تأتي زيارة رئيس جمهورية جنوب السودان السيد سلفاكير ميارديت بادرة طيبة لحل المشاكل العالقة بين الدولتين عن طريق الحوار و كان قد أكد الرئيسان في لقائهما في الخرطوم إنهما لا يريدان العودة مرة أخرى إلي الحرب و أنهما بصدد حل كل المشاكل العالقة بين الدولتين عن طريق الحوار لذلك شكلا عددا من اللجان بهدف الوصول لاتفاق حول القضايا العالقة. و لكن في هذا المبحث لا أريد تناول الزيارة و نتائجها حول القضايا العلاقة بين البلدين و لكنني أريد أن أغوص عميقا وراء الكلمات التي أدلي بها الرئيس سلفاكير أثناء زيارته و هي كلمات تحدد إستراتيجية الرجل في علاقته بالسودان و في نفس الوقت إستراتيجية حكمه في دولة جنوب السودان. قال الرئيس سلفاكير " أننا لا نريد العودة للحرب و أن الذين يدفعوننا للحرب يعتبروا أعداء لنا" هذه كلمات قليلة و لكنها تحمل بين طياتها إستراتيجية الرجل في الحكم خاصة في علاقاته مع السودان و في نظرته لقضية الحكم في داخل دولة جنوب السودان و أعتقد أن الرئيس سلفاكير أراد أن يأتي للسودان لكي يطلق منها إستراتيجيته. و من هذه الكلمات البليغة نطرح ثلاثة أسئلة هي التي تحدد ملامح إستراتيجية الرجل. السؤال الأول – من هم الأشخاص أو الجهة التي يمكن أن تحاول أن دفع الدولتين إلي الحرب ؟ السؤال الثاني – لماذا لا يريد الرئيس سلفاكير الحرب ؟ السؤال الثالث هل الرئيس سلفاكير صادق في ما ذهب إليه أم هي مناورة بهدف تلين موقف الخرطوم تجاه القضايا المطروحة للنقاش بين العاصمتين؟ نبدأ الإجابة بالسؤال الأخير أعتقد أن الرئيس سلفاكير مدرك لواقعه الجديد و مدرك أيضا أن النضال من أجل الحصول علي الانفصال يختلف تماما عن قضايا البناء و التنمية و من خلال هذا الإدراك خرجت كلمات الرجل صادقة و تعني ما يقول و هي إجابة تتداخل مع السؤال الثاني باعتبار إن الحرب تعتبر هي العائق الكبير لعملية البناء و التنمية و خاصة لدولة تتخلق من الصفر حيث تنعدم فيها البنيات الأساسية و الخدمات بكل أنواعه و كل تلك تحتاج إلي استقرار سياسي و اجتماعي و تضافر و تكامل كل الجهود بهدف تثبيت أركان الدولة الجديدة و أية دخول في حرب و نزاعات مع السودان أو دول الجوار الأخرى سوف تستنزف كل مدخرات الدولة و إمكانياتها القليلة كما لا يضمن الرئيس سلفاكير أن الجنوح نحو الحرب سوف تنتقل إلي داخل دولة الجنوب خاصة أن المجتمع الجنوبي مجتمعا هشا تتحكم فيه العلائق القبلية و العشائرية و من السهولة حدوث الاستقطاب في داخل ذلك المجتمع لذلك البعد عنها سوف يجنب البلاد داء الانقسامات كما يضمن تعاون دول الجوار للمساعدة علي حفظ الأمن و عدم تأجيج النزاعات و الصراعات الداخلية و خاصة إيجاد علاقة طيبة مع دولة السودان يعتبر الضمانة لعملية الاستقرار. أن عملية بناء الدولة و جذب الاستثمارات الأجنبية تتطلب استقرارا سياسيا و اجتماعيا و علاقات جيدة مع دول الجوار و لاسيما تعتبر دولة الجنوب منطقة جاذبة للاستثمار لأنها دولة ناشئة و تحتاج للكثير في جميع المجالات و القطاعات المختلفة كما النفط نفسه عنصر جاذب للعديد من الشركات العالمية و البيوتات المالية و العنصر المساعد