الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار [email protected] تناولت في المقال السابق صعود التيار الاسلامي بعد ثورات الربيع العربي ، وذكرت عوامل الصعود التي حسب وجهة نظري تتمثل في: الانحياز لعقيدة الأمة، والتصدي للهجوم على الاسلام، والتضحيات التي قدمها التيارالاسلامي ، فضلا عن التغلغل في المجتمع من خلال الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، وتميز عضوية التيار الاسلامي بالالتزام التنظيمي، كما أن الانتصارات التي حققتها الثورة الاسلامية في إيران على الشاه، وانتصارالمجاهدين الأفغان على السوفيت، وصمودالمقاومة اللبنانية والفلسطينية الاسلامية في وجه الكيان الصهيوني وشل قدراته، هذه الحيوية، جعلت الرأي العام في العالم الاسلامي تزداد ثقته في هذا التيار، وأخيرا يبدو أن هنالك تحولا أمريكيا في العلاقة مع الاسلاميين. وفي هذا المقال أستعرض التحديات التي تواجه التيار الاسلامي في هذه المرحلة، وهي تحديات مهمة سيكون الحكم عليه حسب التعامل معها سلبا أو إيجابا: التحدي الأول: القدرة على التحول من مرحلة الشعارات إلى مرحلة البرامج التفصيلية التي تعالج قضايا المجتمع الحقيقية، فالشعارات تصلح للتعبئة لأنها تخاطب العواطف وتحرك الوجدان ، وهي مفهومة في لغة المعارضة، ولكن الدول لاتبنى بالشعارات بل بالبرامج المدروسة والواقعية التي تظهر آثارها على الأرض. لقد هوجم التيار الإسلامي كثيرا بأنه يتحدث عن التاريخ وليست لديه رؤى واضحة لمعالجة مشاكل المجتمع الإقتصادية والتنموية وقضايا الحياة بصفة عامة، وهنالك بعض الآراء تعتقتد بأن التيار الاسلامي سمح له بالصعود ليثبت فشله حتى يكف عن الازعاج! المطلوب من التيار الاسلامي أن يثبت لخصومه قدرته على قيادة الدولة، والأهم أن يشعرالمواطن بأن تغييرا حقيقيا قد حدث في أسلوب حياته وإلاستكون الكارثة أكبرسيتضرر منها الإسلام نفسه ناهيك عن التيار الاسلامي! فمثلا ظل التيار الاسلامي يردد كثيرا أن النظام الإقتصادي الاسلامي المتمثل في الزكاة والأوقاف ومحاربة الربا، والحث على العمل والانتاج قادرعلى حل مشاكل المجتمع المعيشية، المطلوب الآن اثبات ذلك عمليا، وكذلك الحال في إدارة الدولة من حيث الشفافية والعدل والمساواة وطهارة اليد وتوجيه الموارد للمشاريع التنموية الحقيقية، ومعالجة البطالة، والتخلف. التحدي الثاني: الانحياز للدولة المدنية، والمحافظة على النظام الديمقراطي الذي أوصلهم للحكم، فالدولة المدنية تعني: أن الحاكم يختاره الشعب ويحاسبونه ويعزلونه إذا أخطأ، وأنه لا امتياز لفئة بسبب دينها أوولائها، وأن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات، وأن القانون يسري على الجميع حكاما ومحكومين، والتيار الاسلامي الحاكم مطلوب منه ألا يشغل نفسه بالسلوك الفردي للناس ولا بأزياء النساء، ولابعقائدالناس، هذه الأمور تقوم بها مؤسسات الارشاد والتوعية وما أكثرها، فهي تدخل في قضايا الدعوة وهي قضايا الأمر الالهي فيها محدد"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" فالحكام عليهم الاهتمام ببسط العدل وتوفيرالعيش الكريم للشعب، وليتركوا قضايا الدعوة لأهلها! ومما ينسب للخليفة الراشد عمربن الخطاب قوله: "ولانا الله على الناس لنسد لهم جوعتهم ونوفرلهم حرفتهم، فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم" والأمرالثاني المحافظة على النظام الديمقراطي،وذلك باحترام الدستور، والالتزام بقرارات بالمؤسسات التشريعية، واستقلال القضاء، وحرية الصحافة، وحرية التعبيروالتنظيم، والتداول السلمي للسلطة، ويتجنبوا أخطاء بعض الاسلاميين الذين بمجرد وصولهم للسلطة عبر النظام الديمقراطي انقلبوا عليه، فضيعوا أنفسهم وضيعوا بلدانهم، فالديمقراطية التى أتت بهم من الممكن أن تأتى بغيرهم، وإذا حدث ذلك عليهم أن يتهموا أنفسهم بالقصور ولايتهموا الشعب بالكفر! وهنالك قضية يكاد يتفق عليها جل الاسلاميين وإن بدرجات متفاوتة وهي الضيق والتبرم من نشاط المخالفين في العقيدة والفكر، وأعني تحديدا