بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: (هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية [email protected] توطئة: § تلك السُميراء وزيرة الدولة بوزارة الإعلام الأستاذة سناء حمد حفزتني لأن أكتب في عمودي سلسلة أبدأ اليوم أولها بعنوان (دولة الحزب وحزب الدولة والأحزاب الجماهيرية) . وتلك السميراء مثار إعجابٍ وتقدير مني خاصة يوم هبت هبة الغيارى وجالت في والدمازين صبيحة يومٍ غدر الغادرين ؛ فهل عن مثلها يقال: مدللة حزب المؤتمر الوطني؟!. أعتقد أنه لا أحد من خصوم ومنافسي حزب المؤتمر الوطني يريد أن يفهم أنه حزب مفتح تمارس يمارس رموزه وقادته ونخبه الفكرية حرية الرأي والنقد وطرح الآراء أياً كانت طالما المبتغى هو الإصلاح والتحسين المستمر؛ إذ إنه ليس كبعض الأحزاب تُكرس لعبادة الفرد الفرد وغاية الديمقراطية فيها أن يجلس الأتباع للتمتع بوجوه الكريمة للسادة ؛ التي قيل عنهم أنه لا يأتيهم الباطل – والعياذ بالله-. وعلى كل حال فإجابتي على الأخ الأستاذ الفاضل/فتح الرحمن عبد الباقي مجيباً على عنوان عموده ألتساؤلي: (وماذا تريد البصيرة أم حمد الأستاذة سناء حمد ) ؟؟؟؟ ؛ فأجيبه بمنتهى الروية والهدوء : إنها تريد إصلاحاً في كل ما قالت أو كتبت ، فلم تسيء ولم تتهكم ولم تلجأ لتجريح الشخوص أو التشهير بأحد، فالتزمت الموضوعية في طرح أفكارها سواء اتفق أو لم يتفق معها الآخرين ؛ ولكنها مارست حقها في حرية التعبير وطرح رؤيتها أو ما تتمناه لحزبها ؛ وفي الحقيقة لا يمكن القول – كما جاء بالمقال- بأن هناك مسرحية ودور رُسم لها ؛ اللهم إلا إذا اعتمدنا نظرية التشكيك في كل ما يقوله خصومنا السياسيين من باب النكاية ؛ وعندها فقط سنترحم على ما يدعيه البعض من تقبله للرأي الآخر .!! § ولندرك ما طرحته الأستاذة سناء؛ لا بد في المبتدأ من نتعرف على نشأة الأحزاب في أعرق الديمقراطيات بالعالم؛ وماذا يعني الحزب كذلك التعرض إلى نوعيات النظم الحزبية ؛ وكذلك آليات هذه النظم الحزبية ؛ سواء كان ذلك فيما اصطلح على تسميته التعددية الحزبية أو الحزب الشمولي أي نظام الحزب الواحد ؛ فالجدير بالذكر أنه قبل العام 1850 لم تكن هناك أي أحزاب في العالم وأن الدولة الوحيدة في العالم التي قامت الأحزاب بالشكل العصري المتطور هي أمريكا. وأعني بالعصري أي أنها أسست على غير المعنى الذي يدل في جوهره على مجموعات اجتماعية أو دينية أو عرقية أو جهوية ؛ ولم يكن هدفها الوصول للسلطة بغرض تنفيذ برنامج لإدارة الدولة وذلك من وجهة قراءة تاريخية عن الأحزاب السياسية عبر التاريخ بصفةٍ عامة، والأحزاب الإسلامية بخاصة، فإذا بدأنا القراءة منذ وفاة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم ) السنة الحادية عشرة للهجرة ؛ كان باكورة نشأة الأحزاب السياسية، ومرحلة جديدة من تاريخ المسلمين السياسي، إذ ظهرت الفرق والأحزاب بشكل أوضح بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان (ت 35ه)، وازداد ظهور التكتلات السياسية بعد استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في واقعة كربلاء في العام 61 للهجرة، ثم ظهرت الفرق الكلامية والأحزاب السياسية بصورة جلية في العصر الأموي (41-132ه). § أما في العصر الحديث، فان الأحزاب السياسية في العالمين العربي والإسلامي، ظهرت في العصر العثماني و بعد ذلك مع دخول القوات العسكرية البريطانية الأراضي الإسلامية، كما أن علينا أن نذكر أن الأحزاب السياسية الغربية خرجت بشكل عام من رحم البرلمان حيث شكلت الكتل النيابية ولادة طبيعية للأحزاب السياسية المنافسة داخل