الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    لم تتحمل قحط البقاء كثيرا بعيدا من حضن العساكر    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر البرهان يقف على مراسم "دفن" نجله ويتلقى التعازي من أمام قبره بتركيا    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنت منذ الآن غيرك ... بقلم: محمد عثمان ابراهيم
نشر في سودانيل يوم 12 - 06 - 2009


[email protected]
حكى فنسنت باييز أنهم إذا قاموا بتنظيم تظاهرة فإن فيدل ينتظر لحين وصول الصحافة، وعند قدوم الكاميرات يهرع إلى شعلة يحملها بالقرب من وجهه، فتمنح ذلك الوجه إضاءة رائعة، وحين تنشر الأخبار في صحف الغد ستكون الصور التي تجذب إنتباه القاريء هي صور وجه فيدل المضاء.
في مرة من المرات ذهب فيدل عام 1949 أو 1950م، الطالب حينذاك بجامعة هافانا، إلى الدكتور ريكارد مارتينيز فيرير الذي حكى أنه كان بإستراحة مستشفى الجامعة حين سمع طرقاً شديداً على الباب في إحدى الأمسيات ثم ظهر فيدل وعلى رأسه ضمادة هائلة. طلب فيدل منه أن يسمح له بالبقاء في الإستراحة فوافق وحين خرج مارتينيز من الغرفة لفحص مريض آخر طلب من فيدل أن يأتي معه بنسخة من (بريسنا ليبر). تناول الطبيب الصحيفة فرأى في صفحتها الأولى صورة كبيرة لفيدل (الدكتور فيدل كاسترو روز فيما بعد) بضمادته الضخمة وعنوان الصحيفة يقول :" الشرطة تعتدي على قيادي طلابي"، لكن حين عاد مارتينيز على الغرفة وجد الشاب وقد تخلص بكل اطمئنان من الضمادة المزيفة.)جورجي آن جايير، أمير حرب العصابات(.
بعد ستين عاماً من تلك الحادثة ، ينظر الكوماندانتا العجوز إلى وجهه النحيل في المرآة وقد أنجز كل شيء منتظراً يوم القيامة، تزعم الطلاب والعسكر والشعب كله وألهم الكثيرين حول العالم.يجلس الرجل إلى حاسوبه الآن وهو يكتب تأملاته عن كل ما يمكن أن يخطر على باله وتنشر تلك التأملات على موقع بلاده الرسمي الأول بعدة لغات من بينها العربية، لكن الحقيقة أن لا أحد يحفل بتلك التأملات ، الكل ينظر نحو المرحلة التي تلي الخطوة القادمة وحين ينظر الكل للوراء يتأمل هذا الكل في السؤال: كيف أفلت الرجل العجوز النحيل من ستمائة وثمانية وثلاثين 638 محاولة لقتله خلال نصف القرن الذي مضى. الحياة ليست لعبة وكذلك الموت!
قبل ما يزيد عن العام ملأ شاب ينتمي للحركة الشعبية لتحرير السودان، زعم أنه يتولى منصب السكرتير الإعلامي والناطق الرسمي باسم حزبه في ولاية الخرطوم ، شبكة الإنترنت بالضجيج قائلاً أنه كان رهن إعتقال متعسف للسلطات في السودان وأنه وعائلته الآن رهن الإختباء بسبب مخاطر ماثلة محدقة ومحاولة جادة للنيل من حياته. وفيما ملأ الشاب رسالته بقضايا من على شاكلة "عندي أيضاً أدلة قوية على دعم النظام للمعارضة التشادية ومع النظام طرف دولي آخر ( دولة حليفة للمؤتمر الوطني ) أنا متأكد تماماً لا أحد يعرف ذلك إلا أنا والنظام والمعارضة التشادية وقيادة الحركة الشعبية" فإنه خرج على الملأ بأمر غريب وهو إن السلطات طلبت منه إساءة معاملة قادته السادة ياسر عرمان ومالك عقار وتصوير ذلك ثم تسليمها شريط التسجيل. بالطبع لم ترد السلطات على تلك الإدعاءات فيما تجاهلت الحركة الشعبية وقطاع الشمال على وجه التحديد الأمر كله ولم تجهد نفسها في سبيل ضبط تصريحات عضويتها وتصرفاتهم خصوصاً أولئك الذين يتولون مناصب قيادية فيها. لم يشأ قطاع الشمال فيما يبدو حرمان نفسه وزعيمه من التغطية الإعلامية وفقاً للنظرية المعروفة إن الظهور –كل الظهور- في وسائل الإعلام أمر محمود وإن (الكحة ولا صمة الخشم) وفقاً لحكمة المثل السائر.
