[email protected] "الصادق يعارض ببناته ويشارك بأولاده" هكذا سخر الشارع السياسي السوداني من حالة التشويش السياسي الذي أصاب المواطن في تحليله لواقع الحال بين الإمام والحكومة حيث لم يستطع أن يفهم أن يخرج الإمام الصادق المهدي صباحاً ليقول لأنصاره إياكم وأن تقربوا الحكومة ورياح "الهبباي" ستهب عليها بعد حين وقبل أن تستقر شمس اليوم الثاني في مجراها يرون بام أعينهم نجل الإمام العقيد عبد الرحمن يتوشح بزته العسكرية ويحمل عصاته التي كان دوماً يحملها وهو يقف أمام والده الإمام في اللقاءات الجماهيرية وتنظر إليه بأنه الإمام المرتقب ,ذات الرجل كان صباحاً يقف بين يدي رئيس الجمهورية المشير عمر البشير ويمد يده اليمني ليحلف اليمين على تعيينه مساعداً للرئيس وهو يدرك أن هذا التعيين يحمل الكثير من المعاني والدلالات السياسية التي لن تكون بعيدة بأي حال عن حالة التجاذب بين مشاركة حزب الأمة في الحكومة ورفضه لها وإن سعى عبد الرحمن التحلل من الحزب إلا أن المواطن العادي الذي يدقق في اسم والده لن يستطيع أن يفهم هذا الأمر ويصل لدرجة التمييز بين مشاركة الابن ومعارضة الأب وبناته، لاسيما د. مريم التي لم تضع حساباً لأخيها مساعد رئيس الجمهورية والعقيد في الجيش السوداني عبد الرحمن في إعلانها استعداد القوى المعارضة لتشكيل جبهة تغيير بالاشتراك مع الحركات المسلحة لإسقاط النظام لتكمل الدائرة التي شكلها بيت المهدي تمتد من الحكومة وحتى المعارضة، بشكل يحفظ لها مكانتها في الحكم في حال بقاء النظام أو زواله وبهذا تحقق قاعدة"أكل بلح الشام وقطف عنب اليمن". د.مريم الصادق..ثورية ولكن ! لم تكن تدري د.مريم أن تعقيدات فهم ودراسة الطب البشري أسهل بكثير من فهم تعقيدات ومداخل ومخارج السياسية السودانية التي يصعب فهمها حتى لصانعيها ولكنها دخلت من باب إذا لم أعرف سأستفيد وهاهي اليوم تعتبر رمز معارض لنظام الإنقاذ . د.مريم التي تقاسم أخوها عبد الرحمن الحب الأخوي إلا أنها مضطرة أن تقاسمه العداء في مقبل الأيام وهي التي تسعى إلى إسقاط النظام الذي يعمل فيه أخوها عبد الرحمن مساعداً للرئيس وزد على ذلك أنها أعلنت أمس عن اتفاق بين قوى الإجماع الوطني التي تعتبر من أبرز اقطابه على اسم وهيكل جديد يضم كل القوى السياسية والفصائل المسلحة بمسمى وميثاقٍ جديدٍ لتحقيق التغيير الشامل في البلاد، وهي بهذا تعمل مع الحركات المسلحة التي تقاتل القوات المسلحة التي يشغل فيها أخوها رتبة العقيد على محاربته . وقالت د.مريم التي كانت تتحدث في حشد جماهيري بإقليم دارفور بمنطقة الضعين أول أمس إن الهيكل الذي يسعى للتغيير سيتم الإعلان عنه خلال الأسبوع الحالي، وإن الاسم والهيكل سيتم الإعلان عنهما قبل يناير المقبل وأضافت أنه سيضم كل قوى الإجماع الوطني وقوى أخرى خارج الإجماع. "مريم المنصورة" كما يحلو أن يناديها الأنصار لها رصيد سياسي ليس بالهين وهي التي خرجت من البلاد في 1997م لتنضم لقوات التجمع المعارض، وصارت بعد ذلك نائباً لرئيس الوحدة الطبية في جيش لواء السودان الجديد الذراع العسكري للتجمع، ثم أصبحت قائداً لمكتب الحزب بأسمرا ومسؤولة عن الجيش حتى نوفمبر 2000م، في نهاية العام نفسه أصبحت رئيس قطاع المرأة في حزب الأمة القومي وهي الآن تشغل منصب مساعد الأمين العام لشؤون الاتصال بالحزب وهي ينظر لها بالخليفة المحتمل للإمام الصادق في ظل ضعف الأبناء في العمل