لجذب رؤوس الأموال هو الاستقرار و عدم العنف لذلك عندما قال الرئيس سلفاكير أنه لا يريد العودة للحرب كان صادقا لأن معطيات البناء تتناقض تماما مع الحرب و توابعها. يعتقد الرئيس سلفاكير أن عملية النضال من أجل الحصول علي الحقوق و علي الانفصال كانت تحتاج لعناصر مصادمة و مناكفة و تثير العديد من القلاقل مع الجانب الأخر و هي إستراتيجية أتبعتها الحركة منذ الدكتور جون قرنق هي أثارة العديد من القلاقل و خلق العديد من الأحداث في وقت وأحد بهدف أحداث خلل في تفكير الجانب الأخر و عدم تركيز و هي الإستراتيجية التي كانت موكول إلي السيد باقان أموم أثناء الفترة الانتقالية " مشاكسات الشريكين" في الانتقال من حدث إلي أخر و من مشكلة إلي أخرى في جوانب مختلفة و بالفعل قد أحدثت ربكة كبيرة في السلطة الحاكمة و لكن بعد ما تحقق للحركة ما تريد و تمت عملية الاستفتاء و تأسست دولة جنوب السودان هذه النتيجة كان يجب أن تؤدي لتغيير كامل في إستراتيجية الحركة الشعبية الحاكمة باعتبار قبل الانفصال كان ينظر لها حركة كفاح مسلح تناضل من أجل الحقوق و لكن الآن أصبحت دولة خاضعة لنصوص القانون الدولي و العمل وفق المواثيق العالمية كما أن الواقع الجديد نفسه يفرض علي الحركة تغييرا في العقليات القديمة التي لم تستطيع أن تستوعب التغيير الذي حدث في مجتمع دولة جنوب السودان و حتى تغييرا يجب أن يحدث في عقلية القيادات بعد ما كان ينظر إليها قيادات تقود عمل متمرد ضد الدولة إلي قيادات تقود دولة و تؤسس لمجتمع جديد و لكن هناك ما تزال قيادات و عقليات متخندقة في الماضي و لم تستطيع أن تطور ذاتها للمتطلبات الجديدة و هذا السبب أعتقد هو الذي أبعد به السيد باقان اموم من التشكيلة الوزارية حيث تريد حكومة الجنوب أن تقول للخرطوم أن الشخصيات التي كانت تثير القلاقل و المشاكل قد استغنت عنها الحركة في هذه المرحلة التاريخية التي تتطلب واقعا جديدا ورؤية جديدة. و نأتي للإجابة علي السؤال المهم من هم العناصر أو الجهات التي تريد دفع الطرفين للحرب؟ أعتقد أن الرئيس سلفاكير لا يشير لناس بعينهم و لكن العناصر هي موجودة في دولة جنوب السودان كما هي موجودة أيضا في دولة السودان و هي عناصر لا تعيش و لا تتكسب إلا في ظل الصراعات و النزاعات و هي عناصر موجودة داخل دولة الجنوب و التي تعتقد أن الحرب هي أسهل طريق لحل المشاكل كما هي أيضا في الشمال تقرع طبول الحرب ليلا و نهارا و هي ذات العناصر التي دفعت الطرفين إلي النتيجة الأليمة التي فقد فيها السودان جزءا عزيزا منه و هي عناصر ما تزال تقرع طبول الحرب و الغريب إن في الدولتين السلطات الحاكمة تعطي هؤلاء مساحات كبيرة للحركة في الوقت تمنع فيها العناصر المرنة من الحركة و ممارسة نشاطاتهم بحرية. و لا يخف علي الرئيس سلفاكير النزاع الدائر في كل من ولايتي النيل الأزرق و جنوب كردفان حيث أن الحكومة السودانية تعتقد إن دولة جنوب السودان ليست بعيدة عن الصراع و تقدم دعما لوجستيا لمقاتلي الحركة الشعبية كما هناك اتهام أيضا أنها تفتح أراضيها من أجل تدريب الحركات الدارفورية و تواجد عدد من قياداتهم فيها هذه الاتهامات