بعد ما يقل عن العام نشرت العديد من المواقع الإلكترونية في صدر صفحاتها خبراً طويلاً مرتبك الصياغة بعنوان (إفتضاح مخطط خطير ضد ياسر عرمان) ينسب (أكرر الخبر وليس أنا) ليومية الوفاق التي تصدر في الخرطوم أنها أكدت قيام "جهات مسعورة" ذات صلة بالكاتب / إسحق أحمد فضل الله بالتخطيط لتصفية عدد من قيادات الحركة الشعبية من بينهم ياسر عرمان، وغني عن الذكر أن المضي في نشر أي خبر بهذا الشكل قد يوقع في المحظور. إحتوى الخبر –ذو الصيغة المتحاملة والذي كتب لمصلحة السيد عرمان بمعرفته أو دونها- على مفردات سوقية من على شاكلة (الجدعان)، (الجهات المسعورة) ،(فبركات رخيصة)، (الأكاذيب)، وغيرها دون أن تغفل التأكيد على إن قطاع الشمال يشكل أحد أهم "آليات التحول الديمقراطي في البلاد" وأنه المدافع عن الحريات العامة ومصالح الجماهير! ما أشبه الليلة بالبارحة! وكأن البيان تحليلاً تبثه إذاعة (صوت السودان) صوت التجمع الوطني الديمقراطي، التي أسهمت أكثر من وسائل السلطة الحاكمة-ذات معارضة- في تبيان ما يعتور تلك المعارضة من خور وكسل وقعود . لم يقم قطاع الشمال بالحركة الشعبية، كمؤسسة ذات مسئولية، بتوضيح وجهة نظره من الأمر رغم ان الوجود الإفتراضي لذلك القطاع في وسائل الإعلام أكبر من تواجده في أوساط الجماهير. ولم يبلغ علمنا أن صحيفة من الصحف قد إستجوبت ناطقاً رسمياً بإسم القطاع –على كثرتهم وتوافرهم على الهواتف- عن الأمر. في كل صحف العالم ووسائل إعلامه –المحترمة- يتم عرض المواد الخلافية على طرفي القصة لإبداء وجهة نظرهما وتضمين ذلك في صيغة الخبر وفي حالة رفض أي طرف للتعليق، تضع الصحيفة أو الوسيط الإعلامي المعني الأمر بين يدي المتلقي وتعلمه أن فلاناً رفض أو اعتذر عن التعليق.