أروقة المجالس البرلمانية . § ولما كان الحزب السياسي هو محور حديثنا، فانه لا بد لنا من أن نُعرِّف مفهوم الحزب في اللغة والاصطلاح، لندخل منه إلى بيان العناصر الرئيسة في تكوين الحزب، ثم نعرج على مفهوم الحزب في الإسلام وفي العرف السياسي، مع الإشارة إلى الألفاظ المرادفة للحزب. وعلى خلاف مفهوم الحزب في الأدبيات الغربية، فان الأدبيات الإسلامية تناولت الحزب وبشكل عام في جانبه السلبي بما فيه من ذم وقدح أشارت اليه آيات قرآنية عدة، ولهذا يبحث الكتاب في مفهوم الحزب في القرآن وبشكل تفصيلي متناولا معانيه كما وردت في القرآن الكريم، ومتعرضا في الوقت نفسه الى مفهوم الحزب في السنّة النبوية، مع بيان موقع الحزب في المنظور ألاعتقادي. § ويصطدم مفهوم الحزب السياسي في المنظور الاسلامي مع موضوعة التشريع، فالأحزاب السياسية في الغرب، لها أن تشرّع بما فيه مصلحة تراها للعباد والبلاد، ما يقدح في الذهن شبهة وإشكالية فقهية بأن تحذو الأحزاب في العالم الاسلامي حذو أخواتها في الغرب، فتشرّع بما يتعارض مع النص القطعي، ومن هنا ذهب البعض الى حرمة الحزب السياسي، ولكن الحرمة ترتفع فيما لو كان الحزب يقتصر عمله على تأطير القوانين بشرع الله، ولذلك كان السؤال الأهم هو :(هل الحزب مشرّع؟)، فليس للحزب الاسلامي أن يشرع ما يخالف قطعيات النصوص، وإلا خرج كونه حزبا إسلاميا ودخل في دائرة الأحزاب الغربية أو غير الإسلامية بصورة عامة، ويلحظ أن غاية الحزب الاسلامي هي تطبيق أحكام الإسلام تطبيقا كاملا شاملا، وهذا يقتضي عدم التشريع بما يخالف الإسلام. § ولأن الحزب يوصف بأنه حزب سياسي إذا كان مقصده تسلّم دفة الحكم، فإن أهم مبحث في هذا الصدد يندرج تحت عنوان أهم هو (الحكم في الإسلام) حيث نتناول مسألة الحكم وعلاقته بالتشريع الاسلامي، ولعل ما يفيدنا أن نستصحب بعض آراء المصنف الكرباسي وهو من أعلام الفقه الشيعي؛ إذ يعتقد بضرورة أن يرتكز عمل الحزب أو التكتل على مجتهد عالم حتى لا تخرج الأحكام عن دائرة الشرع الاسلامي، وقد وقف هذا المصنف كثيرا عند أهمية مأسسة المرجعية الدينية لتكون بمثابة جهاز دولة عظمى يتكون من خمسة مجالس، واحد للفقهاء وآخر مجلس استشاري، وثالث مجلس تمثيلي، ورابع مجلس تنفيذي، وخامس مجلس ممثليات. § ومن الواضح أن الحكم في الإسلام يدور مدار الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهية، وتقف بين الطرفين الإباحة، وللحزب أن يسبح في فضاء المباحات، كما له أن ينظر في الكليات، وقد تتغير الأحكام الشرعية: أولا: بالعنوان الثانوي أو بتحويل الموضوع، وثانيا: بالإكراه والإجبار والاضطرار والحرج، وثالثا: بالتعارض وذلك بتقديم الأهم على المهم كتعارض المصلحة الشخصية مع المصلحة العامة، فتقدم الثانية على الأولى. كما إن العرف بوصفه حجة، للحزب أن يعمل بما يقتضيه العرف. § أما عن مفهوم (الأكثرية) من الناحية الإسلامية والسياسية، وحدودها ومعالمها، فهذا يقودنا إلى ما إليه انتهى المصنف الكرباسي بإن اللجوء إلى الأكثرية يحكم العقل بحسنه، بل إن العقل يستهجن الإعراض عن رأي الأكثرية، كما إن الطريق للحصول على رأي هذه الأكثرية هو الانتخاب أو الاستفتاء، والعرف السائد في هذه الأيام ومنذ الأزمنة الغابرة على ذلك، فلا مجال لرفضه بحجج واهية. § ومن الطبيعي أن تكون الانتخابات محطة عمل الأحزاب السياسية بوصفها بوابة إلى مجلس يمثل الأمة والسلطة، وقد نفى مصنف الكرباسي أن تكون مسألة الانتخابات وافدة من الغرب على العالم الاسلامي، بل هي فكرة إسلامية محضة، ولكن الذي حدث أن الوسائل لم تكن متاحة في غابر الزمان، فلذلك كان الانتخاب أو الاستفتاء يجري في دائرة أصغر من دائرته العظمى.