لم يكد الضابط بمنظمة التحرير الفلسطينية يقف أمام ياسر عرفات حتى فوجئ بصفعة قوية تهوي سريعاً على خده، وبنبرة غاضبة سأله عرفات عن الدواعي التي جعلته يخلع سلاحه أمام جمال عبد الناصر مؤكداً للضابط الذي ألجمته الصدمة بأن العسكري لا يجب أن يتخلى عن سلاحه إلا في حضرة قائده فقط. وبعد أشهر قليلة من الحادثة كان عرفات على موعد مع عبد الناصر وعلم (الختيار) كما يكنيه رفاقه في (فتح) أن ناصر علم بتفاصيل الواقعة فما كان منه إلا أن يخلع مسدسه الذي اشتهر بحمله على جنبه في حله وترحاله ويضعه بمنضدة عبد الناصر قائلاً بطريقة مسرحية جعلت ناصر يبتسم "ها هنا ذا ادع سلاحي في حضرة قائدنا، وقائد الأمة العربية". وحادثة عرفات مع عبد الناصر ليست بدعاً في محيط السياسيين وسواهم من المشاهير وإن كانت تنبئ عن ولع من نوع خاص في رغبة بعضهم في حمل الأسلحة أو اقتنائها. الى الدرجة التي جعلتهم ينفقون على هوايتهم تلك دونما بخل واضح, ولعل أبرزهم الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي, الذي ظل يُظهر ميلاً جارفاً لاقتناء الأسلحة بصورة مائزة, حتى إن ثوار ليبيا حينما ألقوا القبض عليه, وجدوه يتأبط مسدساً من الذهب الخالص كحالة نادرة وربما معدومة المثيل, ومثله الرئيس العراقي صدام حسين الذي بلغ ولعه بالسلاح أن صنعت خصيصاً له من الذهب والبلاتين ولكنها لم تستخدم وبقيت إلى يومنا هذا، واشتهر عن صدام أيضاً إطلاق النار في الهواء خلال الاحتفالات العامة معتمراً قبعة تشبه تلك التي يرتديها رعاة البقر الأمريكيين. (1) ومحلياً في النطاق السوداني يوجد عديد من الشخصيات البارزة النهمين في مضمار اقتناء الأسلحة لكنها عادة ما يلتزمون جانب الصمت ويفضلون أن يظل الأمر طي الكتمان ونادرة الخروج الى العلن عدا حالات متفرقة لأنجال المهدي والترابي قبل أن يتخير نجل قطب الختمية عبد الله المحجوب الميرغني في مصفوفة أبناء المشاهير المغرمين بحيازة السلاح بعدما ظهرت للأضواء حادثة توقيفه في مطارالقاهرة منذ يومين لحظة وصوله من العاصمة البريطانية لندن بتهمة حيازة أسلحة دون ترخيص. ونقلت مواقع الكترونية عربية ومصرية أن سلطات مطار القاهرة الدولي أوقفت نجل الزعيم محمد عثمان الميرغني في ساعة مبكرة وهو يحاول تهريب حقيبة ممتلئة بالأسلحة تحت غطاء أنها قطع غيار سيارات. ولاحقاً تبين من الفحص – حسب النبأ - أن القطع مكونات رشاش "هكلر" وبضع قطع من الأسلحة بالإضافة إلى أسلحة بيضاء. ونقلت صحيفة (اليوم السابع) المصرية أن الأسلحة المضبوطة تشمل: (9) خزينة سلاح آلى، (8) عصا سلاح، ومفتاح ربط سلاح وماسورة رشاش ويد تعمير بندقية و(2) خنجر و(2) دبشك سلاح و(2) سيف وبلطة وسكينة و(6) خزان و(2) تليسكوب ودبشك رشاش "هكلر". واللافت للانتباه حديث المصدر المقرب ل(الأحداث) الذي أكد أن عبد الله المحجوب مغرم بامتلاك الأسلحة، ولكنه يرحلها من بلد لآخر بتصاديق معتمدة. وعلمت (الأحداث) من مصادر موثوقة أن الشخص الذي درج على استخراج التصاديق القانونية التي تسمح للأسلحة بالمرور عبر المطارات والموانئ الدولية تخلف في الخرطوم ما أوقع نجل الميرغني في المحظور بمطار القاهرة. (2) وعوداً على بدء تشير الموسوعة العسكرية الى أن الرشاش (هكلر) يندرج ضمن فئة أسلحة الدفاع الشخصي، فوهته تقبل مزود كاتم صوت يؤهله لتنفيذ المهام الخاصة، ويتميز بأنه سلاح خفيف الوزن وذو معدل نيراني عال وتعد الوحدات الجوية الامريكية والقوات الخاصة الالمانية من أبرز الجهات استخداماً له باعتبار أن الدولتين صاحبتا الامتياز في تصنيعه. والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يجعل شخصاً كنجل الميرغني أو غيره من السياسيين أو المشاهير بالسودان يلجأون لحمل السلاح؟ مما يخافون؟ بالدرجة التي تضطرهم في بعض الأحايين لاعتماره خفية وبطريقة قد توقعهم تحت طائلة القانون أم هي محض هواية لابد أن تجد طريقها للإشباع؟ يؤكد اللواء عابدين الطاهر حاج إبراهيم مدير المباحث والتحقيقات الجنائية الأشهر ل(الأحداث) أمس بأن معظم الذين يميلون لاقتناء الأسلحة يعتبرونه نوعاً من تكملة الشخصية ويدلل على قوله بأن الشخص الواحد من أولئك النفر تجد بحيازته عدد من قطع السلاح في حين أن الأمر لو كان سعياً لتأمين شخصي لكانت قطعة واحدة تكفي. ويضيف ان معظمهم يسعى لاقتناء الأسلحة إرضاء للذات ولإشباع رغبته في التملك وتجدهم أشد حرصاً على متابعة الطراز الأحدث والسعي لاقتنائه تماماً كما يحدث مع موديلات السيارات الحديثة. ويمضي ليقول بأن السياسيين كثيراً ما تصل اليهم الأسلحة عن طريق الاهداء، وفي اكتوبر الماضي أهدت وزارة الداخلية الرئيس عمر البشير - اثناء الاحتفال بتخريج دفعة جديدة لزمالة أكاديمية الشرطة العليا - بندقية أوتوماتيكية موسومة من المباحث الجنائية برفقة رخصة لحمل السلاح. وعن قطع السلاح التي يفضل المشاهير وخصوصا السياسيين حيازتها يشير اللواء عابدين الى انهم يفضلون عادة الاسلحة الثقيلة على الخفيفة لاسيما المدافع الرشاشة والكلاشنكوف والام بي فايف على المسدسات ويميلون دائماً للأنواع الفاخرة على حساب الانواع العادية التي تحمل كميات اقل من الذخيرة ربما لتحقيق اكبر قدرة من الدفاع عن النفس اذا وقع طارئ لهم. (3) وحسب قانون الأسلحة والذخيرة يسمح للمواطنين بحمل سلاح تبعاً لضوابط خاصة تتولى شرطة المباحث والتحقيقات الجنائية تنفيذها ويشترط على مقدم الطلب ملء البيانات الخاصة به مع توضيح البيانات المتعلقة بالسلاح المطلوب (النوع، العيار), وكيفية الحصول على السلاح ب(التحويل، الاستيراد، الشراء) مع بيان الأسلحة التي بحوزته وذكر الأسباب التي تحتم حصوله على السلاح الناري بطبيعةالحال. ولم يميز القانون الأجنبي المقيم بالسودان بطريقة شرعية عن المواطن السوداني حيث تنطبق عليه ذات الشروط مع ضرورة موافقة الأمن على ذلك. أما الأجانب الذين يصلون للسودان في وفود رسمية يمكن للسلطة المرخصة التصديق لهم بحمل السلاح الناري مؤقتاً في خلال الفترة التي تستغرقها الزيارة بعد إرفاق خطاب من وزارة العلاقات الخارجية يوضح فيه أسماء أعضاء الوفد وأنواع وعيارات وأرقام السلاح الذي يحملونه مع التأكد من أنهم حرس للشخصيات الهامة التي تزور السودان وتحديد المدة التي تستغرقها الزيارة. كما يمنح الأجانب القادمين بغرض السياحة والصيدرخصة سلاح شريطة موافقة الجهات المختصة. (4) عصام نجل الدكتور حسن الترابي يعتبر من أبرز ابناء النخبة السياسية في مضمار اقتناء السلاح بجانب نجلي