وفي 25 مايو 2009 (يا للصدفة!) أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان، أنها أبطلت مفعول قنبلة قالت أنها (دائرية؟) تتكون من 3 أجزاء تعمل عبر التحكم عن بعد، وضعت بدارها (قطاع الشمال) بضاحية اركويت من قبل مجهولين، مستهدفة، على ما يبدو، القيادي في الحركة نائب الأمين العام لقطاع الشمال، ياسر عرمان. ونسبت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية (26/5/2009) لمصادر أن القنبلة إذا ما انفجرت بالكامل كان يمكن أن تدمر مبنى الدار المكون من أربعة طوابق، والواقع في مساحة 500 متر مربع. وفي تصريح للصحيفة قال الناطق الرسمي لقطاع الشمال بن ماثيو "إن شاهد عيان ذكر أن سيارة نصف نقل «بوكس» مظللة ليست بها لوحات توقفت بالقرب من مبنى الحركة، في الساعات الأولى من صباح أمس، وترجل منها شخصان، تاركين وراءهما السائق، ودخلا دار الحركة من الناحية الشمالية، واتجه الرجلان نحو مكتب ياسر عرمان".إتهم ماثيو الشرطة تلميحاً في تصريحه المشار إليه (الشرق الأوسط) التي ذكرت أنه دعا الشرطة لحماية عضوية الحركة " إن لم يكونوا المتورطين" ثم أخذت تصريحات قادة الحركة منحى واحداً إذ قال ماثيو إن العملية مقصود بها تخويف الحركة الشعبية، أما الأمين العام للحركة السيد باقان أموم فقد أعلن بوضوح للصحيفة "نحن نعرف القائمين بهذا العمل، هم الأشخاص أنفسهم الذين يصدرون فتاوى بحق قيادات الحركة ويحملون المسدسات تحت قبة البرلمان لتخويف نواب الحركة" مهلاً يا رجل ، دع الشرطة والأجهزة المعنية تعمل. قالت الحركة على لسان أحد منسوبيها أن القنبلة تتكون من الزئبق وبعض المواد الحارقة وأن قطع المتفجرات تزن الواحدة منها 45 جراماً! ترى كم قطعة من المتفجرات يحتاج المبنى المكون من أربعة طوابق لتدميره، مائة قطعة؟ مائتان؟ الجميع يدرك خطل مثل هذه المزاعم وأول هؤلاء السيدان / عرمان وأموم اللذان قضيا في الأحراش الحقيقية ما يزيد عن العشرين عاماً، و يدرك كلاهما ضعف مثل هذا الكلام وعوار الحجة فيه، فهل يا ترى ثمة حاجة حقيقية لقنابل تصنع من الزئبق والصابون في بلد خارج للتو وما يزال في حالة حرب مفجعة؟ لقد أتيح للكثيرين- والكاتب منهم- أن يلتقوا في الخرطوم هذه وقبل حوالى الأسبوع من إعلان محاولة الإغتيال المشار إليها، بما يزيد عن العشرين مسئولاً رفيعاً في الدولة والشخصيات القيادية في البلاد بمن فيه الرئيس ونائبه ومساعده (القوي) ووزرائه (المهمين) وأمين عام الحركة الشعبية وقادة أحزاب أخرى، والسيد ياسر عرمان نفسه الذي يتولى منصباً دستورياً رفيعاً في هذا البلد، دون أن نلحظ مرة وجود حراس حولهم ودون أن يخضع أحد للتفتيش أو الكشف بالأجهزة التي يصم صريرها الآذان كلما مررت بجانب دائرة يعيش فيها مسئول أدنى ممن ذكرنا في كثير من دول الجوار. لم تتعطل أجهزة المحمول التي كنا نحملها جراء دخولنا في الدوائر الخاصة بأولئك المسئولين ولم نتبين أي مظهر من مظاهر عدم الأمان لدى هؤلاء، فما الحاجة إلى قنابل تنفجر عن بعد وكل هؤلاء المسئولين بمن فيه السيد عرمان نفسه مبذولون ومتوافرون لعامة الشعب في غير مكان وزمان؟
لم تنل القضية الإهتمام المتوقع، إذ لم تصدر الحركة الشعبية نفسها أي بيان رسمي عن الحادثة ولم يتضامن حزب المؤتمر الوطني، شريك الحركة في السلطة والثروة ببيان أو تصريح لمسئول هو الآخر، وتجاهلت القوى السياسية والإجتماعية والثقافية الأمر ، حتى (محجوب حسين وبحر أبوقردة) لم ينشغلا بالموضوع، وقد كان بيان التضامن الوحيد-فيما قرأنا- هو الذي صدر في لندن عن حركة العدل والمساواة بتوقيع ناطقها الرسمي أحمد حسين آدم!