كما أشار إلى أهمية التنافس على الخير بين الأحزاب في البلد الواحد، من حيث أن التنافس مدعاة إلى تقديم أفضل الخدمات للناخبين ولعموم المجتمع. مع شرح النصوص الإسلامية الواردة في هذا المجال. § واغلب الذين تناولوا تاريخ العمل الحزبي الاسلامي، يصنفون التكتل المذهبي كحزب سياسي، بخاصة إذا كانت السلطة أو الإمامة أو الخلافة محور قيام التكتل المذهبي، يلاحظ أن السلطة هي ما يميز الأحزاب السياسية عن غيرها من الجمعيات والتكتلات أو ما يسمى في الوقت الحاضر بمنظمات المجتمع المدني. وهو ما يبحثه التطرق إليه المصنف في مبحث مستقل، حيث يرى المحقق الكرباسي إن التكتل المذهبي في بعض منطلقاته حزب فكري سياسي واجتماعي. § ولما كان الحديث عن التنظيم والنظم والتكتلات، فلا بد من مجلس قيادي ذو مرجعية دينية تأخذ بروح العصر واختلاف الزمان والمكان ؛ ولنعتبر المرجعية الدينية بوصفها تكتلا، مع بيان الخط البياني لرجوع الأمة إلى علمائها من مرحلة الاتصال الفردي بالفقهاء إلى مرحلة المجالس القيادية لمواجهة المخاطر التي تحيق بالأمة وبخاصة إبان الاستعمار الغربي للبلدان الإسلامية. § وحول دور المرجعية المؤسسية في العمل الحزبي، تتماشى مع الفقاهة والاجتهاد، مع تفصيل القول في الاجتهاد والمرجعية المؤسسية بوصفها الرتبة العليا في سلم القرار، كما ان تأسيس الحزب في إطاره الاسلامي منوط برأي أهل الفقه الشرعي. § إن وظيفة وعمل الحزب داخل أروقة المجلس النيابي ، هو بيان خصائص النظام البرلماني الذي يشكل الضلع الثالث من مثلث الحكم إلى جانب السلطة التنفيذية والتشريعية عند الحديث عن الحزب والبرلمان، فلابد وان يتم الحديث عن المعارضة، بوصفها إفراز طبيعي للعمل الشورى والديمقراطية، لان الشورى لا تتحقق أصلا إلا باختلاف الآراء فيضرب بعضها ببعض حتى يستبين الصواب، ومن الاختلاف في الرأي قيام المعارضة السلمية، وفي الديمقراطية فان ظهور المعارضة أوضح، حيث تشكل المعارضة مفصلا من مفاصل الديمقراطية. وتأسيسا على هذا الفهم، لذا وجب للحديث عن المعارضة في إطار الإسلام، إذ أن الحزب داخل البرلمان أو خارجه يشكل حركة معارضة تقوم على المطالبة بالحقوق من جهة ووضع حل للاختراقات أو الانحرافات من جهة أخرى. § وعند بيان عموم العمل الحزبي لابد من بيان الديمقراطية بوصف الحزب من معالم الديمقراطية، لذا لا بد أن نتحدث عن (الديمقراطية ونشأة الحزب الاسلامي)، حيث يفصل القول في نشأة الحزب الاسلامي في بلد قوامه على الأحزاب كما في أكثر البلدان الإسلامية وعموم البلدان الغربية، كما يفصل القول في بيان مفهوم الديمقراطية عبر التاريخ.كما إن من معالم الديمقراطية هو نظام التعددية الحزبية، وليس نظام الحزب الواحد، لان الأخير لا يؤسس للديمقراطية المنشودة، لذا فإن (التعددية الحزبية) تعتبر عامل قوة، كما يمكننا لاحقا التوسع في بيان أنواع أخرى لأنماط التكتل الحزبي كأن يكون الحزب تم تأسيسه على أساس قومي أو على أساس الأقاليم. § يقودنا الحديث عن بيان أنواع الأحزاب الى تحديد فهمنا للحزب وتقنين الأحكام الشرعية، وعن الأحكام الثانوية ومواصفات أهل الحل والعقد.ونستصحب في ذلك دور المهاجرين والأنصار في بناء دولة الإسلام الأولى، ودور المؤاخاة بينهما في بناء جدار الوحدة الإسلامية، واختلافهما في فهم الواقع وأسلوب التطبيق، مع تأكيد حقيقة دامغة هي ان الخلاف إنما هو للوصول إلى الأفضل وليس الخلاف للخلاف ولا للتفرقة والضعف. § وإلى المتن في الغد إنشاء الله .. يتصل Abubakr Ibrahim [[email protected]]