ذهب الجنوب " مبكيا عليه " ومأسوفا على فراقه ، ولعل ذهاب الجنوب عبر الانفصال لم يكن حدثا مفاجئا ،فدهاقنة السياسة كانوا يدركون ومنذ وقت مبكر بان الانفصال قادم بل هو أمر واقع منذ سنوات ، وبما ان الانفصال لم يات بقوة السلاح بل جاء عبر اتفاقيات ومواثيق مشهودة ، فينبغي ان لاتصاحبه أية "ضغائن" مهما بلغت المظالم منذ 1956م .. ومما يؤسف له التصريحات التي تصدر من الجانبين بين فترة وأخرى"قبل وبعد الانفصال" وهي كمن يصب الزيت على النار ، خاصة ان مثل هذه التصريحات التي توصف أحيانا بأنها متطرفة ، لاتخدم شعبي البلدين ، فأهل الشمال والجنوب في حاجة ماسة لينعموا بالسلام والأمن والاستقرار ورغد العيش ، وهذا لن يتحقق في ظل حالة "التسخين" التي تمارس جنوبا وشمالا. ان انفصال الجنوب عن الشمال ، لايشبه الحالة الارترية الإثيوبية ، ولايداني وضع الكوريتين ، بل ماحدث بين الشمال والجنوب كان حدثا فريدا ان شارك رئيس الجمهورية عمر البشير في الاحتفال الشهير بجوبا ومعه رهط من رجاله ، وكان الشمال اول من اعترف بالجنوب دول ذات سيادة ، ..بالله عليكم بعد كل هذا من أين تاتي " الضغائن والمرارات" ؟!. الواقع يؤكد بان الخرطوم وجوبا يحتاجان التعاون المثمر فشعبي البلدين اكتويا بنار الحرب وتداعياتها الطويلة ، ويتطلعان للتعايش السلمي حتى ينعمان بخيرات بلديهما ، ولعل هذه المعطيات يجب أن تكون قوة دفع لمعالجة القضايا العالقة والمتمثلة في ابيي ، وإعادة النظر في علاقة دولة الجنوب بالحركة الشعبية في الشمال ، ولعل زيارة رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت الى الخرطوم والتي تعامل معها تلفزيون السودان بشكل عابر ، "يثير التساؤلات " ! يجب ان تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الصادق ، و ان تعقبها زيارات متبادلة ، تبلغ مرحلة تحييد الأصوات النشاز في الشمال والجنوب . ويجب ان لايضيع الكثير من الوقت في المهاترات ، وتصفية الحسابات التي لاتشبه القادة الكبار.. وان صمم القادة على ترسيخ عرى العلاقات المتينة فان الأصوات "القبيحة" ستلزم الصمت .. وللإعلام دور هام ومؤثر خلال هذه المرحلة بان يتبنى خطابا رصينا ومسؤلا داعما للعلاقات بين شعبي الجنوب والشمال ، وإبراز محاسن التعاون الصادق ، ومحو صفحة الخلافات ودفنها للأبد من اجل تلاميذ يبحثون عن مقعد في فصل دراسي ، أو أم تطلع ان تضلع مولوها في مستشفى نظيف ، ولخريج لايطول انتظاره على الأرصفة دون وظيفة.. نعم يجب ان يعمل الإعلام في الشمال والجنوب على إرساء حقيقة ان اقرب شعبين لبعضهما هم سكان الشمال والجنوب ، من واقع التداخل والتعايش والتواصل الطويل. مصطفى محكر "صحيفة الصحافة السودانية" Mustafa Muhakar [[email protected]]