على الجانب الآخر ، أفادت الشرطة في بيان صادر عن الناطق الرسمي باسمها الفريق/ محمد عبدالمجيد الطيب أن أحد منسوبي الحركة (أحمد قرنق) تقدم في العاشرة والنصف صباحاً ببلاغ "بأن شخصين مجهولين قاما بوضع جسم غريب خارج مبني الحركة الشعبية " قطاع الشمال " الواقع بمدينة أركويت مربع 68 وقد انفجر هذا الجسم حوالي الساعة الرابعة والنصف صباحاً". ما الحاجة لإبلاغ الشرطة بعد ست ساعات من الإنفجار؟ وأين هم شهود العيان؟ وماذا قالوا؟ وغير ذلك من الأسئلة المشروعة. سؤال بسيط عنّ ونحن نكتب هذا المقال وهو كيف سيتصرف أي مواطن بسيط أو تلميذ مدرسي، إذا جاء شخص بعد منتصف الليل، ووضع جسماً غريباً في حرم مسكنه أو أي مكان يخصه، ثم ولى هارباً بسيارة مظللة ليست عليها لوحات وهو يقول لصاحبه أنجزنا، ثم جاء المواطن او التلميذ ووجد أن الشخص الآثم قد وضع جسماً غريباً يلمع من على البعد؟ ربما لا يعرف بعض منسوبي قطاع الشمال الإجابة البسيطة، وهي أن على الشخص الإبتعاد عن المكان تماماً وإبلاغ الجهات المختصة بالأمر، لكن حارس مقر قطاع الشمال لا يدرك هذا (ليتنا عرفنا خلفية الرجل الذي نرجو ألا تكون لديه أي خبرة عسكرية). ذهب الحارس لتحري الأمر بنفسه ولمس الجسم الغريب اللامع فانفجر ليدمر زيراً وبرميل نفايات. لم يدر الحارس (المسكين) شيئاً عن القاعدة الذهبية التي تقول أن ليس كل ما يلمع ذهباً. الأكثر غرابة في الأمر أن متفجرات كانت مخصصة لتدمير مبنى من أربع طوابق ينتهي بها الحال إلى ما انتهى عليه. الحمد لله على سلامة الجميع أولاً وأخيراً ونسأل الله الحفظ والسلامة للجميع، أما أمر القنبلة فلم يكن سوى لعبة!
قبل صحيفة (العاصمة) نقلت (الرأي العام 26/5/2009) عن بيان لشرطة ولاية الخرطوم أنه لم يتم العثور على أي مؤشرات لوجود شظايا أو ترسبات كربونية أو آثار للضغط !
جميعنا بالطبع في انتظار النتيجة النهائية التي ستسفر عنها تحقيقات الشرطة لكن بما إننا خلصنا إلى أن الأمر لعبة فلا بد ان نشير إلى أنها لعبة خطرة فما هي دوافع هذه اللعبة الخطرة؟
قاد الراحل د. جون قرنق الحركة الشعبية لتحرير السودان وهو جالس على فوهتها مغلقاً (صندوق باندورتها) بحضوره المكثف الآسر. صعد الرجل بحركته بطيئاً كالحلزون نحو القمة حتى إذا ما بلغها، عاجلته المنية فتدحرجت كرة النار الضخمة نحو الوراء، وإن كان ذلك ببطء. كلما ارتجت الكرة الضخمة كلما قذفت من أحشائها كائناً واحداً ضخماً أو كائنات. هكذا انقذف تيلارا دينق وإليو أجانق و نيال دينق و عبد العزيز الحلو ورمضان محمد عبدالله والواثق كمير وياسر عرمان نفسه ثم عادوا جميعاً فيما خرج بشكل درامي –كعادته- لام أكول، وهناك من ينتظر في إنتظار الرجة القادمة. ليس ياسر عرمان -وهو مقاتل سياسي شرس ورجل تكتيكات وتحالفات مميز- من طينة الرجال الذين يستسلمون بسهولة، فمثلما كان الضابط الأول لإيقاع حركة الحركة الشعبية لتحرير السودان في الشمال إبان فترة الحرب، أعاد الرجل بسرعة هائلة صياغة تحالفاته للبقاء في نفس المكان بصورة أكثر تنفذاً وإستقلالية من تلك الصورة التي كان عليها إبان عهد الراحل قرنق. في عهد الراحل قرنق كان عرمان يستمد نفوذه من القائد التأريخي الفذ، لكنه كان يصوغ خطوات قائده ايضاً عبر إستشاراته المكثفة والعلنية وكم شهد المقربون كيف كان ياسر عرمان يعيد صياغة أحاديث قائده ومداخلاته بصورة أكثر ضبطاً وملاءمة لمقتضى تحالفات الشمال حين كان القائد يتحدث مرة أو مرتين على سجيته.