السياسي. المنصورة درست الطب في الأردن وتخرجت عام 1990م لكن لم تتمكن من الالتحاق بأي وظيفة طبية لأسباب سياسية في المقام الأول ولاحقاً عملت بمستشفى سوبا الجامعي ومستشفى أحمد قاسم، ونالت دراسات عليا في تنمية المجتمع في جامعة الأحفاد للبنات وعلى الرغم من انتشار شائعة بتعيينها طبيبة في السلاح الطبي إلا أنها سخرت من الأمر ونفته . يحسب لها تمتعها بحيوية ونشاط سياسي كبير الذي قد يكون نابعاً من شخصيتها الرياضية فهي معروفة بركوب الخيل ومهارتها في السباحة في المياه التي قد تكون أسهل من سباحتها في الساحة السياسية التي اكتسبت فيها علاقات كبيرة مع القوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وهي التي كانت تدبر معهم المسيرات الاحتجاجية المناهضة للغلاء وكبت الحريات ودفعت في سبيل ذلك الكثير حيث تعرض للاعتقال مرتين من قبل الأجهزة الأمنية وهو مازاد شعبيتها وسط حزب الأمة وحتى كيان الأنصار. قد ينظر البعض إلى سعي عبد الرحمن لمنصب سياسي كبير في هذا التوقيت ضربة لجهود مريم في الوصول لرئاسة الحزب بإزالة الفهم السائد بأن العقيد لايعرف شيئاً عن السياسة، خاصة وأن مقبل الأيام قد تحمل معها رياح الخلاف بين الإخوة إذا استمرت مريم في خطواتها المعارضة التصعيدية في مواجهة النظام الذي أصبح يمثله أخوها وهي التي جربت هذا الأمر مع أخيها البشري عندما تعرضت للضرب حتى كسرت إحدى يديها من قبل الأجهزة الأمنية في حين يعمل أخوها ضابطاً في جهاز الأمن. مساعد رئيس الجمهورية..هل يحارب أخته؟! هو كان يعرف إذا قبل العرض سيسدد ضربة في مرمى والده وحزبه إلا أنه اختار المضي قدماً في طريقه الذي اختاره بنفسه وحديث والده عن حرية اختيار ابنه لما يريد أعطته فرصة المناورة الآمنة من سخط الإمام لذلك كان قرار العقيد بالجيش عبد الرحمن الصادق المهدي قبوله العرض السخي من الحكومة بتعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية وهو الذي تخلى عن المعارضة للنظام منذ تخليه من صفته الحزبية لصالح ارتدائه البزة العسكرية من جديد برتبة عقيد وهو الآن يرتقي إلى أعلى سلم السلطة في خطوة يصحبها الكثير من المخاطرة والقليل من الأمل . * منذ أن خرجت تسريبات بسعي الحكومة لتعيين عبد الرحمن مساعداً للرئيس سارع الإمام الصادق إلى القول بأن عبد الرحمن فارس سوداني خدم القوات المسلحة السودانية بإخلاص دون أن يكون له يومئذ أي دور سياسي فإعفاؤه كان ظلماً وبسبب اسمه لا بسبب فعله ثم خدم كياننا بكفاءة وتضحية. ولكن منذ عام 2009 انقطعت صلته المؤسسية بحزب الأمة وهو بذلك لا يمثل حزب الأمة بأي شكل من الأشكال، ولا يتقاطع مع موقف حزب الأمة في المعارضة وبهذا حاول الإمام أن يبعد أي التباس في الأمر ولكن يبدو أن هذا الأمر لم يقنع قطاعات كثيرة من السودانيين وحتى أنصار حزب الأمة التي لاتميز بين الإمام ونجله وعقب حديث الإمام اشار عبد الرحمن في أول تصريح له بعد تعيينه مساعداً للرئيس إلى أنه قبل المهمة من موقعه كضابط للقوات المسلحة، حرصاً على المصلحة الوطنية وأنه سيسعى على تحقيق السلام الشامل والعادل والتحول الديمقراطي الكامل والنهج القومي ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وأشار إلى أنه فور عودته في 2000م صار يرى ضرورة التعاون مع النظام من أجل المصلحة الوطنية وأنه في موقعه الحالي لا يمثل حزباً ولا حتى والده الإمام الصادق وأضاف "أنا أمثل