر وعورة مما كان عليه قبل أكثر من عشرين عاما . وبالمثل ، فنحن أيضا من فرط "عوارتنا" نريد " الستر" أيضا ، علينا وعلي عباده ولكن...إذا أمعنا النظر، سنجد أننا ، بمواقفنا هذه ، نستر علي الحق نفسه وليس علي الجاني ، مع أن الحق ، أحق أن يتبع . هنا ، في ولاية النيل الأزرق ، ولأسباب سياسية محضة تحرك القانون قبل فترة في مواجهة قضايا وزراء ومسئولين ولائيين من الحركة الشعبية اتهموا بالفساد المالي ولكن ، لنفس الأسباب السياسية المحضة ، عطل والي الولاية آنذاك ، مالك عقار إجراءات رفع الحصانة عن المتهمين وإكتفي بإبعادهم من مناصبهم وهم ، يرفلون الآن ، بما نهبوا من أموال ، في نعيم الهجرة والاغتراب رغم أنف القانون . إنها نفس تلك اللعبة السياسية " السمجة" التي ضيعتنا جميعا وضيعنا معها البلد . لقد استعرت مصطلح " الاحتجاج" هذا من علماء اللغة وهو يعني في الأصل "الاحتكام" إلي شئ ما ، فهم لا يعتمدون في ضبط اللغة والنحو إلا علي ثلاثة مصادر : القرآن الكريم ، والسنة النبوية وكلام العرب ، خاصة في الجاهلية وصدر الإسلام، واتفقوا في نفس الوقت علي ألا يحتجوا بكلام المولدين والمحدثين في اللغة والعربية وذلك لتغيير ألسنتهم بفعل الاختلاط وبعدهم التام عن البيئة الأصلية للغة العربية *(راجع كتاب سعيد الأفغاني بعنوان في أصول النحو) وأردت أن أدلل بذلك علي أن " الاحتجاج " له معاييره ومصادره الخاصة. كذلك الدستور الذي لابد أن تكون له معاييره ومصادره الخاصة أيضا . ولقد آثرت أن يكون مضمون عنوان هذا المقال في شكل " استباقي " لما هو آت من دستور أو دساتير ، فإن أساس الحكم ينبغي أن يكون لسيادة القانون المنبثق من جوهر الشريعة( أغلب مبادئ حقوق الإنسان منبثقة أصلا من أصول الشريعة الإسلامية وأن هدف أهل الكتاب هو إضلال المسلمين وإبعادهم عن دينهم بكل الطرق والحيل الممكنة ) وأن الشعب وحده هو المشرع والمتعين عليه وضع قوانينه بنفسه وليس الحزب أو الأحزاب وأن لا سلطان علي القضاء إلا سلطة وأمانة العهد والتكليف وأننا ، إذا ظللنا علي هذا الحال من الذل والخنوع ، والتغاضي عن الحقوق ، فلن تقوم أركان العدالة والمساواة بين الناس أبدا وسيظل الساسة يلعبون بنا ، يحاصروننا بالقوانين ويحتمون هم بالحصانات. ولقد جربنا كيف أن تجار الدين يسوقون لتطبيق الشريعة بعموم الغاية ولا يصرحون بخصوص السبب الذي من أجله شرع الدين. ولقد جربنا أيضا كيف أن " الحصانة" السياسية قد أودت بنا وبالبلاد إلي موارد التهلكة وفتحت مجالا للفساد يصعب الآن محاسبته خاصة وأن محور الصراع ينصب الآن علي خزانة دولة شبه خاوية مقابل خزانة حزب مفاتيحها تنوء بالعصبة أولي القوة ، وكما أن الله تبارك وتعالي لا يحب " الفرحين " فانه أيضا لا يحب "الفساد" ناهيك أن يحب المفسدين ونحن مع ربنا فيما قال. لم تنتهي المعركة بعد مع " الساسة" الذين يفسدون في الأرض ، فبلدنا هذا ،علي وجه الخصوص ، يعيش علي فوهة بركان من الشرك والخزعبلات، ومن فرط غفلتنا يظهر بين ظهرانينا بين الفينة والأخرى أولياء الشرك والضلال و " مهدي " و " مسيح منتظر" وعلماء يحملون " اسفارا" ومهما فعلنا وزايدنا علي الحق بالباطل ، فإن مردنا كلنا إلي الله ، ولا عبادة ولا انصياع إلا له وحده . وكيف لا وهو تعالي من فرط رحمته بنا يمد لنا حبال التوبة والإنابة ليل نهار ويبدل لمن تاب منا وآمن وعمل صالحا سيئاتهم حسنات ؟. من ارحم في هذا الكون بعباده غير الله ؟. وعليه ، لابد أن تمتلك الشعوب حريتها أولا بالتوحيد الخالص لربها وبعدئذ ، هو الهادي إلي الصراط المستقيم ، فو الله ثم والله...لا حل ولا مخرج ولا منجي غير ذلك. الدمازين في : 2011/10/01 محمد عبد المجيد أمين(عمر براق) [email protected]