التي تثيرها الحكومة السودانية لا تقنعها كلمات الرئيس سلفاكير إلا إذا ارتبطت الكلمات بعمل يوقف الحرب الدائرة في الولايتين و إبعاد قيادات الحركات المسلحة من دارفور في الوقت نفسه أن حكومة جنوب السودان تتهم الإنقاذ أنها تساعد و تدعم المتمردين هذه الاتهامات المتبادلة من الجانبين تحتاج إلي حوار مستمر بين الجانبين لكي تتم عملية التقارب لحل المشاكل العالقة بين الجانبين. أن الرواسب من خلال الحروب الطويلة خلقت العديد من العقليات التي تتبني الحرب وسيلة لحل المشاكل و هي عناصر متقلقة داخل النظامين و لها مواقع مؤثرة في السلطتين و هذه العقلية لا يمكن أن تنتهي بين يوم و ليلة أو من خلال الكلمات الطيبة المتبادلة و لكنها تحتاج لسلسة طويلة من الإجراءات و تحتاج إلي ثقافة السلام المفقودة في المجتمع و ليس لآن الجنوب انفصل يتوقف العمل الذي ينشر ثقافة السلام و هي ثقافة لا تنفصل عن الثقافة الديمقراطية و هي تنمو و ترسخ داخل المجتمع عندما يقتنع الحكام في دولة السودان و في دولة جنوب السودان أن أهم ركن في عملية الاستقرار و السلام الاجتماعي هو أن يحدث تحول حقيقي في الدولتين لمصلحة الديمقراطية بيد إن المؤتمر الوطني الحاكم في السودان و الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان الاثنين ارتباطهما بالحرية و الديمقراطية ضعيف و يكاد جرابهما يخلو من الثقافتين و هي قضية تحتاج لبحث بين النخب في الدولتين و هو السبب الرئيسي الذي سوف يؤثر علي العلاقات سلبيا مهما كانت النوايا الطيبة بين القيادتين. لا أعتقد خافية علي الرئيس سلفاكير ليس بالضرورة أن القيادات الجنوبية التي حققت الانفصال و قيام دولة الجنوب و خاضت حرب عصابات ضد الدولة هي القادرة علي بناء و تنمية الدولة أو هي نفسها قادرة علي عملية التحولات في المجتمع فهي مرحلة تحتاج لعناصر جديدة تتفهم طبيعة المرحلة الجديدة و تحدث تقاربات أن كان علي النطاق الداخلي بين القوي السياسية في دولة الجنوب و العمل علي مشاركتها لكي تحدث عملية التنافس علي السلطة سلميا و هي التي تقلل فرص العنف في المجتمع أو في النطاق الخارجي خاصة مع دولة السودان و تنسي المرارات القديمة و الرواسب السلبية إلي أفاق أرحب تدفع المجتمعين للتقارب في مشرعات مشتركة و أعمال مشتركة تجعل الروابط و الوشائج تتجدد ايجابيا باستمرار. و ليس بين ليلة و ضحاها تستطيع تلك القيادات أن تغير فكرها و منهجها و الرئيس سلفاكير مستوعب هذه الإشكالية و لكنه لا يستطيع أن يحدث تغييرا سريعا لأنه سوف يحدث ربكة في الدولة و يسهل عملية التكتل ضد الدولة و لكنها تحتاج إلي زمن لكي يستطيع أن يحدث التغيير و لكن الخرطوم نفسها يجب أن تحدث تغييرا ايجابيا يساعد علي التقارب و حلحلة المشاكل و خاصة في قضية النيل الأزرق و جنوب كردفان لآن النزاعات المستمر في الدولتين سوف تكون البيئة الصالحة التي تحتاج لها العناصر التي تعمل من أجل نشر الحروب و النزاعات فهل المؤتمر الوطني قادر أن يفهم إستراتيجية الرجل أم أنه سوف يعتمد هو نفسه علي العناصر المثيرة للشغب نسأل الله التوفيق. zainsalih abdelrahman [[email protected]]