الجريمة فى واحدة من مظاهرها انعكاس حقيقى للحالة الاجتماعية و الاقتصادية، بل ان احصاءات الجريمة تقاس بها درجات السلم الاجتماعى و الاستقرار الاقتصادى. من الناحية الاخرى فالجريمة تجسد حجم الترهل الاجتماعى و الاخلاقى، البؤس و الوضع الاقتصادى المتردى الذى يدفع لارتكاب الجريمة كما ان اسلوب معالجتها يعتبر معيارا و مقياسا لمدى تحقيق العدالة بين المواطنين. صحيفة الأهرام السودانية 11-9- 2011 جاء بها (شاب كان مخمورا بمنطقة اللاماب قام بسرقة بطيخة أثناء نوم صاحبها الذى يعمل تاجر فاكهة فى المنطقة، عند شعور صاحب الفاكهة حاول الهرب الا انه قبض عليه و حوكم بتهمة السكر و السرقة و جلد 100 جلدة). صحيفة الاهرم 11 نوفمبر 2011 (اوقعت محكمة جنايات حى النصر عقوبة السجن لمدة شهر على لص سرق "مرتبة" من منزل بمنطقة الاندلس....الخ). الامثلة المذكورة المنشورة فى الصحيفة اعلاه، فى اعتقادى هى من الجرائم البسيطة و لا ترقى لمستوى الجرائم الخطيرة لكنها تعكس بصورة مكثفة الوضع الذى تردى اليه المجتمع و حجم البؤس و الترهل الذى يدفع الى سرقة بطيخة او مرتبة ! بالطبع لا اعتراض على تطبيق القانون على من أرتكب جرما أو جنحة، ذلك بغرض حماية المجتمع و الأفراد، ترسيخ السلم و الأمن الاجتماعى و تأكيد سيادة حكم القانون و هيبة العدالة. مع كل ما ذكرنا أعلاه من ضرورة اعمال القانون لمن ارتكب جرما، يظل ذلك الهدف بلا معنى، مشوها و ناقصا عندما يطبق القانون على البعض و يستثنى الآخرين أو بكلمات أخرى يطبق على ضعاف المواطنين و لا يطال "الواصلين" ذو الجاه و الوضع الاقتصادى و السياسى أو "ناس" السلطة ! شيئا آخر يلفت انتباه المتابع حول نشر اخبار الجريمة - رغم تحفظى على طريقة النشر و نوعيته- هو أن النشر يطال فقط الجرائم التى يرتكبها بسطاء الناس و لا يلجأ لنشر الجرائم او المخالفات التى ترتكب من قبل أهل السلطة التى يمكن أن يطلق عليها (السطو المنمق على المال العام) و هى الجرائم التى تستحق النشر لردع الآخرين و لاطمئنان المواطن أن العدالة لا تفرق بين الناس. لنرى المفارقات المحزنة و المذهلة فى آن واحد و نحن نتناول باختصار ما جاء فى تقرير المراجع العام المقدم للمجلس الوطنى بتاريخ 21- نوفمبر2011، اناقش فقط الجزء الخاص بالتعامل و الاعتداء على المال العام : - بلغت الاعتداءات على المال العام بالاجهزة القومية و حكومات الولايات فى نصف الوحدات الحكومية التى تمت مراجعتها و هى 143 و حدة من جملة 262 وحدة، مبلغ و قدره 24.34 مليون جنيه . - كشف المراجع عن اغلاق 29 حسابا بنكيا لوزارات تم فتحها دون علم وزارة المالية و البنك المركزى. - اعترف المراجع بوجود حوافز و مكافآت غير مشروعة تصرف لعاملين ببعض الاجهزة القومية. - وجود مخصصات اضافية للدستوريين بالولايات الذى وصفه المراجع العام بانه تبديد للمال العام. - كشف عن قيام الولايات باستثمارات لم تضمن بحساباتها. - قيام ديوان الزكاة بخصم مكافآت و حوافز لدعم منظمات من مصرف الفقراء و المساكين. - تجاوزات فى الصرف للهئية العامة للحج ( 5.4) مليون جنيه. رائحة الفساد و النهب (المصلح) تتجسد فى تقرير المراجع العام، ذلك يشمل حتى مؤسسات الدين، مثل ديوان الزكاة و الحج! التقرير يشبه تقارير سابقة لاعوام مضت تتحدث عن الاعتداء على المال العام لا يعرف المواطن ما تم بها! هل تم استرداد المال العام ...الخ قضايا المال العام فى بعض الدول يعاقب عليها بالاعدام لانها تمس حياة المواطن، تطور الدولة و مستقبل الاجيال القادمة. يأتى السؤال الذى يراود المراقب، ايهما أحق بالمحاكمة و النشر فى الصحف مَن سرقة بطيخة أو من "يلهف" الملايين؟!.....هل حقا نحن فى حاجة للاجابة على هذا التساؤل؟ نحن فى زمن يحاكم من سرق بطيخه بجلده مائة جلدة و يترك من سرق الملايين طليقا يهنأ بعماراته "السوامق" و "يتضرع" فى شوارع الخرطوم استعدادا لنهب آخر. انه عهد الانقاذ ! Adnan Elsadati [[email protected]]