عنوان الخبر و المقال يصلح لقصة بوليسية أو مسلسل مصرى لكن ذلك "بالظبط" ما حدث قبل اسابيع فى الريف الشمالى لمدينة امدرمان. تفاصيل الخبر الذى اوردته الصحف تقول أن مدير مدرسة يبلغ السابعة والثلاثين من عمره، تزوج من طالبته ذات السبعة عشر ربيعا، ثم قام بعد ثلاث ليالى من زواجه بفقع عينيها حتى توفت من جراء الصدمة! الخبر البشع يبعث الصدمة فى النفس خاصة انه جاء فى الصفحة الاولى لصحيفة الرأى العام !! ذلك موضوع يصلح لمقال آخر. السؤال الذى قفز الى ذهنى مباشرة........ماذا حدث للمجتمع السودانى؟!!...أعتقد جازما ان كثيرون من قارئ الخبر قد حط بذهنهم نفس السؤال. عندما قرأت الخبر ورد بذهنى تفاصيل خبر آخر أكثر فظاعة ، وقعت احداثه فى أحد مدن السودان الأوسط فى العام الماضى. تفاصيل الجريمة كالأتى، قام أحد الاشخاص بصب "ماء نار" على زوجته التى رفضت البقاء معه حتى لا تستطيع الزواج فى المستقبل من شخص آخر. تشوه وجهها و جسدها بالكامل. بتفكيك الخبرين نلاحظ الآتى: 1- اسلوب الجريمة الموغل فى الوحشية، المقصود منه احداث ضررا جسيما أو قتل الضحية. اختيار العضو المقصود بدقة لاحداث الاذى ، ثم اداة الجريمة المستعملة التى تحدث مثل ذلك الأذى. 2- ان الجريمة فى الحالتين تقع ضد المرأة، ذلك ليس صدفة. المجتمع السودانى كباقى المجتمعات ليس معصوما من الجريمة طالما ان اسبابها وقوعها لم تنتفى فى المجتمع. كانت الجرائم فى الماضى تحدث و لكن ليس بهذه الكيفية و الكمية. كانت جرائم القتل و الاذى الجسيم عندما تحدث يؤرخ لها و بها، بل تصبح سوابق قضائية تدرس فى مجالات القانون لانها كانت نادرة الوقوع يقول علماء الجريمة و المختصون بدراسة تطور المجتمع ان نوعية الجرائم و عددها داخل أى مجتمع تعكس الى حد كبير استقراره الاجتماعى، الاقتصادى و النفسى، هى مؤشر لمدى تماسكه. اسباب و دوافع الجريمة متعددة، منها الاقتصادى، الاجتماعى، النفسى وحتى الثقافى لكن فى اعتقادى ان الدافع الاقتصادى و الاجتماعى يلعب الدور المحورى فى ارتكاب الجريمة.. بالنظر و التدقيق فيما هو متوفر من نذر بسيط من احصائيات تنشر من مصادر متفرقة فى الصحف، يلاحظ المراقب ارتفاع نسبة جرائم معينة هى، جرائم القتل، جرائم الاذى الجسيم، جرائم الاعتداء على المال العام، ارتفاع دعاوى الطلاق لاسباب مختلفة. يلاحظ ايضا ارتفاع الجرائم المرتكبة تجاه النساء و الاطفال. ان ما يقع من جرائم يجسد بشكل مزعج ما أصاب المجتمع من ترهل و تفكك، ايضا يجسد بوضوح م ااصاب موسسات التربية الاخرى فى المجتمع من ضمور. يلاحظ المراقب ايضا الموقف السلبى تجاه المرأة و عودة النظرة الدونية لها من جديد! التعامل معها كأنها متهمة على الدوام. ان احترام المرأة و عدم الاعتداء عليها كان جزءا اصيلا من مورثات المجتمع السودانى الايجابية. كان الاعتداء على المرأة بأى وسيلة يقابل بالاستهجان، الاستنكار الاجتماعى ومن ثم معاقبة الجانى. ذلك الموقف الاجتماعى الحازم اوقف او حد بشكل آخر من تلك الممارسات. ان العقوبة القانونية لا تمنع الجريمة بل تقلل من ارتكابها، كما أن الاجراءات القانونية هى محاولات لاستباق الجريمة و منع وقوعها. ان القضاء على الجريمة بمختلف انواعها أو حتى الحد منها يتأتى فقط بالقضاء على اسبابها المتمثلة فى: توفير العدالة الاقتصادية و الاجتماعية - تنشيط و تركيز ثقافة احترام الآخر بصرف النظر عن نوعه، عرقه و عمره - دعم مؤسسات التربية ذات التوجه الأنسانى. - سن القوانين التى تحترم الفرد و لا تحط من كرامته. - بعث و ترسيخ القيم النبيلة و الايجابية فى المجتمع السودانى التى ارست منذ عقود - رفض القيم و العادات الدخيلة التى تتناقض و ثقافة المجتمع السودانى - فى اعتقادى ان هذه اشياء الباحث عنها فى سودان اليوم كالباحث عن " لبن الطير" !!!! Adnan Elsadati [[email protected]]