(1) قبيل إلقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابه الذي وجهه الخميس الماضي إلى الأمة الإسلامية، كتب المفكر والناشط المصري د. سعد الدين ابراهيم في صحيفة الواشنطون بوست يطالبه بأن يوجه خطابه من بلد إسلامي آخر أكثر انفتاحاً وديمقراطية، مثل تركيا أو اندونيسيا. (2) في ندوة استضفناها في الجامعة هذا الأسبوع، عبر الأكاديمي الأمريكي رضا أصلان (وهو إيراني المولد) عن رأي مماثل، ولكن من منطلق آخر، حيث قال إن غالبية المسلمين يعيشون خارج منطقة الشرق الأوسط، حتى أن مسلمي افريقيا جنوب الصحراء يفوقون العرب (من كل الديانات) عدداً. وأضاف إن العالم العربي لم يعد المركز السياسي ولا الحضاري للعالم الإسلامي، وعليه كان ينبغي أن يختار أوباما اندونيسيا لتوجيه رسالته إلى المسلمين، خاصة وأنه نشأ فيها. (3) اختيار أوباما للسعودية ومصر كنقطة بداية لجولته في العالم الإسلامي وتوجيه رسالته من هناك تمثل مفارقة كبرى، خاصة وأنه ذكر في خطابه أن العنف الإرهابي هو المشكلة الأساسية مع العالم الإسلامي. ذلك أن منفذي عمليات 11 سبتمبر والعقول المدبرة لها جاءوا من هذين البلدين، وكانت بواعثهم تتعلق تحديداً بطبيعة نظامي البلدين والعلاقة التي تربطهما بواشنطون. فإذا كان أوباما جاء لمعانقة النظامين دون أن يتغير فيهما شيء أو تتغير علاقاتهما ببلده، فإنه لم يتعلم شيئاً على ما يبدو من المأساة التي شهدتها نيويورك وواشنطون، ولا الثمن الباهظ من غزو العراق وأفغانستان. (4) المعضلة موضع النظر هي ليست مشكلة أمريكية، بل هي مشكلة داخلية تتمثل في وجود حكومات تتعامل مع الشعب كما تتعامل حكومات الاحتلال، وتتخذ من الأمة عدواً لا بد أن يحاصر من كل جانب. في ظل هذا الوضع فإن الولاياتالمتحدة أو أي جهة أخرى من الخارج تريد أن تتعامل مع الأمة الإسلامية تجد من الأسهل التعامل مع الحكومات التي تحتاج إليها لحراسة مصالحها وتنفيذ طلباتها. أما الشعوب الأسيرة فلا فائدة من التعامل معها. (5) لا لوم والحال هذه على أوباما أو غيره من الحكام الأجانب إذا رأى في معانقة الطغاة الطريق الأقصر إلى تحقيق غاياته. ولكن بنفس القدر فإن عليه ألا يستغرب إذ يصبح وبلده طرفاً في الصراع الدائر بين الشعوب وحكامها، وأن تصيبهما من ذلك سهام طائشة أو متعمدة. وليس الحل هنا كما ذكر أوباما في خطابه، هو أن تدخل أمريكا طرفاً مباشراً في الحرب كما فعلت في أفغانستان، بل الحل لا بد أن يكون بإنهاء حالة الحرب القائمة أصلاً. (6) يستحق أوباما في هذا المقام أجر المجتهد، لأنه سعى لفتح حوار مع الأمة الإسلامية من منطلق الاحترام المتبادلة والقيم الإنسانية المشتركة. ولكنه كشف في خطابه كم هو طويل الطريق المفروض قطعه قبل الوصول إلى هذا الفهم المشترك. (7) بداية فإن اختيار بداية جولته من بلدان تفتقد شعوبها الحرية، ومعانقة طغاتها (والانحناء لهم أحياناً) تعبر عن استخفاف واستهانة بالأمة التي أراد مخاطبتها. فأوباما أو غيره ما كان ليتجرأ مثلاً للذهاب إلى رانغون لتوجيه خطاب إلى شعب بورما، أو إلى بيونغ يانغ لمخاطبة الشعب الكوري. ولكن يبدو أن كل شيء جائز في حق العرب والمسلمين ممن تعودوا المهانة من القريب والبعيد. (8) نص الخطاب حفل كذلك بعدد كبير من الاتهامات المبطنة والتعالي الأخلاقي المتضمن. فالحديث عن حقوق المرأة والأقليات الدينية، والإشادة بإسرائيل والتذكير بالمحرقة، كلها تقول ضمناً أن المسلمين مقصرين في احترام المرة وحفظ حقوق الأقليات، ومتهمين بإنكار المحرقة والعنصرية تجاه اليهود. (9)