شخصي وقناعاتي، ومجهودي، واجتهادي الذي أقدمه لوطني وأنا أطمع في الأجرين لو أصبت وفي الأجر الواحد إن أخطأت". عبد الرحمن الذي كان البعض ينقص من دوره السياسي نسبة لميوله العسكرية إلا أن هذا الأمر استفاد منه في تنفيذ أدوار أساسية خاصة وهو لم يكن بعيداً عنها بأن سنوات معارضة الإنقاذ والتي كان أبرزها مشاركته في عملية التخطيط والتنفيذ لخروج والده الشهيرة من البلاد في ديسمبر 1996م وانضمامه لقيادة المعارضة السودانية بأسمرا التي عرفت باسم "تهتدون" في رحلة برية من أم درمان لبحري ثم التوجه شرقاً بعبور مناطق شرق النيل وصولاً للحدود الشرقية للسودان، ثم أصبح بعدها أميراً لجيش الأمة الذي كان يقوده العميد محمد خالد المالكي وبعد مغادرة الأخير لأستراليا تولى قيادة الجيش ولسخرية القدر أن الرجل الذي كان يسعى بالأمس لتفجير الخرطوم على حسب رواية والده في سنوات الإنقاذ الأولى يسعى الآن إلى أن ينزع بكل ما أوتى من قوة أي فتيل يسعى لتفجيرها حتى وإن كان من يحمل هذا الفتيل إخواته. رباح الصادق ..لا قطيعة بيننا! في الضلع الثالث في بيت المهدي تقف الأستاذة رباح الصادق التي تشارك أختها مريم في النشاط المعارض وهي تقوم بهذا الدور بواسطة عملها السياسي في حزب الأمة وبجانب عملها الإعلامي والفكري عبر الكتابة الصحفية وهي الآن تمثل جبهة بجانب أختها مريم في قيادة العمل المعارض داخل الأسرة وعبر الحزب . رباح التي بالتأكيد لايرضيها مشاركة أخيها في حكومة تسعى لإسقاطها رفضت بقوة وصف ما يجري في بيت المهدي بأنه تمثيلية لتقسيم الأدوار بين معارضة وحكومة مشيرة إلى أن مايجري اختلاف حقيقي في التقديرات السياسية بينهم مضيفة أنهم أعلموا عبد الرحمن برفضهم لخطوته وأن تقديره غير جيد في ذلك إلا أنها لا تعتبر أن هذا الأمر سيتطور إلى أن يكون قطعية من الناحية الاجتماعية وأضافت " لاقطيعة بيننا" . وموقف رباح هذا ليس بعيداً عن موقف والدها الإمام الصادق المهدي الذي قال إنه يحترم خيارات أبنائه ويعطيهم حريتهم في مايريدون رافضاً أن يستخدم سلطته الأبوية لفرض موقفه على أبنائه . هذه "الربكة" التي أحدثها تعيين عبد الرحمن الصادق في الحكومة وسعي والده وشخصه لنفي أي علاقة لهما ببعض من الناحية السياسية يرجعها المحلل السياسي د.أسامة زين العابدين لسعي المؤتمر الوطني لتسديد"ضربة معلم في مرمى الأمة" وقد نجح في ذلك لحد كبير مشيراً إلى أن جهود حزب الأمة في عدم ربط التعيين بهم فاشلة ومشيراً إلى أن الحكومة سعت لتعيين عبد الرحمن من أجل اسم (المهدي) لتستفيد من ذلك من الناحية السياسية. وحول إمكانية التصادم بين عبد الرحمن ومريم يقول المحلل السياسي أسامة زين العابدين إن الأمر غير وارد لأن مريم تعرف بموقعها المعارض والنضالي بالإضافة إلى أن عبد الرحمن قد لا يتطور إلى لعب دور قيادي عبر موقعه الحالي في الحكومة ولن يسعى لمعاداة أخته في المعارضة بجانب أن هذا الأمر قد لا يؤثر على دائرة الصراع بين عبد الرحمن ومريم في خلافة والدهما وقد يرقي من حظوظ الأول موقعه السياسي الحالي على الرغم من معارضة جماهير حزب الأمة والأنصار لأمر مشاركته إلا أن الأمر في هذه المرة قد يكون مختلفاً بعض الشيء وفي ذلك يقول زين العابدين إن مريم ستواصل في عملها المعارض وهو دور ظلت تلعبه منذ فترة مستبعداً حدوث خلاف بينها وعبد الرحمن وأن موقفها الأخير يتسق مع الحزب في معارضة النظام الحالي.