التبشير المسيحي والتيار اليساري واللبرالي بحجة أن هؤلاء يحملون أفكارا هدامة! هذا الاشكال سيواجه الاسلاميين وهم في السلطة،فإذا تعاملوا بتفس العقلية التي يتعاملون بها وهم خارج السلطة فإنهم سيخلقون أزمة تشكل عائقا كبيرا أمام إدارة التنوع في الدولة الواحدة، المطلوب ادراك أن الحرية حق للجميع، وأن الاكراه في الدين مرفوض بنص الآية الكريمة"لاإكراه في الدين" وأن الأفكارالهدامة لاتزول بالقمع والاقصاء وإنما بالحوار والتنافس السلمي واتاحة الخيارات أمام المتلقي ليختار أفضلها. التحدي الثالث: المحافظة على كرامة الانسان وحرياته الأساسية. الانسان بنيان الله، ومن الأشياء التي تميز بها الاسلام تكريمه للإنسان بغض النظر عن لونه ، أودينه، أوعرقه "ولقد كرمنا بني آدم" فهو مكرم فقط لأنه إنسان، والتشريعات الاسلامية في مجملها تستهدف البلوغ لهذا المقصد التكريمي للانسان ليقوم بوظيفة الاستخلاف، وهنالك قواعد أصولية تشير لهذا المعنى- حرمة الأبدان مقدمة على حرمة الأديان، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عندالله أتقاكم، أوليست نفسا،ما أكرمهن إلاكريم وما أهانهن إلالئيم، لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم...الخ المهم تنزيل هذه المبادئ على أرض الواقع. وعلى الاسلاميين أن لايعولوا على العقوبات فهي آخرالتدابير لمعالجة السلوك الشاذ، وعليهم أن يتذكروا أن كل الأيدي التي قطعت في حد السرقة على طول تاريخ الدولة الإسلامية الراشدة لم تتجاوز سبعة أيدي!! ومعظم عقوبات الحدود المتعلقة بالزنا كانت عن طريق الاقرار يأتي المذنب بنفسه ليطلب التطهير!! وليتذكروا قول نبي الرحمة"لأن يخطئ الحاكم في العفو خيرمن أن يخطئ في العقوبة" وأما الحرية فهي قرينة الايمان، فقد جاء الاسلام ليحرر الناس من الشرك ومن العبودية، والانسان تميز عن المخلوقات الأخرى بالحرية والارادة فضلا عن العقل، فالمحافظة على الحرية مقصد أساسي من مقاصد الإسلام، صحيح للحرية حدود لمنع التعدي على حريات الآخرين، وللمحافظة على النظام العام، ولكن هذه القيود يحددها الدستور وتترسخ بالتربية والارشاد اللطيف. التحدي الرابع: التعامل مع المجتمع الدولي بوعي: عالم اليوم تحكمه مواثيق ومؤسسات دولية، ولاوجود في عالمنا المعاصر للمفاهيم التي تتعامل مع الدول بحسب عقائدها، وإنما هنالك مصالح بين الدول وهنالك مواثيق دولية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ونظام الأممالمتحدة – رغم عيوبه – توصلت إليه الدول بعد سلسلة من الحروب والصراعات المدمرة فالمطلوب المحافظة عليه وتطويره وسد الثغرات والنقائص فيه لامحاولة الغائه أوالخروج عليه، وليتعامل الاسلامون مع الرقعة الارضية كلها على أساس أنها ديار الإسلام ، تضم في داخلها أمة الاستجابة وأمة الدعوة. إن مفهوم السيادة والخصوصية تأثر كثيرا بالثورة التكنلوجية، والوسائط الاعلامية، ومنظمات المجتمع المدني، والشركات متعددة الجنسيات، مع هيمنة المؤسسة الدولية الأممالمتحدة ومنظماتها المتخصصة، هذا الواقع الدولي لابد من الوعي به والتعامل الواقعي معه. التحدي الخامس: تجاوز النظرة الدونية للمرأة: الرؤية الاسلامية للمرأة متطورة وأقيم من كل النظريات الأخرى، ولكن الجهل بالاسلام، والتأثربأخلاق البداوة، والاستضعاف، هذه العوامل أبرزت لنا صورة مشوهة في تعامل المسلمين مع المرأة، وبالرجوع إلى النصوص القطعية وتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أن المرأة والرجل خلقا من نفس واحدة وكلاهما مخاطب بالتكليف والاستخلاف، وأن المرأة شقيقة الرجل، وتأمربالمعروف وتنهى عن المنكر، وتتولى الشئون العامة بمافيها قيادة الدولة- قصة بلقيس- فالمطلوب إلغاء كل المفاهيم الدونية للمرأة، واسقاط كل الروايات التي لم تثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم حسب منهج الاسلام الذي جعل المرجعية للقرآن الكريم وماصح عن رسول الله، ومعلوم أن أحكام الإسلام لاتتعارض مع العقل، ولاتتناقض الواقع، المطلوب التعامل مع المرأة كإنسان وكفي.