"والله يا ولدي محمد الحياة بالبلد أصحبت لا تطاق! قول لي يا ولدي كيفن أقدر أصرف على بيتي وطواقيي بقوا الناس ما بشتروها بالمرّة؛ بس بشتروا شغل الصين واندولاسيا (تقصد أندونسيا). أه أخير شغلنا نحن والله شغل المكنات. وحتى المباخر، وحاة النبي، هديل ليهن كم شهر مافي زولن واحد عبرين بنظرة. كيلو الطماطم الب25 جنيه وكيلو اللحمة الوصل 50 جنيه وماهية بتي عوضية 300 جنيه. بس عليك رسول القبة الخضراء يا ولدي، نحن نعيش كيف؟ ناس الحكومة قاعدين في قصورهم وراكبين عرباتهم الكديليك ونحن في شمس الله ورسوله نتح ونرح في حرّ المواصلات المعدومة. أنا جاتني قبل شهر الجلطة ودواي ما بقدر أشتريهو وعلاج ما بقدر أتعالج وقاعدة في بنبري دي منتظرة الجلطة الجاية عشان أستريح من الحياه دي." هكذا جاءت حجة كلتوم بخلاصة الكلام وكلنا حجة كلتوم! كل يوم تشرق فيه الشمس تزاور أطلال "إنقاذ مالي" خاب وما فلح و تحمل هبوب شمائله أبرز دلائل توحي بتفاقم هذه الأزمة وتكشف عن مخمصة اقتصادية لم يشهد لها البلد مثيل على الإطلاق. لقد بلغت قيمة العملة الجديدة وجنيه الانفصال من التدهور المخيف معدلات تفوق كل التصور ونحن على مشارف السنة 22 من الخطة الانتعاشية لرد الروح والنَفَس إلى اقتصاد بلد عُرفَ ب "رجل افريقيا المريض". لقد انهار الجنيه انهيارا صاروخيا مقابل العملات الأجنبية منذ التاسع من يوليو 2011، عندما أعلن السيد سلفاكير ميارديت دولته الجديدة على أنقاض اقتصاد الشمال وانفصال الذهب الأسود منه، رضينا أم أبينا. إن المتابع لأسعار العملة السودانية بين شماله وجنوبه يلاحظ دون أدنى شك فقدان الجنيه الشمالي نصف قيمته بعد "يوليو الأسود" الذي باء بانفصال القلوب والأسر والمشاعر. كنا نعتز في السنوات القليلة الماضية بانقشاع الدينار الذي فرض علينا وبارتفاع سعر الجنيه الذي تبعه مقابل العملات الأجنبية وكنا نُمني أنفسنا بعهد جديد لاقتصاد سودان يبشر باليمن والبركة والحياة الرغدة. للأسف فإن تلك التباشير التي حملتها قلوبنا ورصدتها أعيننا واشتهاها المواطن البسيط وحسب أنه سوف يلبس "العقال البترولي" كعمة سودانية بعد حين انعكست في شكل سراب بقيعة على الحياة العامة بالأسواق والبيوت. كيف ننسى معناة المواطن التي دامت كل هذه الحقب وها هي قد ألقت عصاها بمحله ونصبت بيتا وخيمة! فواسوداناه! انقذوا سلة العالم للغذاء وانقذوا أهل السودان فالمجاعة على الأبواب والهروب على الدروب. إن موجة الضيم الضارب والسخط العارم والغضب الأسود الحالية وشكوي حجة كلتوم وابناءها بكل بقاع السودان يزداد يوما بعد يوم؛ وهو، كالأسعار، في ارتفاع مستمر – وحاذروا يا أهل السودان ألا ينقلب هذا الضيم والسخط إلى طوفان جارف يأتي على الأخضر واليابس، وحاذروا أن تستخفوا بطيبة وخلاق المواطن فتتحول تلك لنار تستعر تقضي ولا تزر. Dr. Mohamed Badawi [[email protected]]