خاله الامام الصادق المهدي "عبد الرحمن وبشرى" وإن كان الأخيرين اقل لفتاً للانتباه بزعم انهما ينتميان للأجهزة العسكرية والامنية وبالتالي يصبح السلاح بأيديهما مسألة ليست مستغربة. ويدافع عصام بشدة عن تلك الخاصية التي ذاعت عنه بأنه لا يرى غضاضة في حمل أي شخص السلاح ويؤكد ل(الأحداث) امس ان رأيه الخاص ينطوي على ان السلاح يجب أن لا يمنع عن المدنيين وأن لا يكون حصرياً على العسكريين باعتباره وسيلة للدفاع عن النفس ولا بأس من حمله، وينتهي الى أن حجب السلاح عن المدنيين حيلة ديكتاتورية ليس إلا . ويعترف الترابي الابن بأنه يقتني أسلحة لكنه يتحفظ على إعطاء قائمة بعددها وأنواعها ويعزو الأمر الى أنهم أسرة مجاهدة وليسوا بعيدين نفسياً عن التعامل مع الأسلحة، ويشير الى انه أكمل إجراءات رخصة جديدة لحمل السلاح بعد أن سحب وزير داخلية سابق رخصته من قبل على خلفية منازعة شخصية بينهما مؤكداً أن ذلك كان عندما كان والده متنفذاً بالسلطة، وليس بعد إقصائه كما سيتبادر لأذهان الكثيرين. ويؤيد عصام الترابي بشكل قاطع وبلا مواربة اقتناء المدنيين للسلاح باعتبار ان الذي يدافع عن نفسه يملك دافعاً اكبر من الذي يقتل بالأمر في إشارة للعسكريين. ويضيف سبباً آخر لحماسته أن تسليح المدنيين يخلق نوعاً من الموازنة مع العسكر. لكن مع التشديد بأن سلاح المدنيين يجب أن لا يكون دبابات أو قنابل. ويستغرب عصام من استنكارالبعض على نجل الميرغني اقتناء سلاح كما حدث بعد توقيفه في مطارالقاهرة ويقول إن عبد الله المحجوب لا تثريب عليه كونه نقل أو حاز، ويتساءل ما الضير فيما قام به؟ فالسلاح يباع في كل عواصم الدنيا وهناك أكثر من (40) متجراً لبيع السلاح في الخرطوم وحدها. (5) المحامي والناشط بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل المعز حضرة لفت الى ان افراد حزبه لا يميلون في الغالب لحمل الأسلحة مع انهم يحملون رخصاً قانونية لذلك ومن أمثال اولئك القطب الاتحادي البارز ونائب رئيس الحزب علي محمود حسنين الذي يملك ترخيصاً ولا يملك سلاحاً ولا يجيد استخدامه. ويروي حضرة ل(الأحداث) أمس حادثة طريفة في هذا الأمر، تتمثل في أن وزارة الداخلية دونت بلاغاً ضد حسنين بعد أن اتهمته بحمل سلاح بدون ترخيص عطفاً على عدم تجديده الرجل الرخصة خاصته، وجاهداً حاول حسنين إقناع القاضي الشاب انه كان رهن الاعتقال في أحداث يوليو 1976م، لكن القاضي لم يستمع لدفوعاته فطلب إحالة الملف الى قاضٍ آخر الذي اقتنع بأن أسباباً قاهرة منعت المشكو ضده من معاودة الترخيص. ويسرد حضرة قصة أخرى عن إهداء الشريف حسين الهندي لقطعة سلاح ورخصة لسكرتيرالحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب الذي قبل الهدية ووسدها - حسب الراوي - طبلون سيارة (فلكسواجن) كان يقودها في طريقه عودته من البرلمان الى منزله بأم درمان. ويذهب محدثنا الى ان دواعي حمل السلاح بشقيه المشروع وغير المشروع تبدلت كثيراً في الآونة الاخيرة وكذا أنواعه، لقلة الشعور بالأمان وانتقلت الرغبة في الحيازة من المسدس وبنادق الصيد الى الكلاشنكوف والراجمات خاصة في ظل توفر الأسلحة بكثافة وبأسعار زهيدة في مناطق العاصمة الطرفية واشهرها على الاطلاق سوق ليبيا غربي امدرمان.