خسر عرمان معركته الأولى، وغادر السودان متخلياً عن ممارسة مهامه الحركية، ثم خسر مقعده البرلماني في معركة بان فيها ظلم ذوي القربى من رجال حزبه الذين صوتوا علناً من أجل إقصائه.
غادر الرجل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث التحق ببرنامج اللغة الإنجليزية المكثفة والإرشاد بجامعة أيوا تحت إشراف مستشار خاص هو السيد/ جون هاوس الذي شاركه السكن طوال فترة الدراسة. كان هاوس يقوم بمساعدته على إكتساب مهارات اللغة الإنجليزية، والتعرف على الثقافة الأمريكية، والأهم من كل ذلك تنسيق مقابلاته مع المسئولين الذين يرغب عرمان في مقابلتهم. وصف هاوس عرمان في حديث له مع (فيرجينيا زانتاو) المحررة بصحيفة (أيوا ستيت دايلي) بأنه طالب جيد جداً وأنه حريص على معرفة كل شيء. أما عرمان نفسه فقد ذكر للصحيفة (19/6/2007) أنه هنا لإعادة الإرتباط بالحياة الأكاديمية وأنه يرغب في ترقية مهاراته وربما الكتابة عن تجربته. كتب عرمان مقالاً مطولاً عن رفيقه الراحل قرنق بعنوان (حضور في سونامي الغياب) وهو المقال الذي نشر لاحقاً في كتيب. لكن المقاتل الشرس كان فقط يموه ويستريح إذ سرعان ما جال الولايات الأمريكية مع رفيقه القديم عبدالعزيز آدم الحلو متحدثاً في الندوات وفي وسائل الإعلام ثم عاد أكثر قوة وخبرة وشكيمة إلى الخرطوم واستعاد عبر معركة عنيفة موقعه البرلماني وحضوره الباذخ في الساحة السياسية والإعلامية السودانية. وفيما كان عرمان يتحدث في الولايات المتحدة عن أن غرضه من البقاء هناك هو الدراسة فإن عضو المجلس الوطني والناطق الرسمي بإسم قطاع الشمال –حينذاك- دينق قوج كان يبلغ صحيفة (آخر لحظة 27/6/2007م) أن عرمان في الولايات المتحدة بتكليف من النائب الأول الفريق أول سلفاكير ميارديت في مهمة وطنية ضخمة وهامة بغرض إقناع حركات دارفور التي لم توقع على إتفاق السلام.
تتدحرج كرة النار الهائلة ، لكن السيد ياسر عرمان أكثر قدرة هذه المرة على الإحتفاظ بمقعده دون مساعدة من أحد. صار زعيماً (مستحقاً للزعامة) تغضب لغضبته أعداد من الناس (دون أن نتورط في الحساب) وتدفع عنه الأذى أقلام صحفية من الخرطوم وواشنطن ومانشستر وأكسفورد وقريباً من دبلن.
