(من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلاً) صدق الله العظيم * " نحن نعرف بأنّكم شموعاً تُضيئُ ظلامات الهامش نوراً وتبصيراً، وتحترقون فداءً وتكريماً من أجل أجيالٍ سبقت وأُخري بَقِيت. فالشموع لا تَخلِد ولكنها تُخلَّد والشموع لا تبقى مضيئة أبد الدهر ولكن يبقى نورها مضيئة في القلوب ما دام الدهر". فإن فاضت روحك، فقد فاضت في ميادين البطولة من أجل المهمًّشين وإن زُهِقت روحك فقد زُهِقت فداءً لأولئك المحرومين المكتويين بنيران الظلم يوماً بعد يوم في سودان الشتات. * نبكيك ألماً دكتور خليل ونحن على علمٍ بأن دموعنا لن تغسل عار إغتيالك ولكنها حتماً ستنفس ما بالنفوس من ضيق وحنق. فمن لم يمت من عيلة فقد يموت من غيلة وها نحن نُترك بعدك كما تُرِكنا من قبل هامشاً نذرف الدمع دماً سخيناً وألماً. * نبكيك خليلاً كما بكينا أخلّاءً من قبلك؛ جاد بهم المولى عطاءً لعبادٍ لم يَرضَى لهم غيرهم بالمساواة درجةً ولم يرضوا لهم بالخلق قسمةً. * نبكيك مجاهداً وإن خوَّنك أعداؤك؛ فهل يَعرِف قيمة الدواء إلّا المرضاء!! فكم من مهمشٍ لم يعرف له قيمة إلّا حديثاً ، ساعة أن توالت نداءات أمثالكم بالجهر حيناً وبالنضال مثله في ساحات الحقوق ليعيش ذلك المهمش حراً مكرَّماً!! فالشعوب هي من تملك الحق في تقييم أبطالها وهي من تمتلك الحق في تمجيد شهدائها وستكونون منارات تستهدئ بها الأجيال التوَّاقة للعدل والمساواة ما دامتا مفقودتان في سودان اليوم. * نبكيك مناضلاً ومناهضاً، فلم تُغمِض عينيك عن الحق لتستمرئ دروب النفاق والإختلاق، ولم يُغمض لك جفن كغيرك عندما تبيًّن زيف المشروع الحضاري فقد سطعت حينه شمس الحق بازغةً عاليةً فإهتديت إلى نورها وركلت الدنيا وبريقها ولفظت الحياة وشهواتها وعدلت لربك مهتدياً تذرف دموع الندم على ما إقترفت يداك من مظلمة لأحدٍ. * نبكيك زعيماً فالزعامة إكليل لا يُوشَّح به إلّا قلة من أوفياء الرجال بمآثرهم ومواقفهم وثباتهم على البِلى والمكاره؛ فلم تثنِ عودك من محنة ولم تنل من عزيمتك مصيبة بل كنتَ صخراً تكسرت حوله أمواج الغدر مرات ومرات، وكنت سداً منيعاً لم يستطع أعداؤك من إختراقها والتغلغل من خلالها للوصول لمآربهم. فهل من عظمة تضاهي عظمتك وروحك تسمو لبارئها وهي مغتالة!؟ * نبكيك أخاً وأباً وعماً وخالاً؛ فما من معسكرٍ تركته روحك الطاهرة إلّا وقلوب الكبار فيه مفجعة وحدقات أبناء أخواتك مليئة وحناجر إخوتك مخنوقة، فإن دموع الرجال لا تُذرَفُ إلّا لحبيبٍ علِّيٌ قدره ولعزيزٍ جليلٌ أمره. فإن غيَّبتك المنيَّة عننا فإن بريقك لن ينطفئ أبداً. فماذا يضير تقادم التبر مع التراب؟ * لن تكون حتماً نهاية العنقود شهيدنا د. خليل؛ فقد سبقك أبطالٌ لك أضاؤوا دروب النضال بتضحياتهم ولا تزال ذكراهم تعطِّر نفوس أحبابهم كل حين، ولن تكون حتماً آخر المُغتالين ما دامت للمهمّشين قضية لم تنتهِ. فإن كان هنالك درسٌ يُستوعب من فجيعتك هذه فهو "أن يفهم كلٌّ منا أننا في اللون مستهدفون " مهما بانت عدالة قضيَّتنا وفاضت. لن تنطفئ جذوة النضال وتخبو ما زالت في بقيتك وقوداً تحترق وما زال في البقية نفر مؤمن يسري في دمائه بغضٌ للذل والإستذلال وعشق للتحرر والعيش الكريم. * نودعك الثرى وقلوبنا مؤمنة بأن هذا قدرك من الله ربك ونرفع أكفَّنا إليه تضرعاً وتوسلاً ونحن ملئ يقيناً بأنك مع الشهداء المغفورين لهم ما تقدَّم من ذنبهم وما تأخر وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العليُّ العظيم، ونسأل الله الرحمن الرحيم أن ينزل سكينته على آلك وذويك أجمعين والمهمَّشين من شعبك المظلومين وما توفيقنا إلا بالله. [email protected] النرويج 26.12.2011