الحركة الشعبية حزب الجماهير العريضة الذي يقول أمينه العام أن منسوبيه بلغوا الثمانية ملايين عضواً وهو ما يعني عشرات أضعاف عضوية حزب العمال البريطاني التي تسعى لبلوغ حاجز المائتي ألف شخص (198,026 عضواً عام 2005)، لا يستطيع توفير حراس لمقره في العاصمة؟ أمره عجاب هذا الحزب الذي ينضوي ربع سكان البلاد تحت لوائه ولا يجد حراساً يؤمنون مقره الأكبر من اللصوص والمتشردين ناهيك عن الأشرار ممن ينوون مس قياداته بالضر!
من هو المستفيد من هذه العملية؟ بالتأكيد عملية مثل هذه لا ترهب السيد/ عرمان ولا قادة الحركة الشعبية الذين عايشوا القنابل الحقيقية وحمم اللهب والنيران فوق رؤوسهم وتحت أقدامهم فما نال ذلك من عزمهم. هؤلاء لا ترهبهم قنابل تصنع من الصابون والزئبق. ترى هل المستفيد هو ياسر عرمان نفسه ؟ وهل يسعى (الآثم) الذي وضع القنبلة (اللعبة) إلى إكساب السيد عرمان تعاطف الشارع الجنوبي وربما اليساري على ضوء معارك الرجل ضد القوى الشمالية المتنفذة وضد الإعلام اليميني والمؤسسة الدينية؟ ربما، لكن مثل هذا العمل أخرق.
الحركة الشعبية تنكفيء الآن نحو الجنوب وفي الجنوب تنكفيء أكثر وأكثر، وربما بلغ آذان الجميع أن زعيم الحركة زاهد في الخرطوم وحرها وقضها وقضيضها، وأن لديه من المشكلات ما تنوء مفاتيحه بالعصبة أولي القوة، لذا فهو زاهد في قطاع الشمال نفسه. كل ما يريد الرجل من الدنيا ما تيسر من قطاع الجنوب وأموال النفط وفيما عدا ذلك، فالحشاش يملأ شبكته.
هذا يصعب المهمة على قطاع الشمال فلكي يبقى حضوره –وحضور قادته بالطبع- مطلوباً على الدوام ، ينبغي عليه أن يسبق قطاع الجنوب –دائماً-بخطوة أكثر تطرفاً ضد شركائه في حكومة الوحدة الوطنية. ينبغي عليه أن تظل معركته دائرة محركاتها على الدوام ليمنع أي تقارب بين الجنوب الحقيقي والشمال لئلا يكون (هو) الثمن. المعادلة سهلة إذا حقق السادة البشير وعلي عثمان ونافع وسلفاكير ومشار وأموم تفاهماً حول غالب القضايا واتفقا على آلية لحل ما قد يطرأ من قضايا وافتعل قطاع الشمال أي مشكلة فسيتم ضبطه وربما قمعه بواسطة الحركة الشعبية نفسها وليس غيرها. لن يكون حزب المؤتمر الوطني (الشريك الأكبر) بحاجة للتعايش مع قطاع الشمال إذا كان قادراً على التعايش مع قطاع الجنوب. إن الحضور المكثف لقطاع الشمال هو ناتج –قطعاً- من ضعف آليات التفاهم بين شريكي نيفاشا على مستوى القيادة الأعلى.
كلما انكفأت الحركة الشعبية على الجنوب وتركت قطاع الشمال في العراء، شعر الأخير بالحاجة إلى إعادة التأكيد على حضوره سواء بإفتعال المشاكل أو بتأجيج الموجود أصلاً فيها وربما كانت قضية محاولة تفجير مقر أركويت ضمن الأنشطة التي يفترض ديناميك هذه المعادلة القيام بها.
على كل ليست هناك عجلة في الأمر وربما نستمع إلى الحقيقة الكاملة من الشرطة ومن قبل السيد ياسر عرمان نفسه في بحر الأيام القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.